التقارب بين تركيا والجزائر يرفع "الفيتو" أمام فيلم تاريخي

"الملكة زافيرا" ينضم إلى لائحة الأعمال المغضوب عليها من طرف الرقابة.
الأربعاء 2022/12/14
سرد التاريخ خارج الإطار الرسمي

ما تزال بعض الدول تمارس سياسة المنع والرقابة على الأعمال السينمائية رغم أننا بتنا في زمن أكثر تحررا خاصة مع انتشار وسائل عرض بديلة عن القاعات، متمثلة في منصات البث والوسائط الرقمية، وإن تعددت أسباب المنع فإن مردها واحد، هو السلطة التي تريد أن تفرض وصايتها وتوجهاتها على المبدعين، وهذا ما نراه ماثلا في الجزائر اليوم.

الجزائر - أثار منع عرض فيلم “الملكة الأخيرة” في مهرجان الجزائر الدولي للسينما المنتظم بالعاصمة، ردود فعل غاضبة تجاه قرار الوزارة المفاجئ، كونه لم يقدم المبررات المقنعة للمنظمين ولفريق العمل، مما أعاد طيف الرقيب على الإبداع الفني والسينمائي، خاصة أن المهتمين ما زالوا ينتظرون مصير فيلم “العربي بن مهيدي” الذي مرت عليه سنوات منذ إنتاجه إلا أنه لم يعرض بعد.

أصيب فريق عمل فيلم “الملكة الأخيرة" بصدمة بعد إعلان وزارة الثقافة عن منعه من العرض، بدعوى عدم الحصول على التأشيرة السينماتوغرافية، الأمر الذي حرم الجمهور والمهتمين باكتشاف العمل الذي شارك في عدة محافل إقليمية وعربية، وهو ما اعتبره المنتجون إجحافا في حق جهودهم ومبررا غير كاف للقرار.

 وذكر بيان لجنة التنظيم بأن “وزارة الثقافة والفنون أعلمت محافظة مهرجان الجزائر الدولي للسينما أنه بناء على النصوص الناظمة للقطاع والمتعلقة بالرخص والتأشيرات السينماتوغرافية، فإن فيلم ‘الملكة الأخيرة’ للمخرج داميان أونوريه لم يمنح التأشيرة السينماتوغرافية وذلك لعدم برمجة العرض الأول من قبل وزارة الثقافة والفنون”.

وكان الفيلم قد عرض يومين قبل بداية التظاهرة في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي المنتظم في المملكة العربية السعودية، بحضور عدد من الوجوه الفاعلة فيه، على غرار المخرج داميان أونرويه والمنتجة عديلة بن ديمراد، فضلا عن الممثلين إيمان نوالي، محمد طاهر زاوي، طارق بوعرعارة، أحمد زيتوني وبن صالح دالي.

روايات حول المنع

الفيلم ممنوع في الجزائر
الفيلم ممنوع في الجزائر

كما شارك قبل ذلك في الدورة الـ79 لمهرجان البندقية السينمائي الدولي، ضمن قائمة الأفلام المتنافسة في فئة “أيام المؤلفين"، كما فاز بجائزة ملتقى بيروت السينمائي منذ ثلاث سنوات.

ويسرد الفيلم حياة الملكة الجزائرية زافيرا التي تربعت على عرش الجزائر خلال القرن السادس عشر، وهو التاريخ الذي صادف بداية التواجد العثماني على الأراضي الجزائرية، فضلا عن الغزو الإسباني للعديد من المدن والسواحل الجزائرية، وما رافقه من تحولات سياسية واجتماعية في الجزائر خلال تلك المرحلة.

وتذكر الروايات التاريخية أن الملكة زافيرا هي زوجة السلطان الجزائري سليم التومي الذي كان يتربع على عرش العاصمة آنذاك، وأنه ينحدر من قبيلة الثعالبة، ولأنها كانت امرأة فائقة الجمال فقد كانت هدفا للوافدين الجدد إلى البلاد، وأن أحد القادة العثمانيين أراد الزواج بها غصبا بعدما قتل زوجها، لكنها ظلت رافضة لأي رجل وقررت الانتخار في قصرها "قصر عزيزة"، كتعبير منها عن رفضها الحياة دون زوجها.

الفيلم يسرد حياة الملكة الجزائرية زافيرا التي تربعت على عرش الجزائر زمن بداية التواجد العثماني في البلاد
الفيلم يسرد حياة الملكة الجزائرية زافيرا التي تربعت على عرش الجزائر زمن التواجد العثماني 

وتضيف الروايات بأن زافيرا كانت على قدر كبير من الإبداع والذوق الراقي، فابتكرت العديد من الأزياء والألبسة المصنفة حاليا كتراث إنساني عالمي، على غرار "الدرون" و"سروال الشلقي"، و"الكاراكو".

ولا يستبعد أن تكون خلفيات أخرى لقرار المنع من العرض، كون الفيلم الطويل يقدم الأحداث وفق قراءة لا تتواءم مع التقارب الشامل بين الجزائر وتركيا، بما في ذلك المجال الثقافي والفني، وأن الحديث عن قتل العثمانيين الوافدين إلى الجزائر للسلطان سليم التومي، ومحاولة القائد بابا عروج الزواج بزافيرا غصبا، هي رواية لا تخدم التقارب المذكور.

وترى روايات أخرى بأن العثمانيين لم يقرروا التخلص من السلطان سليم التومي، إلا بعدما سعى للانقلاب عليهم والتحالف من جديد مع الإسبان الذين تخلص منهم الجزائريون بعد قدوم العثمانيين، وأن الرغبة في الزواج من زافيرا كانت بناء على مشاعر حب وليس غصبا، ومن بين ما أرسله لها قوله، حسب القنصل الفرنسي آنذاك لوجي دوتاسي “زافيرا الجميلة، صورة الشمس، أجمل بصفاتك النادرة من الإشراق الذي يحيط بشخصك، أسعد غزاة العالم وأسعده، الذي يرضيه كل شيء، لا يخضع إلا لك ويصبح عبدك".

وتضيف الروايات بأن "ابنها سالم التومي تمرد على العثمانيين وسعى للثأر لوالديه سليم وزافيرا، بمحاولة التحالف مجددا مع الإسبان، لكن الأتراك سبقوه لذلك وتخلصوا منه هو الآخر في إحدى المعارك بمدينة وهران".

سياسة المنع

عاد مهرجان الجزائر الدولي للسينما إلى الواجهة في دورته الـ11 بعد تأجيل لسنتين بسبب ظروف الجائحة والإغلاق الصحي، وأطلقت عليه صفة "الملتزم" التي توحي إلى طبيعة الأعمال المشاركة فيه، والتي تدور وقائعها حول القضايا الإنسانية والتحررية، وشارك فيه 60 عملا بين طويل وقصير ووثائق، منها 25 فيلما دخلت غمار المنافسة الرسمية من مختلف الدول على غرار فلسطين، النرويج، فرنسا، السويد، بلجيكا، رواندا، بريطانيا، كندا، السنغال، كوبا، سويسرا، صربيا والبلد المضيف.

تحت الرقابة..
تحت الرقابة.. 

وسبق للإدارة أن تدخلت لمنع عرض أعمال أخرى، كما هو الشأن بالنسبة إلى فيلم "العربي بن مهيدي" للمخرج والمنتج بشير درايس، ورغم أن العمل ممول من الخزينة العمومية، إلا أنه ما زال ينتظر الضوء الأخضر لعرضه للجمهور، وذلك بسبب طبيعة الرواية التاريخية التي قدمها المخرج لشخصية المناضل والقائد التاريخي العربي بن مهيدي، حيث ألحت وزارة الثقافة على ضرورة مراجعة بعض المشاهد والحوارات، إلا أن المخرج تصلب في موقفه لحد الآن، ويعتبر ذلك "أمانة تاريخية وفنية غير قابلة للتصرف".

وجاء فيلم "الملكة زافيرا" لينضم إلى لائحة الأعمال المغضوب عليها من طرف الوصاية، فيما يرى أصحابه أن السلطات المختصة تريد فرض خط أحادي على الإبداع، ولا تسمح بطرح رؤى أخرى للأحداث. ورغم أنه كان رئيسا للجنة التحكيم، فإن المخرج الجزائري مرزاق علواش وجه انتقادات شديدة للجنة التنظيم ووصفه بمهرجان "العار"، وذلك على خلفية عدم عرض بعض الأعمال التي كانت مبرمجة.

وكتب في تدوينة له على حسابه في فيسبوك "من السينما الملتزمة إلى السينما المطرودة.. آسف لرواد السينما الجزائريين الذين لم يتمكنوا من مشاهدة عدة أفلام تم إلغاؤها في مهرجان العار هذا، عدت إلى المنزل في انتظار أيام أفضل، سينما جزائرية فقيرة".

13