التدرج في العقوبات كفيل بإنقاذ الشباب المستهلك للمخدرات في تونس من الضياع

يعتبر عدد من البرلمانيين والحقوقيين في تونس القانون عدد 52 المتعلق بالمخدرات قانونا زجريا، ورغم أنه تم تنقيحه في العام 2017 إلا أنه ما زال يثير الجدل. وطالب عدد من البرلمانيين وممثلين عن المجتمع المدني بضرورة إلغاء العقوبة السجنية وإيجاد عقوبة بديلة، تنقذ الشباب من ضياع فرصة حصولهم على عمل. كما دعوا إلى اعتبار استهلاك القنب الهندي مشكلة صحية عامة وليست جريمة جزائية.
تونس - أثار مؤخرا الحكم بالسجن 30 عاما على ثلاثة شبان بسبب مسك واستهلاك مادة مخدرة (القنب الهندي) جدلا واسعا، ما أعاد إلى السطح النقاش حول قانون 52 لسنة 1992 المتعلق بالمخدرات.
ووصف أعضاء مجلس نواب الشعب وممثلون عن منظمات المجتمع المدني القانون 52 المتعلق بالمخدرات بالسيف المسلط على الشباب، منتقدين طابعه الزجري مقابل غياب مقاربة صحية لمعالجة الإدمان أو مراكز لإعادة تأهيل المدمنين.
وكان البرلمان التونسي في العام 2017 قد صادق في جلسة عامة على تعديل القانون عدد 52 المتعلق بالمخدرات. وذلك بإلغاء أحكام الفصل 12، وتعويضه بفصل جديد ينص على أنه لا تطبّق أحكام الفصل 53 من المجلة الجزائية على الجرائم المنصوص عليها بهذا القانون باستثناء تلك المنصوص عليها بالفصل 4، لتكون الأحكام أقل وطأة وخطورة على مستهلكي المخدّرات المبتدئين منهم، والذين تقتضي وضعياتهم الاجتماعية والدراسية الأخذ بعين الاعتبار أثناء الحكم.
واعتبر عدد من الحقوقيين هذا القانون الذي يعود إلى سنة 1992 بمثابة سيف مسلط على رقاب الشباب والمواطنين، مؤكدين أن تشديد العقوبات السجنية على المستهلكين يهدد مستقبل الشباب.
وانتقد النائب عماد أولاد جبريل الطابع الردعي لقانون 52 والذي يؤدي في الكثير من الحالات إلى تحطيم مستقبل الشباب، ومنعهم من الحصول على وظيفة بالنظر إلى اشتراط المؤجر للبطاقة عدد3 (بطاقة حسن السيرة والسلوك).
ودعا نواب إلى العمل على تنقيح القانون 52 من أجل إلغاء العقوبة السجنية وإيجاد عقوبة بديلة، فيما دعا نواب على غرار ياسين العياري وزياد الغناي، إلى تقنين استهلاك القنب الهندي.
وأكد العياري في لقاء انتظم بمبادرة من منظمة “محامون بلا حدود” وبمشاركة نواب من البرلمان وممثلين عن منظمات بالمجتمع المدني، أن الحل يكمن في تقنين الاستهلاك.
عدد من الحقوقيين والبرلمانيين يعتبرون قانون المخدرات بمثابة سيف مسلط على رقاب الشباب ويدعون إلى تنقيحه
وأشار إلى أن إلغاء تجريم الاستهلاك لن يحل المشكلة، وإنما سيزيد في عدد المستهلكين، ما تنجر عنه مشكلات صحية لا تقدر المنظومة الصحية على استيعابها.
ولفت العياري إلى أن تقنين زراعة القنب الهندي وتوزيعه، سيسمحان للدولة بالتحكم بمسالك الترويج، وفرض ضرائب لضخها في بناء مراكز للعلاج من الإدمان وغيرها من المشاريع التربوية.
ودعا ممثلو منظمة محامون بلا حدود خلال النقاش إلى إعادة إثارة المناقشة البرلمانية حول إلغاء تجريم استهلاك المخدرات، واعتبار استهلاك القنب الهندي مشكلة صحية عامة وليس جريمة جزائية.
وشددوا على إعطاء الأهمية للعقوبات البديلة أو إرسال المدمن إلى مؤسسة صحية، وإقصاء أي إجراء يقضي بالسجن، وحصر العقوبات السجنية في قائمة محددة على غرار التهريب أو الاتجار بالمخدرات.
وكانت كتلة الإصلاح بمجلس نواب الشعب، قد أعلنت عن تقديم مبادرة تشريعية لتنقيح بعض فصول القانون 52. وتقترح هذه الكتلة إقرار آلية للتدرج في العقوبات على استهلاك المواد المخدرة، وتعويض العقوبات السجنية عند الإدانة لأول مرة بغرامة مالية من 500 إلى 1000 دينار، والترفيع في الغرامة من ألف إلى ألفي دينار في حالة الاستهلاك للمرة الثانية. أما في حالة التكرار للمرة الثالثة، فتقترح الكتلة أن يتم إعطاء القاضي إمكانية الحكم بعقوبة سجنية مخففة من 6 أشهر إلى سنة، مع إمكانية تعويض هذه العقوبات بأخرى بديلة.
ومنذ قيام ثورة يناير 2011 أصبح الكثير من الشباب يعانون من الاكتئاب بسبب غياب الأفق بمستقبل أفضل يضمن لهم فرصا للعمل، إذ لم يعد الالتحاق بالجامعة طريقا مضمونا للحصول على عمل، ما دفع أغلبهم إلى تعاطي المخدرات.
وبحسب دراسة أصدرتها خلية علوم الإجرام في مركز الدراسات التشريعية والقضائية الحكومي في تونس في العام 2015، تقدر نسبة مستهلكي المخدرات من الشباب والمراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و18 عاما 57 في المئة، و36.2 في صفوف الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و25 عاما.

وقال عبدالستار السحباني المختص في علم الاجتماع إن خطورة المسألة تكمن في كيفية انتقال الاستهلاك من فئة عمرية إلى فئة عمرية أقل سنا، مشيرا إلى أنّ الأطفال أصبحوا غير محصنين من أسرهم ضد الاستقطاب، وأن مجموعات معينة تستقطب الأطفال إما للاستهلاك أو للترويج.
وأضاف لـ”العرب” أن الأطفال والمراهقين غير محصنين أيضا مؤسساتيا. ذلك أن المؤسسات التربوية تفتقر إلى النوادي الترفيهية والثقافية الضرورية. وفي المقابل أصبحت قاعات الألعاب تنتصب قرب المعاهد ما يسهل على التلاميذ الحصول على المواد المخدرة.
وحول آلية التدرج في العقوبات، قال السحباني إنها يمكن أن تكون على مستويين: مستوى اجتماعي وآخر قانوني. مشيرا إلى أنه من الصعب تغيير المجتمع بواسطة قانون أو إجراء ردعي.
وحسب القانون التونسي، يعاقب بالسجن من عام إلى خمسة أعوام وغرامة مالية ما بين ألف إلى ثلاثة آلاف دينار (1.500 دولار أميركي)، كل من استهلك نباتا أو مادة مخدرة في غير الأحوال المسموح بها قانونيا. ويعاقب بالسجن من ستة أشهر إلى ثلاثة أعوام، وغرامة مالية من ألف إلى خمسة آلاف دينار (2.500 دولار أميركي)، كل من تردد على مكان أعدّ لاستهلاك المخدرات.
وأشار حقوقيون إلى أن القانون جائر ويقضي على مستقبل الشباب، الذين ما زالوا صغارا في السن ويحتاجون لرعاية وتوعية، مطالبين بمحاسبة المروجين وليس الشباب.
وأفاد غازي مرابط، محام تونسي، بأنه لا بد أن تتحرك إدارة الجامعات ومنظمات المجتمع المدني لنشر الوعي وإنهاء القانون الجائر الذي يحطم مستقبل الطلاب ويبعدهم عن مقاعد الدراسة، مشيرا إلى عدم تمكن الطلاب لاحقا من استئناف دراستهم بسبب الوصمة الاجتماعية التي تلاحقهم، إضافة إلى صعوبة العثور على عمل بسبب سجنهم.
وكانت مبادرة أهلية ضمت فنانين ومحامين وأطباء ونشطاء في المجتمع المدني قد انطلقت في مارس 2014، مطالبة بتعديل القوانين التي تشمل استهلاك المخدرات، وباستبدال عقوبة السجن بعقوبات علاجية وإصلاحية. وقد حملت المبادرة اسم “السجين 52” في إشارة إلى القانون 52 الصادر عام 1992 الخاص بقضايا تعاطي المخدرات.
ورأى مرابط أن كل الأرقام الرسمية تدفع نحو مراجعة القانون، باستبدال العقوبة السالبة للحرية لمتعاطي المخدرات، بالتأهيل النفسي والخدمة للصالح العام.