التحفيز العميق للدماغ أحدث علاج للبدانة باعتبارها وباء العصر

يبدي العلماء استعدادهم لتسخير التكنولوجيا وفوائدها من أجل القضاء على البدانة وتغيير الطرق التي تقدم بها خدمات الرعاية الصحية للأشخاص المصابين بالبدانة. غير أن هذه الخيارات وإن توفرت مستقبلا، فإنها قد لا تكون مناسبة لجميع الحالات، لذلك تظل النصيحة الأثمن هي ممارسة الرياضة بشكل معتدل، لما لها من تأثير إيجابي على مجموعة واسعة من الظروف الصحية.
تحولت البدانة إلى وباء عالمي بسبب ما تحصده من أرواح بشرية سنويا، ومن غير المستبعد أن تصبح من أكثر العوامل المسببة للسرطان بحلول عام 2043، وذلك رغم الجهود الدولية المبذولة للحد من مخاطرها، وفعالية بعض الأنظمة الصحية الهادفة إلى معالجة الأمراض التي تتأتى جراء الإصابة بهذا المرض.
ويعاني من البدانة نحو 30 بالمئة من سكان العالم، فيما بلغت تكلفتها الاقتصادية حوالي 2.8 بالمئة من إجمالي النشاط الاقتصادي العالمي كل عام. وما لم يتم إيجاد حلول ناجعة لإيقاف هذا الانتشار الوبائي للبدانة، فإن خدمات الرعاية الصحية في كل الدول -المتقدمة منها والنامية- سوف لن تستطيع تقديم العناية اللازمة للأشخاص المصابين بالأمراض التي لها علاقة بالبدانة.
وفي وقت أصبح الجلوس فيه يُوصف بأنه عادةٌ سيئةٌ بالنسبة إلى معظم الأشخاص الذين يتصفحون الإنترنت ويشاهدون التلفزيون، فيقضون ساعات أطول من اللازم دون حركة، بل وقد يمتد الأمر ليصبح من حكم المستحيل أن يتحاشوا الجلوس، فإن الخبراء يحاولون تسخير التكنولوجيا بهدف إيجاد علاجات جديدة وسريعة للبدانة، ولكنها قد لا تكون صالحة لجميع الناس.
وحاليا يعد اللجوء إلى جراحة شفط الدهون من أكثر الحلول شيوعا لإنقاص الوزن، إلا أن الكثير من الدراسات أظهرت أنها لا تمثل في الغالب خيارا صائبا، فمعظم المرضى الذين خضعوا لهذه الجراحات فقدوا بالفعل كميات هائلة من الدهون، غير أن هذه الدهون تتم استعادتها عادة خلال عام فقط، ومن غير المعروف ما إذا كان هذا الاسترداد يحدث من خلال إنتاج خلايا دهنية جديدة أو بسبب توسع الخلايا الموجودة. ولكن يسود تفاؤل واسع النطاق بين العلماء بشأن إمكانية علاج السمنة المفرطة وفقدان الشهية، عن طريق عملية تعرف باسم “التحفيز العميق للدماغ”.
وكثيرا ما تستخدم هذه العملية لتخفيف أعراض الشلل الرعاش (داء باركنسون) والصرع، ولكن هذه العملية قد تساهم في معالجة السمنة التي توصف بأنها وباء العصر، كما من شأنها أن تفتح المجال أمام إمكانية إعادة برمجة الدماغ، في حالات نادرة، للامتناع عن السلوكيات التي تؤثر سلبيا على الصحة، مثل الإدمان على الطعام.
وكان الهدف الرئيسي من إجراء هذه العملية هو علاج إحدى المريضات التي كانت تعاني من الاكتئاب، بعد أن استنفد أطباء الأعصاب من جامعة لوبيك بألمانيا جميع سبل العلاج، غير أنهم لاحظوا أن هذه العملية لم تساعد في علاج المريضة من الاكتئاب فحسب، بل ساهمت أيضا في إنقاص وزنها أكثر من طرق إنقاص الوزن الأخرى، إذ كانت تفقد نحو 2.8 كيلوغرام شهريا، أي أكثر بنسبة 50 في المئة من الكيلوغرامات التي كانت تفقدها بعد جراحة تحويل مسار المعدة.
تأثير تحفيز الدماغ في علاج البدانة لا يزال غير واضح إلا أن نتائجه الإيجابية تكشف عن أهمية العلاجات التجريبية
وكانت هذه الحالة مثالية لتجربة تأثير التحفيز العميق للدماغ على الاكتئاب والسمنة، لأنها تمثل عينة من المصابين بالسمنة الذين لديهم أعراض إدمان تجاه الطعام، ويواجه هؤلاء صعوبة شديدة عادة في الامتناع عن الأكل إذا عُرض عليهم الطعام، تماما كمدمن الكحول الذي لا يمكنه المرور بجانب الحانة دون الدخول إليها.
وبالرغم من أن تأثير عملية تحفيز الدماغ في علاج البدانة لا يزال غير واضح تماما -ولهذا فهو مثار جدل في الوقت الحالي- إلا أن نتائجها الإيجابية تكشف عن أهمية العلاجات التجريبية التي قد تغير حياة المرضى الذين عجز الأطباء عن علاجهم.
كما سلطت هذه الحالة الضوء على ظاهرة النهم في الطعام لدى البعض من المصابين بالبدانة، والتي قد تكون محصلة عوامل عديدة، لذلك يسعى الأطباء إلى محاولة التحكم في الشهية من خلال استهداف الإشارة المرسلة من قبل عصب الشعور بالجوع. ويرجح البعض من الخبراء أن الدماغ يؤدي دورا جوهريا في ضبط الشهية، وأن العوامل الأيضية المرتبطة بإفرازات الجسم ونشاطه العضوي، ليست الوحيدة المسؤولة عن السمنة.
ويعتقد الخبراء أيضا أن الأشخاص الذين يعانون من زيادة الوزن أو البدانة، لديهم إشارات مفرطة للجهاز العصبي بالجوع، وقد أدرك المجتمع الطبي أن هذا النشاط المفرط هو حالة فيزيائية معروفة، فعندما يشعر الإنسان بالجوع تنتقل إشارة في شكل نبضة كهربائية صغيرة من المعدة إلى الدماغ على طول العصب المبهم أو كما يعرف بالعصب الرئوي المعدي، ما يخلق لديه شعورا بالجوع.
وكان باحثون من جامعة “إست أنغليا” البريطانية قد اكتشفوا من خلال إجرائهم لتجارب على القوارض أن خلايا في الدماغ تسمى tanycytes هي المسؤولة عن توليد خلايا عصبية تنظم شهية الأكل.
وكان الاعتقاد السائد أن الخلايا العصبية المسؤولة عن شهية الأكل تتشكل عند تطور الجنين في رحم أمه ولا يمكن تعديلها بعد ذلك. لكن الأبحاث الأخيرة أظهرت أن الخلايا العصبية -وهي بمنزلة الخلايا الجذعية في أدمغة صغار القوارض وكبارها- يمكن تعديلها. وعكف الباحثون على دراسة جزء من الدماغ يسمى الوطاء، وهو مسؤول عن تنظيم عملية النوم وكيفية تصريف الطاقة وشهية الأكل والعطش ووظائف بيولوجية أخرى.
وتم دراسة الخلايا العصبية المسؤولة عن تنظيم شهية الأكل باستخدام تقنية “خريطة المصير الجيني”، وخلصوا إلى أن بعض الخلايا تضيف الأعصاب إلى الدوائر المسؤولة عن تنظيم شهية الأكل في دماغ الفأرة بعد الولادة وخلال عملية النمو.
وأكد كبير الباحثين، الدكتور محمد حاجي حسين من معهد العلوم البيولوجية في الجامعة، أن الاكتشاف يمكن أن يقدم في نهاية المطاف حلا دائما لمعالجة البدانة عند بعض الناس لكن تطبيق نتائج البحث على البشر قد يستغرق ما بين 5 و10 سنوات.