التجمعات العائلية بعد الطلاق تجنب الأبناء أزمة انفصال الوالدين

تؤكد بعض الوقائع المرتبطة بالتجمعات واللقاءات الأسرية بعد طلاق الزوجين، أهمية أن تكون هناك علاقة قوية قائمة على المودة والاحترام بين الآباء والأمهات والأبناء بعد الانفصال الرسمي، ويتوقف ذلك على مستوى وعي الطرفين وإصرارهما على رسم نمط حياة يجنبهما والأبناء التداعيات السلبية للطلاق.
القاهرة - تغيب عن الكثير من الأزواج بعد الانفصال ثقافة التواصل والتشارك والاجتماع معا برفقة الأبناء، حتى لا يتأثرون بما ينجم عنه من نتائج قاتمة، لكن ثمة حالات فردية تظهر بين حين وآخر فتعطي أملا في إمكانية أن يتحول الأمر إلى ظاهرة إيجابية، المهم أن يتم تسليط الضوء على تلك النماذج المميزة لتتعرف عليها الأسرة.
ضجت مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرا بإعجاب من تصرف الفنان المصري تامر حسني، عندما ظهر برفقة طليقته المطربة المغربية بسمة بوسيل في أول أيام شهر رمضان، حيث قررا الإفطار مع أولادهما، في مناسبة دينية سنوية معروف عنها زيادة التجمعات الأسرية وسط أجواء من المحبة والتلاحم.
وخرجت بوسيل في تصريحات إعلامية أكدت فيها أنهما اتفقا منذ الانفصال الرسمي على التجمع معا برفقة الأبناء في مختلف المناسبات والأوقات التي تزداد فيها قيمة التلاحم الأسري، حتى يشعر الأبناء بالدفء وعدم الحرمان من المشاعر والحصول على الاحتواء العائلي، فلا ذنب لهم في اختيارات وقرارات الأبوين.
وأضافت في شرحها لقيمة التواصل الدائم بين الطليقين، أن تشارك الزوجين بعد الانفصال في تربية الأبناء يعزز الاحتواء النفسي لديهم، ويوفر لهم الشعور طوال الوقت بأنهم يعيشون في أسرة سعيدة، دون التأثر بأي شيء سلبي ينجم عن قرار الانفصال على حياتهم.
وفتحت واقعة ظهور تامر حسني وبسمة بوسيل مع أولادهما نقاشا أسريا حول الأسلوب الذي يمكن أن يحدث من خلاله الطلاق الحضاري، وكيف يصل الزوجان إلى هذه المرحلة، وإلى أي درجة يؤسس هذا التلاحم الأسري لمرحلة يمكن من خلالها أن يتم ترميم العلاقة ويعود الزوجان مرة أخرى.
وتسود مفاهيم خاطئة بين الأبوين بعد وصول العلاقة إلى الانفصال الرسمي، حيث تختل لدى كلاهما أسس التربية والتقارب مع الأبناء والابتعاد عن التجمعات الأسرية مهما كانت الأسباب، وهناك آباء يعتقدون أن دورهم يقتصر على توفير العائد المادي للأبناء، والأم مسؤولة عن التربية والرعاية والاهتمام.
وكثيرا ما تطال الاتهامات الأم، بأنها تسعى إلى تغذية كراهية الأبناء للأب ويتعاملون معه بقسوة من دون إدراك لقيمة التواصل المستمر وتقريب المسافات معهم، وتخصيص أيام لقضاء وقت ممتع برفقة الأم، بعيدا عن ثقافة الانتقام بين الطرفين.
وعلى الرغم من العائد الإيجابي للأسرة والمجتمع من نشر ثقافة الطلاق المتحضر، لكن لا تزال الصورة المتعارف عليها بعد الانفصال قاتمة بسبب ما يثار من خلافات تتجاوز حدود استيعابها بين الكثير من الأزواج بعد الانفصال، وتصل حد الابتزاز والانتقام ومطاردة كل طرف للآخر في ساحات المحاكم.
وأصبح استغلال الأزواج والزوجات للأبناء بعد الطلاق، ظاهرة أسرية في المجتمع المصري، مع أن هناك حالات انفصال يتفق فيها الطرفان على كيفية رعاية الأبناء والتضحية من أجلهم كي لا يتأثروا بتبعات الانفصال نفسيا وسلوكيا واجتماعيا، ويرتبط ذلك بعقلانية ووعي الأب والأم.
ويغيب عن غالبية الرجال أن الأبناء بعد مرحلة الطلاق لا يكونون بحاجة إلى أن يتحول الأب إلى خزينة أموال، ومسؤول فقط عن توفير الطعام والشرب والمسكن ومصروفات التعليم وخلافه، بقدر ما يلتمسون الدعم العاطفي، ورؤية الأب والأم وبينهما احترام متبادل ولا تصل علاقتهما معا حد القطيعة.
وأطلق شوقي علام مفتي الديار المصرية دعوة دينية لنشر ثقافة الطلاق الحضاري بين الأزواج، بحيث يتم الانفصال بطريقة هادئة بعيدا عن التناحر والنزاع والانتقام خصوصا في حالة وجود أبناء، لكن الواضح أن الاحتواء العائلي بين الشريكين بعد الطلاق لا ينبع من تربية دينية، بل من درجة الوعي والتحضر.
هناك حالات طلاق حضاري تقع، لكن المعضلة في تسليط وسائل الإعلام والكثير من الأعمال الفنية والدرامية على الحالات السلبية
ويرى متخصصون في العلاقات الأسرية أن هناك حالات طلاق حضاري تقع، لكن المعضلة في تسليط وسائل الإعلام والكثير من الأعمال الفنية والدرامية على الحالات السلبية، دون تثقيف المجتمع بأن الأساس عند انهيار العلاقة بين الشريكين هو التمسك بالاحترام المتبادل والتعامل بصورة متحضرة.
ويعتقد هؤلاء المتخصصون أن تصدير النماذج السلبية عن الطلاق يزرع في أذهان الكثير من العائلات التناحر والصدام والمعارك بين الشريكين بعد الانفصال، وما لم يتم الاهتمام بالحالات التي انفصلت في هدوء وأخذ العبر والدروس منها سوف يظل الانتقام والابتزاز بين الطرفين ثقافة أسرية.
وتشهد مصر ارتفاعا في نسب الطلاق، وتتربع على قائمة الدول الأكثر طلاقا في العالم، وبات هذا الملف مزعجا للحكومة لما يترتب عليه من أزمات أسرية معقدة ومصير مجهول يواجه أبناء المنفصلين، ويكفي القول إن المحاكم الأسرية عاجزة عن الفصل في الكثير من القضايا والصراعات بين المطلقين بسبب كثرتها.
وقالت هالة حماد استشارية العلاقات الأسرية وتقويم السلوك في القاهرة إن الانفصال الحضاري بين الشريكين يفيد الأبناء، ويؤسس لحياة هادئة بين الزوجين، ولا يتحول الصغار إلى وسيلة للابتزاز، أو يصبحون من الموصومين مجتمعيا، حتى إن المطلقة نفسها يُنظر إليها بشكل إيجابي، على عكس من تتناحر مع شريكها السابق.
وأضافت لـ”العرب” أن التجمعات الأسرية بعد الطلاق يجب أن تتحول إلى ثقافة عائلية، وهذا ليس بالأمر الصعب إذا كانت هناك خطة توعوية للتعريف بأسس الانفصال واحترام العلاقة القديمة، والعمل معا لصالح الأبناء، والتشارك في تربيتهم ورعاية شؤونهم طوال الوقت.
وليس شرطا أن يكون الطلاق الحضاري ناتجا عن أزواج وزوجات ينتمون إلى بيئة سكانية أو شريحة متقدمة فكريا وثقافيا، بقدر ما يكون نابعا من التنشئة الأسرية، مع استقلال الشريكين عن وصاية العائلة، وتحديد شكل حياتهما بلا نصائح سلبية.
وتفرض الإيجابيات التي تنتج عن الانفصال الهادئ دون قطيعة أبدية أن تتبنى الحكومة ومؤسساتها الإعلامية والدينية والثقافية، مشروعا توعويا لإظهار نماذج الأزواج الذين اختاروا الطلاق واستمروا يتشاركون في المودة والاحترام في التخطيط لمستقبل الأولاد، وما يحمله ذلك من انعكاسات إيجابية على كل أطراف الأسرة.
وما لم يتم استثمار تلك النماذج سوف تظل المشكلة قائمة بتعامل الأغلبية مع الطلاق كبداية لمشكلة جديدة، مع أن الانفصال وُجد ليكون حلا لمشكلات معقدة، في حين أن الطلاق المتحضر يقوم على أن يفترق الزوجان وتبقى الأسرة مستمرة في مهمتها، وهي ثقافة تحتاج إلى جهود كي تتحول إلى إرث عائلي بامتياز.