التحرش الجنسي فعل شاذ تحول لدى مرتكبيه إلى مرض

ظاهرة مؤذية تلقى رواجا في جميع المجتمعات، وأصوات عديدة تطالب المرأة بعد السكوت على حقها.
الأحد 2018/09/16
وحش لا يمكن السيطرة عليه

لطالما كانت مشكلة التحرش الجنسي من القضايا المسكوت عنها في المجتمع العربي، الذي يتردد في طرحها ونقاشها، لكن الأمور اختلفت في عصر ثورة الاتصالات، حيث لم يعد هناك شيء خفي، وبإمكان أي امرأة أو فتاة أن تجاهر عبر صفحاتها الخاصة في مواقع التواصل الاجتماعي بتعرضها لتحرش تدين من خلاله المتحرش، والمجتمع الذكوري ككل الذي يسمح بالتكتم على مثل هذه الظواهر المؤذية لكيان المرأة.

منذ عدة أشهر انطلقت حملة “me too ” عبر هاشتاغ أطلقته الممثلة الأميركية أليسا ميلانو على تويتر تشجع النساء على الاعتراف بتعرضهن للتحرش، الحملة أدانت المنتج الفني الأميركي هارفي واينستين بارتكاب انتهاكات جنسية، وكانت بمثابة لحظة إماطة اللثام عن الكثير من المتحرشين المسكوت عنهم، وعن نساء وفتيات شهيرات تعرضن للتحرش، وتجرأن على الاعتراف علانية بتأثير ما حدث على حياتهن.

وسرعان ما تعدت الحملة تويتر لتشمل كل وسائل التواصل الاجتماعي؛ فيسبوك وانستغرام وسناب شات، وغيرها، وقامت نساء كثيرات عبر العالم بكتابة عبارة “me too “، تأكيدا على تعرضهن للتحرش أيضا، الفيسبوك وحده كشف صدور اثني عشر مليون منشور على الأقل يحوي هذا الهاشتاغ بعد مرور أربع وعشرين ساعة من صدوره.

وفي أميركا كشف الهاشتاغ عن  تعرض المرأة الأميركية للتحرش كل 98 ثانية وأن امرأة، أو فتاة أميركية، من بين كل ست تتعرض لحادثة اغتصاب.

أما في العالم العربي فلم تظهر نساء شهيرات أو فنانات للاعتراف بتعرضهن للتحرش، بل شاركت في الحملة سيدات وفتيات عاديات اعترفن بأنهن تعرضن للتحرش سواء خلال الطفولة من أحد الأشخاص المقربين من العائلة، أو في الشارع خلال تواجدهن في المواصلات العامة مثلا، أو أي مكان عام آخر.

المشكلة إذًا تتعدى كونها تحدث في بلد واحد، بل الأمر المؤكد أنها تكاد تكون ظاهرة ترتبط ببعض الرجال الذين يرتضون لأنفسهم من موقع سلطتهم أو قوتهم المهنية أو الجسدية أن يقوموا بدور المتحرش.

وفي الإطار ذاته، أنتجت السينما المصرية منذ عدة أعوام فيلم “678” الذي أثار  ضجة واسعة، لأنه تناول ظاهرة التحرش الجنسي في مصر، حيث عالجت أحداثه تأثير التحرش على أمن واستقرار المجتمع، كما عرض الفيلم تأصيلا لهذه الجريمة التي ترتكب يوميا في الأماكن العامة والتي تهدر آدمية المرأة المصرية من خلال قضية شائكة وجارحة قدمها الفيلم برؤية فنية، عن خطر استفحال ظاهرة التحرش الجنسي وتحولها إلى وحش لا يمكن السيطرة عليه.

تقول هند (31 عاما، موظفة) “نعم تعرضت للتحرش مرات كثيرة في الشارع، وهذا وارد حدوثه يوميا، ظاهرة التحرش ليست لها علاقة بما ترتديه المرأة من ثياب، أو بشكلها الخارجي، العشرات من الحوادث التي رأيتها أمامي لفتيات محجبات بل ويضعن النقاب، وفجأة نسمع صراخهن يعلو في وجه أحد الرجال المتحرشين”.

وتؤكد هذا الكلام جنى (26 عاما، صيدلانية) قائلة إن “ظاهرة التحرش منتشرة أكثر مما يمكن تخيله، وعلى مرأى ومسمع من الجميع”، وتضيف “في الكثير من الحالات يحصل تواطؤ لتبرئة الرجل، وعلى الرغم من أن القوانين الحالية أصبحت لصالح المرأة، وتدين المتحرش إلا أن العرف الاجتماعي غالبا ما يطلب من المرأة أو الفتاة التي تتعرض للتحرش أن تصمت ولا تتحدث عن الواقعة، وطالما هناك تواطؤ وصمت عن هذه الجريمة ستظل مستمرة، وسنظل نخاف على أنفسنا وعلى بناتنا في المستقبل”.

لم تعترف نساء شهيرات أو فنانات في العالم العربي بتعرضهن للتحرش، بل شاركت في الحملة سيدات وفتيات عاديات

وفي المقابل كشف المركز المصري لحقوق المرأة اعتراف العديد من مرتكبي التحرش بعدم خجلهم من ممارسة هذا الفعل تجاه أي سيدة حيث يرون أنهن السبب في ارتكاب مثل هذه الأعمال ضدهن بسبب ملابسهن المثيرة.

ويؤكد وائل نصرالدين (باحث اجتماعي) استفحال الظاهرة في المجتمع المصري، مشيرا إلى  أنه من خلال تجربته في رصد هذه الفئات من المتحرشين وجد أن أغلبهم يعانون من أمراض نفسية. وعن تجربته مع هذه الحالات تحدث قائلا “في إطار بحثي في موضوع التحرش اكتشفت أن هذا الفعل الشاذ لدى مرتكبيه تحول إلى مرض”.

وأشار إلى أنه من بين المتحرشين أشخاص يمتلكون سيارات، ولكنهم اعتادوا على ركن السيارة بصورة يومية، ثم يمشون أو يركبون “ميكروباص” أو “أتوبيس” لممارسة التحرش براكبات الأتوبيس. ويرجع مثل هذا السلوك إلى نوع من الإدمان السلوكي، ويصنف في إطار العلل النفسية والسلوكية.

ويقول المحامي عمرو اسماعيل عن هذه الظاهرة “هناك أسباب عدة للتحرش الجنسي، وتعزى إلى تفاقم هذه الظاهرة دون خوف مرتكبيها من المساءلة، أولها صمت الضحية خوفاً من الفضيحة، وجهل المتحرش الذي لا يعرف أن ما يقوم به هو مرض يستحق العلاج، والكبت الذي يعاني منه الشباب في ظل ارتفاع معدلات البطالة وعدم القدرة على الزواج”.

وللحد من هذه الظاهرة يطالب بحدوث تكاتف اجتماعي بين عدة أطراف تعمل على بث التوعية بين الفئات قليلة التعليم في المجتمع، وفي الوقت عينه تعمل على توعية النساء بحقوقهن، وألا يصمتن عن حدوث التحرش بل يكشفن بشجاعة عما حدث كي لا يتكرر مع ضحايا أخريات.

وردا على البرامج والأفلام التي أساءت بتناول القضية للدين والمجتمع المصري.. يقول الدكتور لطفي خيرالله أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس إن الدراسات أجمعت على وجود أسباب متعددة لظاهرة التحرش الجنسي، ومن بينها أسباب تتعلق بالفقر وتدهور القيم الدينية وانتشار القنوات الإباحية والملابس الفاضحة وعدم كفاية العقوبة الجنائية لمرتكبي هذا الفعل الشاذ.

ويضيف أن المشكلة واقعية بثتها وسائل الإعلام دون أن تتوجه إلى حلها، فضلا عن تسليط الضوء على دور الرقابة الأمنية وتغليظ العقوبة للحد من هذه الجرائم. المسؤولية لا تقع وحدها على الأمن والقضاء، بل تُلقى بصورة أكبر على عاتق الفن والإعلام، إذ لا يكفي رصد هذه الظاهرة المجرمة، إنما أيضا الوقوف على أسبابها والتوجيه الأمثل لحلها مع المسؤولين، ولا يجب أن نغفل أيضا عن دور المجتمع المدني والرقابة الاجتماعية التي تبدأ من الأسرة ودور التربية والعلم. فهذه القضية تتفاعل فيها كل جهات الدولة.

21