التشكيلي اللبناني مارون النمر وأسلوبه المفعم بالألوان

حين ينظر المشاهد إلى أعمال الفنان اللبناني مارون النمر لاسيما تلك التي يتضمنها معرضه الحالي، سينبهر بالتنوع اللوني، وسيلاحظ أن الفنان تحرر من سطوة أسلوب تشكيلي على آخر، لينهل من كل المدارس والأنماط الفنية، فجاءت لوحاته كرحلة بحث لا متناه عن مدرسة متخفية أو أسلوب لم يكتشف بعد.
تقدم صالة "إكزود" اللبنانية معرضا للفنان اللبناني مارون النمر يضم مجموعة من الأعمال الفنية المشغولة بمادة الأكريليك ومختلفة الأحجام والأساليب الفنية. يستمر المعرض حتى الثامن والعشرين من شهر أبريل الحالي.
عندما نشاهد أعمالا فنية تنتمي إلى عدة مدارس فنية أول ما يتبادر إلى ذهننا أن مبدع هذه الأعمال لم يصل بعد إلى أسلوب فني محدد يحمل توقيعه، غير أن هذا الحال لا ينطبق على الفنان اللبناني مارون النمر الذي يقدم مجموعة من أعمال جديدة ومتنوعة في معرضه الفردي الجديد.
مجرد الاطلاع على ما يقوله الفنان حول أعماله يجعلنا نرى وجهة نظره الواحدة التي تحتضن عدة أساليب فنية اعتمدها في تنفيذ أعماله. يقول الفنان في البيان الصحافي المرافق للمعرض الذي ليس هو الأول في الصالة ذاتها “لماذا أرسم؟ جوابي هو الحب. أنا أحب الألوان وأحب الحرية”. هذه الحرية هي الباب المفتوح على مصراعيه والذي سمح للفنان بالتوغل في ما خلفه من عوالم فنية متنوعة وغزيرة تلعب فيها الألوان دورا رئيسيا.
من أكثر اللوحات التي تحضر فيها تلك التلقائية والاستسلام لما يمليه عليه اللون الذي ينبض في روحه هي اللوحة ذات الخلفية الزرقاء التي يتوسطها طولا عالم عجائبي ليس هو طبيعة ولا تجريدا ولا تصويرا لمدينة مضيئة بمصابيحها يجاورها البحر، بل كل ذلك على السواء. يمكن وبسهولة كبيرة تخايل يد الفنان التي تجول في اللوحة صعودا وهبوطا دون توقف في نفحة واحدة غلبتها المنعطفات والانحناءات التي تحتضن بعضها بعضا.
هناك لوحة أخرى تسطع فيها شمس كفلك ذهبي على مجموعة كبيرة ومتلاصقة من الناس والبيوت المتقاربة. شمس لا تُرى أشعتها ولا الظلال التي تلقيها في ثنايا المشهد، بل تحضر في الحرارة التي تبثها بصمت وتتغلغل في المشهد اشتعالا هادئا.
ويذكر البيان الصحافي فكرة أساسية تفتح هي الأخرى على عالم مارون النمر الروحي والنفسي في بضع كلمات بالغة الأهمية "مارون النمر جنرال لبناني متقاعد يشعر بأن حياته قد أكملت دورتها لذلك هو يستعد لدورة أخرى ملؤها الألوان". دورة، لا بل عجلة تستمر في الدوران وتحقيق انعطافات لونية متداخلة، من ناحية ذات أشكال هندسية مُلطفّة غير حادة، وتارة أخرى يغلب عليها التمازج والتجاور ما بين الظلال وانقشاع الألوان وتجلياتها غير المحدودة. ويبقى التوهج سيد اللوحات جميعها.
◙ الحرية هي الباب المفتوح على مصراعيه الذي سمح للفنان بالتوغل في ما خلفه من عوالم فنية متنوعة وغزيرة
عندما نقول ألوان نقصد أيضا بأنه ليس هناك أي لون مفضل عند الفنان مارون النمر، فكل الألوان ذات أهمية قصوى وتستحق أن يقال عنها إنها أهم ما هو موجود في لوحاته.
يحيلنا الوصف الذي حضر في البيان الصحافي حول "دورة الألوان” التي انطلق على متنها الفنان إلى أعمال الفنانة والمصممة الروسية سونيا دو لوناي، الشغوفة بالألوان الزاهية، لاسيما الدوائر/العجلات التي تتقاطع الألوان فيها وتفيض حيوية رغم أنها أشكال شبه مغلفة تتصل ببعضها البعض كالحلقات.
حلقات الفنان مارون النمر هي الأساليب الفنية المفعمة بالألوان والمتعددة التي تتالت في لوحاته ليس فقط تلك الحاضرة في معرضه الجديد، ولكن في باقي أعماله.
مُشاهد أعماله سيعثر على الفن الانطباعي والفن الفطري والفن التجريدي، الذي في أغلب الأحيان بدا وكأنه دراسات لخلفية لوحات تنتمي إلى مدارس فنية أخرى. ويعثر زائر معرضه على الفن التنقيطي وعلى الفن الغنائي/التعبيري.
وفي كل تلك الأعمال تسطع الطبيعة بالدرجة الأولى وإن أوجد الفنان في لوحاته شخوصا متعددة اكتست هي الأخرى حدة الألوان وتشكلت بها. وهنا نصل إلى فكرة مهمة لاسيما بعد أن نستغرق النظر في الأعمال: حضور اللون جاء وبشكل جلي على حساب الخط والرسم.
قد نعتبر ذلك ضعفا لاسيما أن الفنان لم يتلق تعليما أكاديميا في الفن وكل ما أنتجه هو نتيجة جهد شخصي واطلاع كبير على عالم الفن والمدارس الفنية. وقد ذكر الفنان أنه يزور بشكل دائم المعارض الفنية بغض النظر عن أسلوب الفن المستخدم فيها.
كما أشار البيان الصحافي إلى أن الفنان بدأ بالعمل الفني كي يرضي ذاته وأن بالنسبة له كل يوم هو بمثابة فرصة جديدة للتعرف على المزيد من الأشكال والأساليب الفنية. لكن الانطباع بأن استخدامه للون جاء على حساب تشكيل الهيئات وتصميم اللوحة ما يلبث أن يبهت.
فما يشكل الهيئات ويقيم بنيان اللوحة هندسيا هو اللون. اللون يحضر كلون ويحضر كهيئة وهو الذي يشكل الأبعاد ويقيم الأحجام وهو العنصر الأساسي في تقاطع الأشكال واندماجها تارة ببعضها البعض، وتارة أخرى في تجاورها وانحلالها عند أطراف الأشكال. ومن الواضح أن لدى الفنان مارون النمر عطشا لا ينضب تجاه ما يمكن أن تقدمه الألوان بعد أن تُعطى حريتها الكاملة تحت ريشة الفنان.
يذكر البيان الصحافي المرافق للمعرض حول الحرية التي يمنحها الفنان اللبناني لعزف الألوان في لوحاته “عندما يرسم، يغوص مارون النمر في عالمه الفني بكل حرية ويكون مشغولا باللحظة التي يعمل فيها تاركا خلفه عالما عدائيا. يحلق في سماء الفن ليبتعد عن الواقع البحت إلى عالم أرقى تسيطر عليه الجمالية ويسود التناغم”.
يمكن اعتبار أهم أعمال الفنان تلك الانطباعية “المنقحة”، إذا صح التعبير، بالتنقيطية التي بدلا من أن يكون همها تأسيس الأشكال كصدى مُعدّل للطبيعة، كان همها إضرام النور في مسامات المشهد المصور. وأهم مثال على
هذه اللوحات هي التي تظهر فيها مشاهد طبيعية غير محددة، موشومة بحضور الشخوص ذات الملامح غير المحددة. يُذكر أن للفنان مارون النمر معارض فردية عديدة داخل لبنان، لاسيما في مدينة بيروت ومدينة صور. وله مشاركات كثيرة في معارض جماعية.