التفاتة تنموية للجهات التونسية بعد سنوات من الإهمال

تونس- تتجه الحكومة التونسية نحو الاهتمام بالجانب التنموي والاقتصادي للمحافظات، بعد سنوات من الإهمال والتقصير؛ حيث صادق البرلمان على اتفاقية قرض لإنجاز طرقات وتأهيلها في أربع محافظات بالبلاد.
ويأتي ذلك بعد حصيلة تنموية ضعيفة إثر ثورة يناير 2011، حيث كان أحد شعاراتها المطالبة بالتنمية وتحسين البنية التحتية للجهات، إذ لم تنفذ الحكومات السابقة أي مشروع يذكر طيلة العقد الماضي، وانشغلت بالصراعات السياسية.
ويكتسي ملف التنمية الجهوية في تونس أهمية بالغة، لكنه ظل مجرد خطاب تردده الطبقة السياسية وفي مقدمتها الحكومات المتعاقبة على امتداد 10 سنوات، ويرى مراقبون أن المنوال التنموي مسألة لا يمكن حلحلتها إلا بخيارات إستراتيجية يتم تحديدها والاتفاق عليها مسبقا.
وصادق البرلمان مساء السبت على مشروع قانون يتعلق باتفاقية قرض بين تونس والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي بقيمة 16 مليون دينار كويتي، أي نحو 160 مليون دينار تونسي للمساهمة في تمويل مشروع إنشاء وتأهيل الطرق المصنفة بجندوبة وباجة والكاف ونابل (شمال).
وتتمثل مكونات المشروع، الذي ستشرف على إنجازه وزارة التجهيز، في سد الثغرات بالطريق الجهوية رقم 76 بباجة وتهذيب الطريق الجهوية رقم 75أ 2 بولاية جندوبة وتهذيب الطريق الجهوية رقم 173 بولاية الكاف وأشغال تدعيم الطريق الجهوية رقم 43 بولاية نابل، علاوة على الخدمات الفنية.
وانتقد النواب في تدخلاتهم غياب أو ضعف التنمية في الجهات لاسيما البنية التحتية والأساسية والمشاريع الاستثمارية والمشاريع الصغرى، مستعرضين جملة من مشاغل المواطنين وبالأساس تلك المتعلقة بالتزود بمياه الشرب وتدعيم النقل وإصلاح الطرقات المهترئة، وأوصوا الحكومة بدفع مستحقات المقاولين الذين أصبحوا يرفضون التعامل مع الدولة ما أدى إلى تعطل إنجاز المشاريع.
ودعا النواب إلى مواصلة العمل مستقبلا، على أن توجه القروض المتحصل عليها إلى تمويل المشاريع التنموية ودفع التنمية بكل مناطق الجمهورية وعدم الاقتصار على اقتناء المواد الأساسية أو توجيهها لسداد قروض حلّ أجلها.
وأكّدت رئيسة الحكومة نجلاء بودن، في يونيو الماضي، أن الحكومة ستعطي الأولويّة للإسراع في استكمال إنجاز المشاريع التنموية المموّلة من قبل شركات استثماريّة خليجية مع السعي لاستقطاب استثمارات جديدة في إطار التوجّه الحكومي والاستفادة من الكفاءات والخبرات التونسيّة داخل حدود الوطن.
وجاء ذلك خلال لقاء في قصر الحكومة بالقصبة، جمع بين بودن والأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية جاسم محمد البديوي.
وأكّد الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية على أنّ إمضاء مذكّرة التفاهم بين وزارة الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج والأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربيّة سيشكّل حجر زاوية مهمّة في مسيرة التعاون مع دول الخليج ومنطلقا لإعداد مخطط تنفيذي للسنوات المقبلة.
وأضاف أن العناية بالجالية التونسيّة في دول الخليج العربيّة وتطوير الاستثمارات بتونس سيمثلان أهم الأولويات التي سيقع التعاون بشأنها.
ومنيت كل مخططات الحكومات التونسية المتعاقبة لتنمية المحافظات بالفشل نظرا لغياب الإرادة السياسية والجهود اللازمة لتوفير فرص إنجاز المشاريع، فضلا عن البيروقراطية التي عرقلت الآلاف من المشاريع ما حال دون إرساء قواعد العدالة الاجتماعية وفجر الاحتجاجات الشعبية.
1500
مشروع نسائي تم بعثها في الأرياف، وفق بلاغ صدر عن وزارة المرأة
وقال ناجي جلول، رئيس حزب الائتلاف الوطني التونسي، “لسنا ضدّ القروض إذا ذهبت إلى التنمية، ومشكلة العشرية الماضية كلها خطابات دون إنجاز”.
وقال لـ”العرب”، “من الجيد أن تكون هناك قروض يصادق عليها البرلمان لفائدة إنجاز الطرقات”، موضحا “إذا أراد الرئيس سعيد تحسين الجانب التنموي فعليه التعويل على الكفاءات”.
وفي وقت سابق اقترح الرئيس التونسي قيس سعيد أنموذج الشركات الأهلية كدافع جديد للتنمية، وتهدف هذه الشركات إلى تحقيق التنمية الجهوية وأساسا بالمناطق الصغيرة وفقا للإرادة الجماعية للأهالي وتماشيا مع حاجيات مناطقهم وخصوصياتها، وتمارس الشركات الأهلية نشاطا اقتصاديا انطلاقا من الجهة الترابية التي تنتمي إليها.
وبحسب المرسوم الخاص بالشركات الأهلية يمكن الجمع بين صفة المشارك في الشركة الأهلية وصفة العامل، ولا يمكن أن يقل رأس مال الشركة الأهلية المحلية عن 10 آلاف دينار (3.36 ألف دولار).
ويقر العديد من الخبراء في تونس بأنه سيكون لتلك الشركات تأثير إيجابي على النموذج التنموي، الذي تسعى الحكومة إلى ترسيخه، فضلا عن كونها وضعت كحلول وقتية للحد من ارتفاع نسب البطالة، كما توفر لرواد الأعمال فرص بعث مشاريع والإشراف عليها.
وتعتزم وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السنّ خلال المخطط التنموي 2023 – 2025 إحداث 30 مجمعا تنمويّا نسائيّا في المناطق الريفيّة باعتمادات تقدر بـ3 ملايين دينار وبمعدّل 10 مجامع تنمويّة جديدة سنويّا تعتمد سلاسل القيمة في القطاع الزراعي والصناعات التقليدية وتحويل المنتجات.
وحسب بلاغ صدر عن وزارة المرأة، مطلع العام الجاري، ستمكن هذه المجامع التنموية من بعث 1500 مشروع نسائي في الأرياف.
ويتنزّل إحداث المجامع التنمويّة في إطار تنفيذ الإستراتيجية الوطنية للتمكين الاقتصادي والاجتماعي للمرأة في المناطق الريفية من أجل دعم التشغيل الذاتي لفائدة النساء والفتيات في الوسط الريفي وتعزيز روح المبادرة لديهن وتطوير مهاراتهن من خلال التكوين ومرافقتهن في بعث مشاريعهن الخاصة عبر المساعدة على الحصول على التمويل ووسائل الإنتاج.
ولم تتمكن الحكومات المتعاقبة من تفكيك التفاوت والفجوة بين المحافظات حيث بقيت عدة جهات في أرياف تونس ومدنها الداخلية تصارع البطالة والفقر، ما دفعها إلى الاحتجاج في ظل الوضع الاقتصادي المأزوم والتجاذبات السياسية التي عرقلت كل جهود تنمية الجهات، في وقت تصادق فيه الحكومة على قانون موازنة لم يحمل أي مؤشرات أمل للطبقات الهشة.
وافتقرت الحكومات المتعاقبة إلى إستراتيجيات واضحة المعالم والأهداف، تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات كل جهة وإقليم وترسي منوالا تنمويا يقطع مع التمييز السلبي ويعطي مسألة التشغيل والمشاريع التنموية الأولوية القصوى.
وأفاد الكاتب والمحلل السياسي باسل الترجمان بأن “الجميع يلاحظ أن المشاريع التي تم تعطيلها سابقا تتم العودة إلى استكمالها الآن، على غرار المدخل الجنوبي لمدينة تونس وكذلك الجسور التي بجانب مطار قرطاج، وهذا ما يعكس إرادة سياسية حقيقية لإنجاز ما تم إهماله عمدا”.
وأضاف لـ”العرب”، “هناك مساع لتحسين الجانب التنموي من الحكومة رغم الظروف الصعبة والأزمات التي تمر بها، على عكس الحكومات السابقة، مثل التضخم والمديونية وعجز الموازنة”.
ويعد تحقيق العدالة التنموية والاجتماعية والتوزيع العادل للثروة بين الجهات مهمة صعبة على الحكومة الحالية كما هو الحال بالنسبة إلى الحكومات السابقة، ما يتطلب دفع عجلة الاستثمار والبحث عن فرص عمل جديدة للعاطلين والمهمشين، لكن غياب ضمانات للاستثمار المربح للمستثمرين يعيق تفعيل مبدأ التمييز الإيجابي، لأن الاستثمار لا يمكن أن يتحقق بالنوايا الحسنة فقط وإنما أيضا بتوفير مناخات فعلية وأساسا البنية التحتية الجاهزة لاستيعابه.
وتعاقبت على تونس 13 حكومة منذ 14 يناير 2011 أغلبيتها تنتمي إلى أحزاب سياسية باستثناء مهدي جمعة والحبيب الصيد وهشام المشيشي ونجلاء بودن.