التعبير رمزيا عن مصائر البشريّة في قصص نبيل عبدالكريم

كاتب يوحي في بعض قصصه بأنه يكتب رواية، رغم اختلاف تقنياتهما، إذ لا يمكن تحويل القصة إلى رواية.
السبت 2018/11/03
عبد الكريم: تقنية القصة تختلف عن تقنية الرواية

عمّان - يجد القاص الأردني نبيل عبدالكريم في القصة القصيرة إمكانيات هائلة للسرد المكثف، والرسم الدقيق للشخصيات، وصنع المفارقات، لذا صار هذا الشكل الإبداعي لعبة محبّبة إلى نفسه يمارسها باستمتاع شديد، ويفتنه السرد المحكم والمبهر الذي ينافس فتنة المرأة الجميلة وبراءة الطفل ولذة فعل الحب ومذاق القهوة في الصباح.

لم ينشر عبدالكريم سوى مجموعتين قصصيتين، يفصل بينهما عقدان من الزمان، هما “الصور الجميلة” عام 1996 عن دار أزمنة في عمّان، و”مصعد مزدحم في بناية خالية” عام 2017 عن الدار الأهلية في عمّان أيضا. وبالرغم من أن المجموعة الأولى لم تقرأ إلا على نطاق ضيق، هو نطاق المتذوقين لجمال الفن القصصي، فقد وضعته في مصاف كتّاب القصة القصيرة المميّزين في التسعينات.

 وشكّلت المجموعة الثانية، التي تضم 25 قصة، نقلة نوعية في أساليب صياغتها، وأبنيتها الفنية، ومفارقاتها، وصورها الكاريكاتيرية والتهكّمية، وخصوصيات شخصياتها التي تتسم بكونها شخصيات معقدة التكوين، متعددة الأبعاد، ذات حساسية مرهفة في تعاطيها مع المؤثرات الخارجية والمتغيرات الطارئة، خاصة في ما يتعلق بتحولات الجسد وخياناته.

الشخصيات تعبّر عن مصائر البشريّة
الشخصيات تعبّر عن مصائر البشريّة 

إنها الحساسية نفسها التي جعلت الزوجة في قصة “عودة السيدة” تقيم حواجز نفسية وجسدية مع زوجها وكأنه شخص غريب، فهي تغلق فتحة الصدر من ثوبها عندما تنحني أمامه، وتشدّ أطرافه عندما تزيح الغطاء عن قدميها، ثم تغطي وجهها بيديها إذا رأته يتأملها، محاولة أن تخفي ذبولها وتحول جسدها إلى خرقة بالية من الجلد. وفي قصة “السكر زيادة” تصل حساسية بطلها مسعود إلى درجة تجعله يتمنى ألا تحتفل العائلة بعيد مولده، ويرى أن كل ترتيبات الاحتفال ليست إلاّ وسائل أُعدّت لتعذيبه وتذكيره بكهولته وتشوهات جسده أمام فتوة زوجته.

في هذا الصدد يقول عبدالكريم إنه استخدم الشخصيات لتعبّر عن مصائر البشريّة على نحو رمزي. أما عن سبب تأنيه في الكتابة، فيؤكد أنه كاتب يفكّر كثيرا قبل الكتابة وفي أثنائها، ولا تكتمل القصة لديه إلا من خلال فعل الكتابة، فهو يبدأ من نقطة غامضة، هي غالبا حدث بسيط جنيني، والكتابة هي سيرورة التخليق والاكتمال لذلك الحدث.

إن المحرك الأساس لفواعل السرد في بعض قصص “مصعد مزدحم في بناية خالية”، والذي يصنع عقدتها ويقودها إلى لحظات التأزم لا ينبني، كما يقول أحد النقاد، على تلك الدوافع التقليدية التي تبدو طافية على سطح الأحداث في مفتتح السرد، بل تنبع من لحظة طارئة دخيلة على ظاهر الصراع الداخلي للشخصية القصصية.

واحتفاء بما حققته هذه المجموعة من تطور في فن القصة بالأردن، فقد نظّم لها مختبر السرديات الأردني مؤخرا ندوة في منتدى مؤسسة عبدالحميد شومان بعمّان، أدارها القاص والروائي نائل العدوان، الذي قال إن في المجموعة غوصا في أعماق النفس البشرية، وتناولا للتطرّف في الدين بطريقة ذكية، كما أن السرد فيها لم يُؤدلج، بل أوصل رسائله بطرائق فنية مبطّنة.

وتحدث الشاعر والناقد خلدون امنيعم عن المجموعة، مبيّنا أنها تنحو منحى فانتازيا، سواء في بنية الحدث أو الشخصية أو مستويات السرد وتقنياته. وأضاف “إننا إزاء غزو فني مكثف ومدروس للواقع المستباح، أو يمكن القول بعد قراءة المجموعة إن الفانتازيا تغزو الواقع. كما أن أبرز ميزاتها تمكّن القاص واقتداره على تسيير الرؤيا التي تحكمها على سكة السرد، من دون التخلي أو التنازل عن شرط شعرية المعنى، ما جعل المجموعة قطعة فنية واحدة توزّعت على خمس وعشرين قصة”.

أما نبيل عبدالكريم فقال إنه كان يوحي في بعض قصصه بأنه يكتب رواية، لكن تقنية القصة تختلف عن تقنية الرواية، ولا يمكن تحويل القصة إلى رواية، لأن هناك فارقا أساسيا بينهما، من حيث التقنيات وطبيعة البناء، والقاص مطلوب منه عند كتابة القصة ملء ما هو مخفي، والإجابة عن المحذوف فيها.

واختتمت الندوة بحوار وتوقيع القاص مجموعته القصصية للحضور.

15