البنجر يفجّر أزمة بين المزارعين ومصانع السكر في مصر

دفعت عشوائية الزراعة المصرية إلى تفجّر أزمة جديدة بين المزارعين ومصانع السكر حول تسويق محصول البنجر نتيجة عدم فاعلية النظم التعاقدية للمحاصيل التجارية وغياب مسألة الإرشاد التي تضمن إنتاج محصول يتوافق مع المواصفات، التي تحتاجها شركات التصنيع.
القاهرة - كشفت أزمة بنجر السكر عن عشوائية الزراعة المصرية التي تحتاج إلى إعادة هيكلة بما يسهم في زيادة العائد من زراعة المحاصيل بدلا من تحوّلها إلى أزمة تفقر المزارعين نتيجة غياب خطة للتحصيل تحدد الأولويات الزراعية.
وتسبب إحجام شركات السكر عن شراء البنجر من المزارعين لعدة أيام في انخفاض القيمة الإنتاجية للمحصول، إذ يفقد البنجر جزءا من قيمته عند تعرضه للحرارة، الأمر الذي أجبر وزارة التموين والتجارة الداخلية إلى الدفع بمصنع شركة الدلتا للسكر، الذي تمتلك حصة حاكمة فيه أملا في حل الأزمة.
وتفجرت الأزمة بعد نشوب حريق في مصنع القناة للسكر، وهو استثمار إمارتي-مصري، ويعد من أكبر مصانع سكر البنجر في العالم، وتصل طاقته الإنتاجية القصوى إلى ما بين 950 ألف طن ومليون طن سنويا.
وتقدر استثمارات المصنع بنحو مليار دولار، ومملوك بنسبة 70 في المئة لرجل الأعمال الإماراتي جمال الغرير، مع عدد من المستثمرين الآخرين في الإمارات، بينما تمتلك شركة الأهلي كابيتال الذراع الاستثمارية للبنك الأهلي المصري النسبة المتبقية.
ورغم تدخل وزارة التموين المصري لحل الأزمة إلاّ أن زيادة المساحات الزراعية غير المدروسة ببنجر السكر فاقمت الأزمة بسبب غياب نظام الزراعة التعاقدية والتي تنظم زراعة المحاصيل التجارية وفق عقود مسببة تلزم المصانع بشراء المنتج من المزارعين وفق عقود بين الشركات وأصحاب الملكيات الزراعية.
ويغطي مصنع القناة للسكر نحو 35 في المئة من حاجة السوق المصرية من السكر، فيما تشير التوقعات إلى وصول معدلات إنتاج المصنع رغم أزمة الحريق إلى نحو 170 ألف طن من السكر الفترة الحالية التي تحتاج إلى نحو 1.5 مليون طن بنجر.
ويصل إنتاج مصر من السكر نحو 2.5 مليون طن سنويا، فيما يبلغ حجم الاستهلاك نحو 3.3 مليون طن، ما يجعل اقتصاديات الاستثمار في هذا المجال جاذبة للاستثمارات الأجنبية.
وتتشابك صناعة السكر مع عدد من القطاعات الحيوية فتسهم في استصلاح الأراضي وفق نظام الزراعية التعاقدية مع المزارعين، بالتالي تعدّ جزءا رئيسيا في الزراعات التجارية للمزارعين بعيدا عن الزراعات التقليدية التي توجّه للاستهلاك في الأسواق مباشرة مثل الخضر والفاكهة وكذلك الحبوب.
وتتسم الصناعة بحاجتها إلى نظم تخزين وعمالة كثيفة، مما يجعلها من الصناعات الرئيسية في توطين السكان بالمناطق العمرانية الجديدة، لأنها تحتاج إلى مساحات كبيرة من الأراضي، بما يعزز تنمية المناطق السكنية المتاخمة لمصانع السكر.
ويصل الأمر في معظم الأحوال إلى بناء قرى سكنية بالكامل في محيط مصانع السكر لتوفير العمالة للمصانع، ما يسهم بشكل مباشر في زيادة عملية التعمير والحدّ من الكثافة السكانية التي تعاني منها مصر نتيجة تركز السكان في مناطق الحضر.
وأرجع شريف فياض أستاذ الزراعة بمركز بحوث الصحراء، أزمة البنجر بين المزارعين ومصانع السكر إلى عشوائية تخطيط الدورة الزراعة، فالفلاح لا يزرع وفقا لخطة أو دراسات علمية طبقا لحجم الطاقة الاستيعابية للمصانع، ويتبع سلوك القطيع أسوة بغيره.
وقال فياض لـ”العرب” إن “المزارعين يدفعون في النهاية ثمن تلك العشوائية، والبنجر محصول سريع التلف ولا يمكن للمزارع التصرف فيه مثل بعض المحاصيل التي يمكن تخزينها أو بيعها بالأسواق كالأرز والقمح، لكن هذه الأزمة تحتاج إلى إعادة النظر في بنود الزراعة التعاقدية في مصر”.
وتكمن مشكلة الزراعة التعاقدية في أنه لا يوجد كيان أو اتحاد قوي يمثل الفلاحين في التفاوض مع المصانع، وتحديد بنود هامش الربح وحل المشكلات التي يتعرض لها، بعكس المصانع التي لديها إدارات واتحادات قوية ومؤثرة تدافع عن مصالحها.
وتفاقمت الأمور مع عدم وجود نظام الإرشاد الزراعي للفلاحين ضمن منظومة الزراعة التعاقدية، بما يسهم في رفع الكفاءة الزراعية وفق المواصفات التي تحددها المصانع، وتنصح المزارعين باستخدام نسب الأسمدة والمبيدات وتحديد المواعيد المناسبة للري والحصاد.
وتنبع قضية عشوائية الزراعة من فجوة الثقة بين الفلاحين والحكومة نتيجة عدم التزام الأخيرة بوضع مظلة تحمي الفلاحين من تقلبات الأسعار ورفع الدعم عن مدخلات الإنتاج الزراعي، فضلا عن هشاشة التنظيمات الفلاحية التي تدافع عن حقوق الفلاحين وعدم قدرتها على الصمود أمام الحكومة.
وزرعت مصر العام الحالي نحو 640 ألف فدان من بنجر السكر، مقارنة بنحو 600 ألف العام الماضي، فيما أن الفترة المقبلة تحتاج إلى التوسع في زراعته، لاسيما أن زراعة قصب السكر محدودة ولا تزيد على 375 ألف فدان، فضلا عن كونه يتطلب استهلاكا مكثفا للمياه.
وقال حسين أبوصدام نقيب الفلاحين، إن “الأزمة تفجرت بقوة بين المزارعين ومصانع السكر في محافظة المنيا بجنوب مصر، بسبب اندلاع حريق مصنع القناة للسكر والذي تسبب في عدم الوفاء بالعقود مع المزارعين”.
وأوضح لـ”العرب” أن الأزمة تكررت أيضا في محافظات الدلتا (شمال القاهرة) وتحديدا في الدقهلية والشرقية، نتيجة عدم تحديد مواعيد الحصاد بدقة، فضلا عن تسرع بعض المزارعين في حصاد البنجر قبل موعده من أجل زراعة الأرز، ما أدى إلى تعقد الأمور بين المصانع والفلاحين.
وحذرت نقابة الزراعيين قبل سنوات من تناقص أعداد المرشدين الزراعيين، حيث يقل عددهم عن 1500 مهندس على مستوى مصر ويعملون على 6 آلاف قرية و8 ملايين فدان في الأراضي القديمة، مقابل 25 ألفا بنهاية ثمانينات القرن الماضي.
وفتحت هذه الفجوة نافذة استثمارية أمام القطاع الخاص والذي هرع لتدشين منصات إلكترونية تقوم بإرشاد الفلاحين، منها منصة “مزارع” وتستهدف وصول خدماتها الإرشادية إلى أكثر من 20 مليون مزارع من أصحاب الحيازات الزراعية الصغيرة.
وتقدم المنصة خدمات استشارية للمزارعين وأصحاب المزارع، مثل خدمة التعرف على ما يمكن زراعته قبل بداية كل موسم، وخدمات التعرف على الأسعار المتوقعة لشراء المحصول، وتوفير المنتجات اللازمة للزراعة بأسعار مناسبة.
وعلاوة على ذلك يتم توصيل أصحاب المزارع بالتجار والمُسوقين وأصحاب الشركات الغذائية لشراء محصولهم، وتوصيلهم بالمُقرضين من البنوك والهيئات الخاصة.