التقارب المغربي - الإماراتي - الموريتاني ضرورة إقليمية

الحديث اليوم عن التقارب الثلاثي المغربي – الموريتاني – الإماراتي وترسيخ أسس المحور الإستراتيجي التاريخي بين أبوظبي والرباط عبر نواكشوط هو حقيقة جيوسياسية إقليمية ونتيجة طبيعية للجهود الجبارة التي تقوم بها قيادات الدول الثلاث من أجل النهوض بالعمل العربي والأفريقي المشترك والرغبة الأكيدة في خدمة الشعوب الأفريقية واستنهاض قدراتها وفق ضوابط سيادية متوافق عليها، وميكانيزمات تؤطرها قيم الشفافية والالتزام والوضوح والمسؤولية انطلاقا من تطابق وجهات النظر حول القضايا الإقليمية والقارية والدولية الراهنة، تكرّسها العلاقات الاقتصادية الممتازة التي تربط بين العواصم الثلاث.
موريتانيا تاريخيا هي جزء محوري من العمق الإستراتيجي والمجال الحيوي للمملكة المغربية في أفريقيا. بالتالي، فإن حتمية التعاون والتنسيق بين المغرب وموريتانيا هي مطلب جيوسياسي وضرورة اقتصادية في ظل توازنات السياسة الخارجية الإقليمية، سواء المغاربية أو الأفريقية أو الدولية، ومدخل محوري لتأسيس شراكة إستراتيجية مستدامة ومندمجة وقوية وناجعة وفعالة بشكل يخدم مصلحة الشعبين الشقيقين المغربي والموريتاني من خلال تجسير هوة الخلافات السياسية بين الطرفين أو إبقائها عند مستويات تسمح للجانبين بصناعة الاستقرار الإقليمي في ظل قيم الانفتاح والتكامل والاحترام المتبادل لمعاني السيادة واستقلالية القرار السياسي بأبعاد أخوية وإنسانية وتنموية شاملة والتفكير الجدي في ابتداع مقاربات جديدة لتأطير العلاقات الثنائية بين الرباط وموريتانيا بالارتكاز على التاريخ المشترك الطويل بين البلدين. فموريتانيا هي جزء من العمق الإستراتيجي للمغرب حيث تعتبر من أكثر الدول الأفريقية استقبالا للاستثمارات الخارجية المغربية.
◄ الجمهورية الإسلامية الموريتانية اليوم كدولة مستقلة ذات سيادة مطالبة بفك الارتباط السياسي مع ميليشيا بوليساريو الإرهابية وإلغاء اتفاقية الجزائر المشؤومة
في نفس السياق، تشكل العلاقات المغربية – الموريتانية لصانع القرار السياسي في نواكشوط خيارا إستراتيجيا محوريا في علاقاتها الخارجية، حيث تعتبر المملكة المغربية تاريخيا وحاضرا عمقها الإستراتيجي والثقافي والروحي والبشري والاقتصادي. بشكل خاص بعد تحرير المعبر الدولي الحدودي الكركرات من عصابات وميليشيات البوليساريو، حيث يمكن اعتبار انتصار المغرب في معركة الكركرات عسكريا وسياسيا ودبلوماسيا هدية مجانية قدمها المغرب في طبق من ذهب للفاعل السياسي في نواكشوط. هذا الانتصار حرّر موريتانيا من تهديد بوليساريو للأمن الاقتصادي الموريتاني، كما أنه أعطى لموريتانيا حرية أكثر في الانتقال بين المحاور الجيوسياسية في المنطقة، لأن تأمين المغرب لمعبر الكركرات الدولي بعملية عسكرية وأمنية دقيقة هو تحرير أيضا لموريتانيا من وصاية ميليشيا بوليساريو الإرهابية التي لا تتوانى عن تهديد الأمن الإقليمي والدولي خدمة لأجندات توسعية إقليمية.
الإمارات العربية المتحدة الدولة الشقيقة للمملكة المغربية تظل أحد أهم الشركاء الإستراتيجيين للمملكة وتعتبر أحد أهم الحلفاء الثابتين في مواقفهم بالنسبة إلى المغرب. تلعب دورا مركزيا في ترسيخ العمق العربي للمغرب بالنظر إلى العلاقات التاريخية والأخوية بين قيادة الإمارات والعاهل المغربي الملك محمد السادس، حيث يظل محور الرباط/أبوظبي جزءا أساسيا من الأمن القومي العربي الممتد من الخليج إلى المحيط في ظل التحديات الجيوسياسية الخطيرة التي يعرفها العالم في هذه المرحلة الدقيقة من التاريخ الإنساني.
العلاقات الإماراتية – الموريتانية عرفت تطورا كبيرا على جميع الأصعدة نتيجة الرغبة الأكيدة لقيادات البلدين في ترسيخ هذه العلاقات وإعطائها بعدا تنمويا إلى جانب طبيعتها التضامنية. فموريتانيا اليوم حبلى بالفرص الاستثمارية الواعدة، حيث أعلن الجانبان في الكثير من المناسبات تطابق وجهات النظر والمواقف بينهما في العديد من القضايا العربية والإقليمية والدولية، وبشكل خاص مكافحة الإرهاب والتطرف والجهات التي تعمل على تقويض الأمن والاستقرار. تجلّى تميز هذه العلاقات وتطورها في التبادل الثنائي لزيارات رفيعة المستوى بين الجانبين، وتنسيق المواقف السياسية، وتوقيع اتفاقيات مهمة في العديد من المجالات الاقتصادية والصحية وعلى مستوى الطاقة والبنية التحتية، حيث تقوم الإمارات العربية المتحدة بتمويل مشروع بناء الطريق الإستراتيجي الذي يربط بين المدن الشرقية في موريتانيا، وصولا إلى الحدود المشتركة مع جمهورية مالي المجاورة.
◄ اتفاقية الجزائر 1979 ترهن القرار السيادي الموريتاني لصالح جبهة بوليساريو الإرهابية، وتفرض وصاية حقيقية على علاقات نواكشوط بدول الجوار
يمكن اعتبار المبادرات التنموية المغربية في أفريقيا دفتر تحملات إقليمي مغربي تقدمه الرباط العاصمة لمختلف العواصم الإقليمية، ومن بينها أبوظبي ونواكشوط، من أجل الانخراط في جهود التنمية بأفريقيا وأرضية صلبة لتطوير الجهود التنموية في القارة. تظهر جدية والتزام وإرادة المملكة المغربية في تنمية وخدمة القضايا الأفريقية من منطلق تنموي تضامني صادق، مثل المشروع الهيكلي أنبوب الغاز الأفريقي – الأطلسي الذي يخدم أكثر من 400 مليون أفريقي في دول غرب أفريقيا، من بينها موريتانيا ومسلسل الرباط للدول الأفريقية الأطلسية، والمبادرة الملكية لتسهيل ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي. تشكل هذه المبادرات مبادرات إقليمية رائدة للاندماج الإقليمي والقاري، حيث ستتحول الصحراء المغربية إلى جسر لوجيستي وتنموي عملاق يخدم مصالح شعوب الدول الأفريقية الحبيسة في الصحراء الأفريقية الكبرى وغرب أفريقيا، وستشكل للاقتصاد الموريتاني فرصة واعدة من أجل التكامل الاقتصادي والاندماج الإقليمي.
الصحراء المغربية اليوم، بفضل مسارات تنموية وسياسية ودبلوماسية متعددة أبرزها نهج دبلوماسية القنصليات، تحولت إلى فضاء دبلوماسي وسياسي إقليمي وقاري ودولي متميز. وتعتبر من أكثر الأقاليم ازدحاما في العالم بالقنصليات والبعثات الأجنبية، مما يشكل فرصة أكيدة لتطوير موقف سياسي إقليمي جديد ينطلق من مبادئ سياسية واضحة ترتكز على تقوية المشترك السياسي والاقتصادي. فالعديد من المعطيات اليوم على الفاعل المؤسساتي والمدني الموريتاني استحضارها في أفق تطوير موقف سياسي جديد يتناغم مع التغيرات الكبرى التي يعرفها العالم ومعها النزاع الإقليمي المفتعل حول سيادة المملكة على الأقاليم الجنوبية. فأكثر من 50 دولة، تقريبا، سحبت في العقدين الأخيرين الاعتراف بالجمهورية الوهمية، ليتراجع عدد البلدان التي ما تزال تعترف بهذا الكيان الوهمي إلى حدود 28 دولة فقط. بصيغة أخرى، فإن أكثر من 84 في المئة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لا تعترف بالجمهورية الوهمية.
◄ موريتانيا تاريخيا هي جزء محوري من العمق الإستراتيجي والمجال الحيوي للمملكة المغربية في أفريقيا. بالتالي، فإن حتمية التعاون والتنسيق بين المغرب وموريتانيا هي مطلب جيوسياسي وضرورة اقتصادية
في مقابل ذلك، أكثر من 110 دول أعضاء في الأمم المتحدة تدعم مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية كحل أساسي ونهائي للنزاع، من بينها أكثر من 22 دولة أوروبية، وأكثر من 40 في المئة من دول الاتحاد الأفريقي التي لها قنصليات في العيون وفي الداخلة إلى جانب دول أخرى من آسيا وأميركا اللاتينية بعدد يتجاوز 30 قنصلية. كل هذه الأرقام والحقائق تؤكد حقيقة واحدة، أن ماضي الصحراء المغربية وحاضرها ومستقبلها لن يكون إلا تحت السيادة المغربية، وأن التحاق الطرف الموريتاني بدعم صريح وواضح للشرعية الدولية هو السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة والازدهار لشعوب المنطقة.
في ظل هذه المتغيرات الكبرى التي يعرفها النزاع الإقليمي المفتعل، تؤطرها ديناميكية دبلوماسية مغربية فاعلة ومتميزة. بكل الوضوح الممكن، فإن الجمهورية الإسلامية الموريتانية اليوم كدولة مستقلة ذات سيادة مطالبة بفك الارتباط السياسي مع ميليشيا بوليساريو الإرهابية وإلغاء اتفاقية الجزائر المشؤومة يوم 5 أغسطس 1979 مع كيان إرهابي منبوذ أفريقيا لا وجود له دوليا. وقّع الطرف الموريتاني هذه الاتفاقية في ظل مناخ داخلي وإقليمي وقاري ودولي مرتبط بالصراع بين المعسكرين الشرقي والغربي وتصاعد المد الاشتراكي وهيمنة الفكر الانقلابي على القيم الديمقراطية الأصيلة.
اتفاقية الجزائر 1979 ترهن القرار السيادي الموريتاني لصالح جبهة بوليساريو الإرهابية، وتفرض وصاية حقيقية على علاقات نواكشوط بدول الجوار، وتكبّل حرية موريتانيا كدولة ذات سيادة في تدبير علاقاتها الثنائية بالندية اللازمة مع باقي شركائها الإستراتيجيين كالمغرب والجزائر. انفتاح موريتانيا على محيطها الإقليمي هو أمر مطلوب من أجل بناء اقتصاد موريتاني تنافسي وقوي قادر على أن يكون أحد محركات قنوات التكامل الإقليمي بشكل متناغم مع المبادرات المغربية في أفريقيا.
الرؤية الملكية الإستراتيجية تشكل العمود الفقري للسياسة المغربية في أفريقيا والمبادرات التنموية المغربية في أفريقيا، وبشكل خاص في غرب أفريقيا والساحل، حيث تعتبر أرضية مشتركة صلبة يمكن الاعتماد عليها لتطوير العمل البيني المشترك والتعاون الإقليمي بين الرباط وأبوظبي ونواكشوط في ظل التحديات الجيوسياسية الدولية والقارية والإقليمية التي يعرفها العالم. تتطلب هذه التحديات المزيد من تشبيك العلاقات وتطويرها بشكل يخدم مصالح الشعوب ويضمن استقرارها وسيادتها وسلامة أراضيها.