التأمين ضد الطلاق يدخل حيز التنفيذ في مصر وسط ممانعات ذكورية

إلزام المقبلين على الزواج بإيداع مبالغ مالية في صندوق لحساب المرأة.
السبت 2024/07/20
صندوق الطلاق تأمين لمستقبل المرأة

أثارت وثيقة التأمين على الطلاق جدلا كبيرا في مصر حسم بالتصديق عليها من قبل الرئيس عبدالفتاح السيسي. ويرى المعارضون لهذه الوثيقة أنه من الخطأ فرض أعباء مالية على الشباب الراغبين في الاستقرار وتكوين أسرة عبر إلزامهم بأموال جديدة في صورة تأمين. وأيد القرار فريق من النساء والمؤسسات الحقوقية الداعمة لهذا الفريق؛ حيث اعتُبر وسيلة لتأمين مستقبل المرأة التي يتم تطليقها.

القاهرة - حُسم الجدل في مصر حول وثيقة التأمين ضد مخاطر الطلاق بتصديق الرئيس عبدالفتاح السيسي على التشريع الخاص بالتأمين الموحد، بعد مناقشات موسعة شهدتها أروقة مجلس النواب، انتقلت إلى مواقع التواصل الاجتماعي، ومنظمات حقوقية معنية بشؤون الأسرة، في ظل تحفظ بعض الرجال على إلزامهم دفع مبالغ مالية، قبل وبعد إتمام الزواج، تُمنح للمرأة التي وصلت علاقتها إلى الطلاق.

وشابت الجدل حول الوثيقة خلافات واسعة بين الفريق المؤيد لها من النساء والمؤسسات الحقوقية الداعمة لهن، وبين شريحة من الرجال رأت فيها تعنتا ضدهم لحساب إنصاف السيدات، بينما ذهب فريق ثالث إلى تبرير رفضه للوثيقة وسط ظروف معيشية صعبة وارتفاع تكاليف الزواج، ومن الخطأ فرض أعباء مالية على الشباب الراغبين في الاستقرار وتكوين أسرة عبر إلزامهم بأموال جديدة في صورة تأمين.

ولم تهتم الحكومة بما أثير من هنا وهناك، وقررت المضي قدما في تأمين مستقبل المرأة التي تتعرض للطلاق، خاصة عندما يكون لديها أبناء ولا تستطيع الإنفاق عليهم، بينما يتنصل بعض الرجال من مسؤولياتهم تجاه أولادهم ولا يمنحون السيدات الحد الأدنى من حقوقهن بعد الانفصال، وهي فلسفة تأسس عليها القانون برمته، حيث وجدت الحكومة نفسها مضطرة إلى اتخاذ إجراء يؤمّن المرأة وأولادها بعد الانفصال.

وبعد مصادقة الرئيس المصري على القانون أصبحت وثيقة الطلاق شرطا جديدا من شروط عقد الزواج، مثل الفحوصات الطبية الإلزامية التي يخضع لها الشاب والفتاة قبيل إبرام العقد، ولن يتمكن المأذون الشرعي من إبرام الزواج في غياب التأكد من قيام الرجل بدفع ما عليه من مستحقات مالية مسبقة كجزء من كلفة وثيقة التأمين، وبعدها يستكمل باقي المبالغ بشكل شهري عقب الزواج.

عبير سليمان: أكثر إيجابية خاصة بالوثيقة هي أنها رفعت عبء الابتزاز المادي والمعنوي عن المطلقة
عبير سليمان: أكثر إيجابية خاصة بالوثيقة هي أنها رفعت عبء الابتزاز المادي والمعنوي عن المطلقة

ويشهد مجلس النواب نقاشات موسعة لتحديد الجهات التي تمنح الشباب وثيقة الطلاق قبل عقد الزواج، وطريقة الدفع، وهل ستكون تابعة لمكاتب البريد التي تتبع الحكومة أم لشركات التأمين، أم للبنوك، وفي النهاية ستؤول كل الأموال المجمعة إلى صندوق خاص بالمطلقات، وسيتم وضع معايير خاصة بالصرف لكل حالة على حدة، ومتى تكون المرأة مستحقة لتلك الأموال من عدمه، بما لا يُسهل الطلاق.

ولدى الشاب أحمد سمير، الذي سيتزوج بعد عدة أشهر، معارضة شديدة للقانون الجديد، لأنه سيكون سببا في زيادة معدلات الطلاق، طالما أن المرأة لن تكون بحاجة إلى رجل ينفق عليها ويعينها على متطلبات الحياة، بعد أن قدمت لها الحكومة منفذا مجانيا تتحصل من خلاله على مبالغ مالية، كأنها تتوفر لها مكافأة للانفصال، في حين أن الكثير من السيدات رفضن الطلاق خشية تبعاته المادية.

وقال لـ”العرب” إن إضافة أعباء مالية على الشباب سوف تتسبب في عزوف بعضهم عن الزواج، والسؤال: لماذا تستبق الحكومة الشر قبل وقوعه، وتفكر في إمكانية انهيار العلاقة ووصولها إلى الطلاق قبل أن تبدأ أساسا، مع أن الأصل في أي علاقة زوجية الاستدامة، لافتا إلى أن وثيقة الطلاق فكرة سيئة وقد تكون محرضة على الانفصال وتدفع من كانت تستمر في العلاقة لأسباب اقتصادية إلى استسهال الطلاق.

وحسب ما هو مُعلن من جانب عدد من نواب البرلمان، فإن الشاب المقبل على الزواج سيكون ملزما بدفع ثلثي كلفة وثيقة الطلاق قبل إبرام العقد، ثم يُسدد المبلغ المتبقي بقسط شهري إلى حين اكتمال المستحقات المفروضة عليه، وهو ما يراه الشاب سمير عبئا إضافيا، مهما كانت قيمته في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها المقبلون على الزواج، مع أن الحكمة تقتضي التشجيع على الزواج لا تعقيده.

ولم يتحدد بعد ثمن وثيقة التأمين ضد مخاطر الطلاق، لكن ما يلفت الانتباه وجود أصوات رافضة تبرر موقفها بأن أي تشريع يخص العلاقات الأسرية يفترض أن يحظى بموافقة مؤسسة الأزهر لمعرفة مشروعيته الدينية، وطالما أن القضية شرعية ولم تحظ بدعم ديني فهي محرمة، من دون اكتراث بأن القانون الجديد لم يتطرق إلى أمور تتماس مع الشرع.

وفضّلت الحكومة عدم استطلاع رأي المؤسسة الدينية في وثيقة الطلاق خشية أن تصطدم بممانعة شيوخ معروف موقفهم ضد المرأة وتشددهم في كل ما يخصها، وهناك وقائع تستدعي إيجاد حلول جذرية لأزمات الشح المالي الذي يواجه المطلقات، بما ينعكس على أولادهن، وبدون مساعدة مالية سيعانين من صعوبات جمّة مستقبلا.

ويوجد فريق بلغ تحريضه ضد القانون حد استباق المستقبل واتهام بعض الزوجات باستسهال طلب الطلاق للحصول على الأموال لأسباب واهية، ويمكن حدوث ذلك في السنة الأولى من الزواج، مع أن النقاشات البرلمانية انتهت إلى أن استحقاق المرأة لتلك الأموال مشروط بمرور أكثر من ثلاث سنوات على العلاقة الزوجية، بحيث تكون استنفدت الحلول الخاصة بأي مشكلة دون أن تلجأ إلى الانفصال كخيار أول.

◙ إضافة أعباء مالية على الشباب سوف تتسبب في عزوف بعضهم عن الزواج، والسؤال: لماذا تستبق الحكومة الشر قبل وقوعه

ورأت عبير سليمان، الباحثة المتخصصة في شؤون المرأة بالقاهرة، أن أكثر إيجابية خاصة بالوثيقة هي أنها رفعت عبء الابتزاز المادي والمعنوي عن المطلقة، من أسرتها التي أحيانا تتخلى عنها لإجبارها على العودة إلى زوجها، ومن جانب الرجل الذي يتركها دون أن ينفق عليها بعد الانفصال، كنوع من القهر، بالتالي فوجود دعم مادي فور الطلاق من جهة مستقلة يجعل المرأة أكثر شجاعة في مواجهة تبعات الانفصال.

وأكدت لـ”العرب” أن المرأة المعيلة كانت تواجه صدمات اقتصادية ونفسية واجتماعية بعد الطلاق، لأنها لا تعرف كيف تتصرف في متطلبات أولادها، وإجراءات التقاضي للحصول على حقوقها تستغرق فترة طويلة، وقد تكون بلا مصدر مالي، لذلك فالميزة الإنسانية من الوثيقة حماية المرأة وأولادها في الفترة التي تكون بعد الطلاق دون أن يؤثر غياب العائل على حياة الأسرة، وتظل مستمرة من دون منغصات.

ولا تستحق المرأة التي تتزوج عرفيا أية أموال بعد الطلاق، فالزواج نفسه غير موثق، وهو نفس الحال بالنسبة إلى الفتاة التي تتزوج مبكرا قبل بلوغ السن القانونية، لأن أحد الشروط الأساسية للاستحقاق وجود وثيقة رسمية للزواج، وأخرى للطلاق، أي لا يكون الانفصال شفهيا كي يصبح من حق المرأة صرف المساعدات من صندوق التأمين على مخاطر الطلاق.

وكما الحال للمتزوجات عرفيا والقاصرات، ليس من حق المرأة التي تخلع زوجها مستحقات من صندوق التأمين ضد مخاطر الطلاق، إلا إذا حُكم لها بأحقية الانفصال لوقوع ضرر، مثل العنف الجسدي والنفسي، كي لا تكون هناك شبهة مساعدة للمرأة على أن تخلع زوجها لأسباب واهية ثم تطلب تعويضا، في ظل ما تعانيه محاكم الأسرة من قضايا خلع لمبررات مثيرة للسخرية.

وتظل الميزة بعد تطبيق القانون الجديد أن المطلقة لن تكون بحاجة إلى إنهاك نفسها في المحاكم لتسريع إجراءات النفقة الزوجية بعد الانفصال لتتحصل على أموال تعينها هي وأولادها، لأنها سوف تتحصل على ما سيساعدها على مواجهة صعوبات الحياة في الفترة الانتقالية التي تكون بين الطلاق وبين البت القضائي في حقوقها المشروعة، من نفقة ومؤخر وسكن ومصروفات تعليمية لأولادها، وقد تصل إلى عام كامل.

15