التركيز على البعد الاجتماعي في تونس: توجه مرحلي أم إكراهات انتخابية

تباينت آراء التونسيين في الآونة الأخيرة حول تزايد اهتمام السلطة بتحسين الخدمات الاجتماعية والمعيشية للفئات الضعيفة، التي طالما طالبت بتحسين أوضاعها، ففي الوقت الذي يرى فيه البعض أن التركيز على البعد الاجتماعي “شعار” يتبناه الرئيس قيس سعيد منذ سنوات، يدرج آخرون ما تقوم به السلطة ضمن حملة انتخابية استباقية للانتخابات الرئاسية في الخريف المقبل.
تونس - تحاول السلطات التونسية في الفترة الأخيرة حلحلة بعض الملفات الاجتماعية الشائكة والمتوارثة، على غرار الدعوات إلى معالجة ملف عمال الحضائر والمعلمين النواب وتحسين خدمات الصناديق الاجتماعية، وهو ما يعكس تركيزا واضحا منها على البعد الاجتماعي للتونسيين.
وأثار اهتمام الحكومة التونسية المتزايد بمعالجة الملفات الاجتماعية، جدلا في الأوساط السياسية والشعبية، بين ما إذا كانت تلك الخطوة تعكس توجهات مرحلية واضحة من السلطة، أو إكراهات سياسية فرضها الاستحقاق الانتخابي الرئاسي المرتقب.
لكن مراقبين يرون، أن مؤشرات الفكر الاجتماعي لدى الرئيس قيس سعيد ليست وليدة اللحظة، ذلك أنه تبنى مواقف واضحة في إطار مسار 25 يوليو 2021 من أهمها رفض خصخصة المؤسسات العمومية ورفع منظومة الدعم ومعالجة آليات التشغيل الهشة، مشيرين إلى أن تلك الخطوة، لا تمت بصلة إلى حملة انتخابية رئاسية منتظرة.
وتناول رئيس الجمهورية قيس سعيّد لدى اجتماعه، الثلاثاء بقصر قرطاج، مع وزير الشؤون الاجتماعية مالك الزاهي، جملة من المواضيع ذات العلاقة بالشأن الاجتماعي بوجه عام موضحا أننا “نسير اليوم بثبات من أجل وضع منظومة تشريعية جديدة لتقطع مع الإرث القانوني الذي ورثته تونس وصار باليا، هذا فضلا عن الفساد والظلم والحيف والإقصاء، فهذه المرحلة التي تعيشها بلادنا تقتضي تصورات مختلفة وأفكارا جديدة ومفاهيم بدورها متناغمة مع فكر سياسي جديد”.
وأكّد قيس سعيد حسب بلاغ لرئاسة الجمهورية، على “تعاضد جهود كل أجهزة الدولة حتى يتمكن المواطنون التونسيون من حياة كريمة ولا أقلّ من حقّهم في الشغل وفي الصحة وفي النقل وفي التعليم فكلّها من الحقوق الأساسية للإنسان، وسياسة الدولة لا يجب أن تقوم على الرتق وعلى مقاربات قطاعية بل يجب أن تكون قائمة على تصوّر لمشروع تحرير كامل للمواطن وللوطن”.
كما دعا سعيد إلى “ضرورة التفكير في تصوّر جديد لدعم الصناديق الاجتماعية باستنباط طرق مختلفة لا تُمكّنها فقط من تحقيق توازناتها المالية بل أيضا تحقيق الأهداف المشروعة التي أُنشأت من أجلها”، مشددا على “ضرورة الإسراع بوضع تشريعات جديدة التي كان أذن بمراجعتها كتلك المتعلقة بالمناولة وبالعقود المحدودة في الزمن التي لا تحقق الاستقرار الاجتماعي الذي ينشده كل عامل، كما أن وصف العمل بالهشّ يجب أن يزول عن الاستعمال”.
وتطرّق الرئيس التونسي خلال الاجتماعي إلى “ضرورة الإسراع إلى تسوية أوضاع عمال الحضائر وتسوية أوضاع المتعاقدين الذين أفنوا عشرات السنين من أعمارهم في العمل ولا يكاد يلتفت إليهم أحد اليوم، وهو ظلم صارخ لا يمكن أن يستمرّ، ومن أُحيل على شرف المهنة يجب أن يُعامل معاملة تحفظ شرفه وكرامته والترفيع في جرايات التعاقد يجب أن تكون عملية آلية فكلما يتم الترفيع في الأجور إلا ويتم التعديل الآلي”. وأشار إلى أنه “كما للعمال الحق في أجور عادلة من حق الذين أحيلوا على التقاعد في رواتب عادلة”.
وكرس خطاب سعيد حسب متابعين للشأن التونسي مفهوم “الدولة الديمقراطية الاجتماعية”، التي يتبناها الرئيس منذ سنة 2012 وراهن على تجسيدها بعد إجراءات الخامس والعشرين من يوليو 2021، في إطار الحفاظ على التوازنات الاجتماعية.
وأكد المحلل السياسي نبيل الرابحي أن “توجه الدولة الاجتماعية الديمقراطية، هو في فكر قيس سعيد منذ سنة 2012، وهو من دعاة الدولة الاجتماعية الديمقراطية، وضد خصخصة القطاع العام، ورفع الدعم عن المواد الغذائية والاستهلاكية، فضلا عن القيام بمراجعات لقانون الشغل والتوظيف الهشّ”.
وقال لـ”العرب”، “المتابع لخطابات قيس سعيد، يرى أنه ضد التقسيم العالمي للعمل، ويعتبر أن مهاجري جنوب الصحراء ضحايا لهذا النظام”، لافتا إلى أن “مؤشرات الفكر الاجتماعي لدى سعيد ليست وليدة اللحظة، بل اعتبر أن خصخصة المؤسسات خط أحمر، وهذا ليس في علاقة بحملة انتخابية رئاسية مرتقبة، بل هو مشروع تراكم الفكر اليساري الاجتماعي منذ الستينات”.
ويبدو أن السلطة فهمت بعد إجراءت الخامس والعشرين من يوليو 2021، أنه من الضروري العمل على إيجاد حلول جديدة لمجابهة صعوبة الأوضاع المعيشية للتونسيين في السنوات الأخيرة.
وفرضت صعوبة الأوضاع المعيشية في ظل تزايد معدلات التضخم والبطالة، ضرورة أن تستعيد الدولة دورها الاجتماعي تدريجيا، فضلا عن مراجعة سياستها الاجتماعية المفقودة منذ عقود.
واعتبر الناشط السياسي طارق الكحلاوي أن “خطاب الرئيس معروف منذ البداية حول الدور الاجتماعي للدولة والاهتمام بالتشغيل الهش، لكن مع اقتراب الانتخابات سيوضع رصيد الانجازات في الميزان”.
وأكد لـ”العرب”، أن “الفكرة ليست بالجديدة، وأي إنجاز أو إجراء يحدث الآن سيحسب بصفة موضوعية على الحملة الانتخابية”.
وسبق أن شرعت وزارة الشؤون الاجتماعية في تونس في إسناد قروض للمنخرطين في الصناديق الاجتماعية (صندوق التقاعد والحيطة الاجتماعية وصندوق التضامن الاجتماعي)، بنسبة فائدة ضعيفة.
وخصصت وزارة الشؤون الاجتماعية 3 أنواع من القروض، وتتمثل المبالغ التي سيتم إقراضها في قرض شخصي بقيمة 25 ألف دينار (8.02 ألف دولار)، كما سيتم إسناد قرض خاص باقتناء سيارة وسيكون في حدود 50 ألف دينار (16.03 ألف دولار)، إلى جانب قرض اقتناء منزل بقيمة 100 ألف دينار (32.07 ألف دولار).
وفي فبراير الماضي، أفادت رئاسة الحكومة في بلاغ لها، عن “تحجير إبرام عقود مناولة جديدة بالقطاع العموميّ. كما تقرر إلغاء كافة التدابير المخالفة لهذا المبدأ وخاصة منها المنشور عدد 35 المؤرخ في 30 يوليو1999 المتعلق بالمناولة في الإدارة والمنشآت العمومية”.
في المقابل، ترى أطراف سياسية، أن السلطة الحالية دخلت منذ فترة ليست بالقصيرة في حملة انتخابية، تجلّت من خلال تركيز الرئيس سعيد على الفئات الاجتماعية الضعيفة في خطاباته، وتواتر زيارته الفجئية إلى عدد من المناطق والمحافظات للوقوف على واقع الاقتصاد والتنمية، فضلا عن تكرار شعار “محاربة الفساد” في مختلف المحطات.
وأفاد رئيس حزب الائتلاف الوطني التونسي ناجي جلول أن، “هذه الخطوة تندرج في إطار حملة انتخابية رئاسية واضحة، وتستهدف الشريحة المظلومة والتي هضمت حقوقها في فترة ما”.
وقال في تصريح لـ”العرب”، “المتقاعدون وضعهم مأساوي، ويوجد 700 ألف متقاعد يتقاضون راتبا أقل من الحد الأدنى المطلوب، و170 ألفا منهم يتقاضون راتبا أقل من 180 دينارا ويدفعون الضرائب”.
ولفت ناجي جلول إلى أن “السلطة تتوجه إلى شريحة ناخبة وهامة، حيث يوجد في تونس مليون و700 ألف متقاعد، فضلا عن شرائح التشغيل الهش وعمال الحضائر الذين يمرون بأوضاع صعبة، وهي شرائح مسيّسة حاليا”.
واستطرد قائلا “منذ فترة دخلت السلطة في حملة انتخابية وما تفعله من إجراءات يندرج في هذا الإطار”.