التشهير بالشريك الخائن انتقام يمنع ترميم العلاقة الزوجية

يرفض مستشارو العلاقات الأسرية التشهير بالطرف الخائن ويصفونه بالتصرف الخاطئ خصوصا في حال وجود الأبناء، ويرون أن الزوجة التي تلجأ إلى خيار التشهير حسمت غالبا قرارها بإنهاء العلاقة الزوجية مهما كانت مبررات الزوج. ويفسر مستشارو العلاقات الأسرية لجوء المرأة إلى التشهير بأن الشعور بالخيانة الزوجية يكون بالغ الصعوبة على المرأة وموازيا لصدمتها، ما يجعلها غير قادرة على إدارة المشكلة بشكل صحيح.
القاهرة- أحدثت واقعة قيام زوجة بالتشهير بشريكها المتهم بالخيانة صدمة أسرية في مصر، لأن الزوج ليس أبا وله أبناء فحسب، لكن أيضا لاعب كرة قدم في نادي كبير وله جمهورواسع، ما تسبب في تحول الواقعة إلى قضية رأي عام، تصدرت محور نقاشات الشباب والفتيات على شبكات التواصل الاجتماعي.
قامت زوجة لاعب كرة القدم في النادي الأهلي المصري صلاح محسن بتسريب صور مخلة ومحادثات غرامية له مع فتيات عبر تطبيق “سناب شات”، كنوع من الانتقام لنفسها من شريكها متعدد العلاقات النسائية، وتشويه صورته أمام عموم الناس، بزعم رد اعتبارها أمام نفسها بعد صدمتها فيه.
أظهرت مشاهد نُشرت على نطاق واسع أن امرأة تقوم بتصفح هاتف اللاعب، وتصوّر المحادثات، وتفتح الرسائل الصوتية وتعيد تسجيلها بهاتفها الشخصي، وكان بين المحادثات عبارات خادشة للحياء، وأخرى يتم خلالها تبادل صور مشينة بين اللاعب وفتيات، وتسجيلات عن طلب مواعدة للقاء عاطفي.
تحولت التسريبات إلى جدل محتدم بين فريقين، الأول يكيل الاتهامات للزوجة بأنها خانت العشرة ولم تحترم خصوصية شريكها وكان من الأفضل أن تنهي العلاقة بلا فضيحة، والثاني يدعم الزوجة ويصفها بالجريئة ودهست عادات وتقاليد بالية وعدم تلمس الأعذار للزوج الخائن.
لم ينف اللاعب الاتهامات التي طالته بشكل قاطع، واكتفى بالرد على حسابه الرسمي على “ستوري إنستغرام” بعبارة: “حسبي الله ونعم الوكيل. حسابي لم يكن تحت سيطرتي ولست مجنونا كي أنشر أمورا عن نفسي وسأتخذ الإجراءات القانونية”، فقد قامت الزوجة بنشر التفاصيل من حسابه بعد تمكنها من الاستحواذ على هاتفه.
يصعب فصل لجوء الزوجة إلى الانتقام من زوجها عن شعورها بأنه يستمتع بتعدد علاقاته النسائية. فاللاعب اتضح من الصور والمحادثات المسربة له، أنه يتواصل مع فتيات من مناطق مختلفة ومراحل عمرية متعددة، والخيانة هنا مرتبطة بمبررات بعيدة عن العاطفة المفقودة، حيث ظهر وكأنه يبحث عن المزيد ولا يتوقف عند امرأة واحدة.
يبدو أن قرار الخلاص من الشريك الخائن بعد التشهير به مرتبط بأنه لن يتغير وسوف يستمر على نفس السلوكيات السيئة، ومن الصعب تغييره طالما أن الخيانة جزء من تركيبته الشخصية، وهنا تشعر بعض الزوجات بأن رد الاعتبار والانتقام أمر لا مفر منه، فالعلاقة ماتت إكلينيكيا، ولا مجال لمسامحة الشريك الذي صار مدمنا للخيانة.
يتفق متخصصون في شؤون الأسرة على أن الانتقام من الشريك الخائن بفضحه، يعني أن ترميم العلاقة الزوجية مسألة صعبة المنال، ولا مجال لتدخلات عائلية مستقبلا، والزوجة التي تلجأ إلى خيار التشهير حسمت غالبا قرارها بأنها لن تستقبل الأعذار لشريكها عندما أقدم على الخيانة مهما كانت مبرراته، فالعبرة أنها تعرضت لخديعة يصعب التساهل فيها، بل ستجعل زوجها عبرة لغيره.
تسبب التشهير وفضح الخلافات الزوجية في تقديم صورة سيئة للشباب عن الحياة الأسرية، خاصة عندما تكون الفضيحة تخص شخصا يفترض أنه قدوة، فالرياضي النجم يتأثر به الجمهور، والبعض يميل إلى فعل تصرفاته اقتداء به، ما يعني أن تصدير نماذج سيئة عن شخصيات تعتبرها فئات رمزا لها يحمل خطورة مضاعفة.
قال جمال فرويز استشاري الطب النفسي وتقويم السلوك بالقاهرة إن الانتقام العاطفي أشد في لحظات الخيانة الزوجية، والتشهير بالشريك الخائن يرتبط بحجم العطاء الذي قدمه الطرف المتضرر، من محبة واحتواء وعاطفة ثم يصطدم بتصرفات مشينة، وهنا يقرر الانتقام مدفوعا بالشعور بالظلم والقهر، لكن العقلانية وقت الخيانة تقتضي نيل الحق بصمت لتجنب تشويه العائلة بأكملها.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن الشخصية الناضجة تتعامل مع الخيانة الزوجية بهدوء، وأفضل تعامل بجعله يشعر بالذنب، ويتوقف ذلك على قرار الطرف المتضرر، وهل ينوي استكمال العلاقة أم لا، ويجب أولا التفكير في مصير الأبناء، لأن الفضيحة ستطالهم وهم من يدفعون الضريبة طوال حياتهم، والأهم عدم تحميل المرأة وزر خيانة زوجها.
ومشكلة بعض الأسر في مصر أنها يمكن أن تلتمس الأعذار للرجل عندما يقدم على الخيانة ويستحيل أن يقبلها من إمرأة، ومع أول شكوى من الزوجة لأسرتها يتم تحميلها المسؤولية بدعوى تقصيرها وانشغالها عن شريك حياتها، وإلا ما نظر لسيدة أخرى، ويتم إجبارها على العودة، واعتبار الخيانة خطأ يمكن التساهل فيه لمنع انهيار العلاقة.
ترفض الكثير من الأصوات أن يكون التشهير بالفضيحة مبررا لأي ضحية خيانة، سواء الرجل أو المرأة، فهناك أبناء سيدفعون وحدهم ثمنا باهظا لهذا السلوك، ويتعرضون لضغوط نفسية لا يستطيعون تحملها أمام موجات من التنمر والسخرية التي قد تطالهم لأن أحد والديهم خائن، وتم فضحه، ما يجعلهم ينتظرون مستقبلا مظلما.
يخشى متابعون لوقائع التشهير بالطرف الخائن في العلاقة من أن تتحول بعض الحالات إلى ثقافة وعادة عند الفتيات إذا تعرضن للخيانة، وما يشكله ذلك من تبعات خطيرة على الأسرة، والخوف الأكبر أن تتحول منصات التواصل لمواقع للصراعات والنزاعات التي تتسبب في تكريس الشقاق العائلي بشكل يصعب السيطرة عليه، لأن التقليد في التصرفات سرعان ما يصبح نموذجا لاتساع دائرة التمرد على العادات.
يبدو أن قرار الخلاص من الشريك الخائن بعد التشهير به مرتبط بأنه لن يتغير وسوف يستمر على نفس السلوكيات السيئة
أكدت هالة منصور أستاذة علم الاجتماع العائلي بجامعة بنها شمال القاهرة أن التشهير بالطرف الخائن تصرف خاطئ إذا كان هناك أبناء، لكن الشعور بالخيانة الزوجية يكون بالغ الصعوبة على المرأة موازيا لصدمتها، ما يجعلها غير قادرة على إدارة المشكلة بشكل صحيح، وتفكر في الانتقام بما يستحيل معه ترميم العلاقة.
وأوضحت لـ”العرب” أن جزءا من تفكير المرأة في إنهاء العلاقة بشكل فوري بعد الخيانة يعود إلى أن المجتمع اعتاد تحميل الزوجة المسؤولية الأكبر ولو كانت توفر لزوجها كل سبل الراحة، ولذلك تفكر بعض السيدات في اتخاذ قرار يجعل من العودة عملية مستحيلة، مثل التشهير، ومن النادر أن تقدم زوجة على الانتقام بسبب الخيانة إلا وهي في لحظة صدمة عنيفة وحسمت قرارها بأنها لن تسامح.
بغض النظر عن مبررات أي طرف في التشهير بالشريك الخائن، يتحمل المجتمع وحده المسؤولية الأكبر، حيث يتعامل بازدواجية في الحكم على الخيانة، فإذا كان الخائن هو الزوج قد يستنكر البعض ما قام به لكن الأغلبية تبحث له عن أعذار، وحال ارتبطت الخيانة بالزوجة فستقابل بسخط، وفي الأخير تُتهم بأنها دمرت نفسها وأسرتها، ما يدفعها أحيانا إلى أن تبيع كل شيء لتدهس ازدواجية المجتمع.