التعنت في تنفيذ أحكام رؤية الأطفال بعد الطلاق ظاهرة أسرية في مصر

يؤكد مستشارو العلاقات الأسرية أنه يتوجب على الوالدين وضع حد لأزمات رؤية الأطفال بعد الطلاق، ما يتطلب إعادة النظر في القانون برمته، بحيث تكون هناك استضافات أبوية دورية للأولاد، مشيرين إلى أن علاقة الأب بأولاده يجب أن تكون أكبر من مجرد رؤية، حتى لا يتحملوا الوزر الأكبر لإنهاء العلاقة الزوجية. ويرى الخبراء أنه من الأفضل وجود تربية مشتركة للأبناء بين المطلقين.
القاهرة - تؤكد الكثير من الوقائع المنظورة أمام محاكم الأسرة في مصر حول تنفيذ أحكام الرؤية بعد الطلاق أن المشكلة باتت ظاهرة أسرية، وأمام التعنت من جانب بعض الزوجات في تنفيذ أحكام الرؤية أصدر القضاء حكما فريدا بإسقاط بعض حقوق الأم التي تحرم الأب من أولاده بعد الانفصال لمخاطر ذلك نفسيا على الطرفين.
ويبرهن حجم القضايا المتداولة حول “الرؤية” أن محاكم الأسرة لم تتوصل بعد إلى حل جذري ينهي القطيعة بين الآباء والأبناء بعد الانفصال، وصارت تلك المشكلة إحدى أخطر مظاهر النتائج السلبية لزيادة معدلات الطلاق في مصر، ضمن صراع متواصل بين الرجال والنساء ومحاولة كل طرف استغلال الأبناء كوسيلة للانتقام والابتزاز.
ويتيح القانون المصري للأب بعد الانفصال رؤية الابن لمدة ساعتين أسبوعيا، في أحد الأماكن العامة، مثل النوادي الاجتماعية ومراكز الشباب، وعلى الأب كي يحصل على هذا الحق أن يرفع دعوى رؤية أمام محكمة الأسرة، وليس من حقه أن يصطحب أولاده للمبيت معه أو التنزه برفقتهم، وهو ما قد يجعل الرؤية بلا قيمة كبيرة للطرفين.
وإذا تنازلت الأم ومنحت الأب حق لقاء الابن فجلسات الرؤية قد تتحول إلى ما يشبه قفص الاحتجاز المحدود بقيود ووقت معين وأسلوب تواصل محدد، وفي بعض الأحيان يتعسف المحامون التابعون للأم في منع الآباء من الحديث باستفاضة مع أولادهم خلال جلسات الرؤية، بحجة أن منطوق الحكم يشير إلى رؤية الصغير دون الانفراد بالحديث معه.
وأصبحت بعض الأمهات محل اتهام من آباء بأنهن يتعمدن عدم تنفيذ أحكام الرؤية حتى يقود ذلك إلى جحود الأبناء وقسوتهم على الآباء، وهناك قضايا منظورة أمام محاكم الأسرة باتهام أمهات بشحن الأطفال بأفكار سلبية في محاولة لوصول العلاقة بين الأب وابنه إلى حد الكراهية كنوع من الانتقام، وهي حلقة متكررة بعد الانفصال.
وترتبط المشكلة بأن حكم الرؤية يصدر للأب دون باقي الأقارب، ما جعل هناك أصواتا برلمانية وحقوقية تتصاعد وتطالب بإعادة النظر في القانون، لأنه يمس قضية عائلية خطيرة، وهي حق الأب والأم في رؤية أبنائهما ورعايتهم وتربيتهم، ولا يمكن استمرار علاقة أي منهما بأولاده مقتصرة على مجرد الرؤية.
وهناك رجال يتحملون فاتورة تدهور صلة الرحم مع أولادهم لعدم وجود طريقة تُمكنهم من تلبية احتياجاتهم العاطفية، ولا يستمعون إليهم أو يتقربون منهم ولا يشاركونهم معاناتهم وهمومهم، فاللقاء بين الطرفين يحدث أسبوعيا لساعتين، وهو ما يترتب عليه أحيانا التعامل مع الآباء بقسوة وربما كراهية من جانب الأبناء.
وتقول أصوات نسائية لو كانت الأم سببا في شحن الأبناء ضد الأب بعد الانفصال ومحاولة إبعادهم عنه وتغذيتهم بأفكار سوداوية تجاهه، فإن الأب يتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية، لأنه لو كان يبادلهم الاهتمام والرعاية لما نجحت الأم في ذلك، أما أنه يكتفي بمحاولة رؤيتهم لبضع ساعات كل فترة فهو بذلك يغذي القطيعة.
وتعتقد الأصوات النسائية أن الأم أحيانا تكون مغلوبة على أمرها بالامتناع عن تنفيذ حق الرؤية للأب، لأنه يصر على حرمانها من حقوقها المالية التي تنفق منها على أولادها، لذلك تلجأ إلى مبارزته بورقة الرؤية كي يُعدّل مواقفه، أي أن الأم في النهاية تبحث عن وسيلة ضغط على الأب ليداوم على التزاماته المادية، إذ تحصل على حقوقها بصعوبة.
ومع أن هناك رجالا ضحايا لتحريض الأم للأبناء وحثهم على مقاطعة الأب، فإن المشكلة أكثر تعقيدا عندما يتعمد بعض الآباء شحن الصغار ضد الأم ودعوتهم إلى عدم الانصياع لها، ورفض تنفيذ أوامرها في المنزل وتذكيرهم بصفاتها السيئة التي تسببت في انهيار العلاقة، وهنا قد تضطر الأم إلى حرمانه من الرؤية لمنع المزيد من دفع أولادها إلى كراهيتها.
المشكلة تكمن في أن حكم الرؤية يصدر للأب دون باقي الأقارب، ما حدا بأصوات برلمانية إلى المطالبة بإعادة النظر في القانون
واعترفت أمل مجدي، وهي أم لطفل يبلغ من العمر عشر سنوات، بأنها ترجمت مرارة الظلم والقسوة بحرمان طليقها من رؤية الابن، لأنه يداوم على استغلال اللقاء بينهما في تغذية ابنها ضدها، وحضّه على عدم الانصياع لها، والكشف عن أسرار في العلاقة قبل الطلاق لم يكن يجوز للابن أن يعرفها، حتى لا يتأثر نفسيا وسلوكيا ويصبح كارها للعائلة برمتها.
وقالت لـ”العرب” إنها امتنعت عن تنفيذ حكم الرؤية لحماية ابنها من أفكار الأب السامة، ومن الصعب على أي أم حرمان أولادها من رؤية أبيهم إلا لو كان بادر بارتكاب تصرفات مشينة وسلوكيات يستحق العقاب عليها، أما لو تعامل بالحسنى وحدث الطلاق بطريقة راقية تضمن كرامة الأم، فسوف يجعله ذلك قريبا من أولاده، على الأقل ليشبوا وهم أسوياء.
ويرى متخصصون في العلاقات الاجتماعية أن الخطر الأكبر بعد الطلاق عدم اتفاق الأب والأم على الفصل بين خلافاتهما بطريقة تمنع إلحاق الضرر بالأبناء أو استغلالهم ورقة للابتزاز والانتقام، وهذا نتاج غياب ثقافة التربية المشتركة بين المطلقين لأولادهم، بما يحول دون إحداث أي قطيعة أو جحود بين الآباء والأبناء والأمهات.
كما أن وضع حد لأزمات الرؤية بعد الطلاق يتطلب إعادة النظر في القانون برمته، بحيث تكون هناك استضافة من الأب لأولاده كل فترة، فمن الصعب على الأبناء التعايش بشكل طبيعي في ظروف مغايرة لتلك التي اعتادوا عليها حين كانوا يعيشون مع والدهم في منزل واحد، بالتالي فالرؤية مهما كانت إيجابية تكرس جمود العلاقة.
وأوضح الاستشاري الأسري والأخصائي النفسي في القاهرة محمد هاني أن “علاقة الأب بأولاده يجب أن تكون أكبر من مجرد رؤية، لأنهم بذلك يتحملون الفاتورة الأكبر لإنهاء العلاقة الزوجية، والأفضل وجود تربية مشتركة للأبناء بين المطلقين، ولا مانع تربويا في أن يُتاح للأب اصطحاب أولاده للمبيت في منزله عدة أيام كل فترة”.
وأشار لـ”العرب” إلى أن “الاستضافة كبديل عن الرؤية تنهي احتكار أحد الأبوين لرعاية وتربية الأبناء، بما ينعكس إيجابا على سلوكيات الأطفال، بخلاف الرؤية التي لا تكفي لإشباع نفسية الصغار وتنشئتهم بشكل سليم عاطفيا ومعنويا، كما أن الاستضافة سوف تنهي أي مشكلة قائمة تخص التلاعب بأحكام الرؤية التي لا يجب تحت أي ظرف استخدامها أداة للانتقام”.
ومن الشائع أن الآباء ليسوا جميعا أسوياء، وقد يكون بينهم من يدمن المخدرات أو صاحب سلوكيات سيئة، هكذا تتحجج بعض الأمهات الرافضات لتنفيذ أحكام الرؤية، أو استبدالها بالاستضافة، لكن ذلك لا يعني تكريس القطيعة بين الأب والابن، ما يفرض على الحكومة إيجاد حلول قبل نشأة جيل على الجحود تجاه الآباء.