البرلمان المصري يكرس الرقابة على الاتصالات رغم الاعتراضات

ترى منظمات حقوقية في بعض النصوص الواردة في قانون الإجراءات الجنائية الجديدة، انتهاكا للخصوصية لاسيما في ما يتعلق بمنح السلطات المصرية الحق في مراقبة وتتبع اتصالات الأشخاص ومحادثاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.
القاهرة - عكس صمت الحكومة ومجلس النواب في مصر على انتقادات حقوقية طالتهما مؤخرا بسبب مواد مثير للجدل في مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد، عدم اكتراث بأي خطاب يحمل ابتزازا سياسيا من بوابة حقوق الإنسان.
ورغم سعي السلطة في مصر لتحسين سجلها الحقوقي من بوابة مشروع قانون المحاكمات الجديد، وجهت 12 منظمة حقوقية انتقادات عديدة له، وطالبت بنصوص تتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان وإجراء مشاورات شفافة ومفتوحة وشاملة مع مختلف أصحاب المصلحة، بعيدا عن بعض النصوص المثيرة والمطاطة.
وبررت المنظمات الحقوقية رفضها لبعض نصوص مشروع القانون بأنها تشكل تهديدا للحق في الخصوصية، وتمنح المسؤولين عن إنفاذ القانون سلطات واسعة لمراقبة واعتراض اتصالات الأشخاص وأنشطتهم عبر الإنترنت، لاسيما المدافعين عن حقوق الإنسان والمعارضين.
وأجاز مشروع القانون للنيابة العامة بعد الحصول على إذن قضائي، وضبط الخطابات والرسائل والبرقيات والمطبوعات والطرود، ومراقبة الاتصالات، وحسابات مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي، والبريد الإلكتروني، والرسائل النصية أو المسموعة على الهواتف أو الأجهزة، متى كانت لذلك فائدة في سير التحقيقات.
ورأت المنظمات الحقوقية أن الرقابة على الاتصالات والمنصات الإلكترونية مخالفة، لكن الدستور المصري أباحها بإذن قضائي مسبب، في المادة السابعة والخمسين التي تتحدث عن أن لحياة المواطنين الخاصة حرمة مصونة لا تمس، في المراسلات أو المحادثات الهاتفية، ويمكن الاطلاع عليها بموافقة القضاء.
وحسب بيان المنظمات المعترضة على القانون، فإن حقوق الإنسان مترابطة ومن دون حماية قانونية قوية للحق في الخصوصية، لا يمكن للصحافيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء السياسيين البحث عن المعلومات وتلقيها أو التعبير عن آرائهم أو ممارسة حقهم في التجمع السلمي بحرية، ما يتعارض مع التزامات مصر الدولية.
ووقعت على البيان، منظمات: المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، ومنظمة أكساس ناو، والجبهة المصرية لحقوق الإنسان، ومنظمة مسار، وإيجي وايد لحقوق الإنسان، ومركز النديم، ومؤسسة سيناء لحقوق الإنسان، ومنصة اللاجئين بمصر، ومنظمة المادة 19، وسمكس، ومؤسسة حرية الفكر والتعبير، ولجنة حماية الصحافيين.
وقال مسؤول بهيئة رقابية مصرية لـ”العرب” إن حديث المنظمات الحقوقية عن أحقية الأفراد الخاضعين للمراقبة في الإخطار بذلك يصعب تحقيقه لأسباب تتعلق بسرية بعض القضايا، معقبا “هناك مثلا تسجيلات وحالات تتبع تخص قضية فساد أو رشوة، كيف يمكن إخطار المتهمين بأن الجهة الرقابية تتبع تحركاتهم ومراسلاتهم، وتلك التسجيلات هي أساس الاتهام.”
وتضمن الرفض الحقوقي للرقابة على المراسلات والاتصالات وشبكات التواصل، أن مواد مشروع القانون أجازت التتبع والتسجيل لمدة ثلاثين يوما، مع إمكانية تجديد المدة، لمدد أخرى مماثلة، ورأوا أن ذلك انتهاك للحريات الشخصية قد يتم استغلاله لوضع سياسيين ومعارضين تحت الرقابة.
دوائر سياسية ترى أن الحكومة لا تكترث بمحاولة إنهاكها بملف حقوق الإنسان لعدم وجود تأثيرات سياسية للقضية في الوقت الراهن
ورد وزير الشؤون البرلمانية محمود فوزي على النواب المعارضين وقت مناقشة تلك النصوص بأن الهدف الوصول للعدالة، ويجب تمكين جهات التحقيق من الوصول إلى الأدلة، مشددا على أنه لا يوجد إلزام دستوري بوضع مدة محددة لفترة التتبع، فهناك قضايا كبيرة وخيوطها متشعبة، كيف يمكن إعاقة العدالة عن الوصول للحقيقة.
ولم تعلق أي جهة على الانتقادات الموجهة للحكومة والبرلمان بعد بيان المنظمات الحقوقية، لكن الصمت لا يخلو من تذمر مبطن داخل بعض دوائر السلطة من محاولة بعض الحقوقيين تشويه صورة قانون المحاكمات الجديد وتحويله مشكلة مرتبطة بحقوق الإنسان في حين أن المشروع تضمن إيجابيات، على رأسها تقييد الحبس الاحتياطي وإلغاء تحويله إلى عقوبة.
وترى دوائر سياسية أن الحكومة لا تكترث بمحاولة إنهاكها بملف حقوق الإنسان لعدم وجود تأثيرات سياسية للقضية في الوقت الراهن، أمام تراجع تركيز الاتحاد الأوروبي عليها ارتباطا بتداعيات الحرب على قطاع غزة، وعدم اهتمام الإدارة الأميركية برئاسة دونالد ترامب بها، بعكس الفترة التي عاصرتها مصر خلال فترة حكم الحزب الديمقراطي للولايات المتحدة.
وتبرر أصوات برلمانية قريبة من الحكومة بأن مجلس النواب لا يُعد تشريعا للمحاكمات يعيش لأشهر، بل يستمر لسنوات طويلة، وهناك تحديات أصبحت تواجه الدولة وتهدد أمنها القومي، وتحتاج إلى منح مرونة لجهات العدالة في التتبع والرقابة لاسيما في القضايا الخطيرة التي تستدعي وجود سيطرة على الاتصالات عموما، وعدم توظيفها سياسيا بشكل مشبوه.
وظهر ذلك في تصريحات رئيس لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بمجلس النواب، عندما ذكر أن هناك مشكلة خطيرة تتعلق بوجود أكثر من أربعة عشر مليون حساب وهمي على شبكات التواصل الاجتماعي المختلفة، لا أحد يعرف أصحابها وخلفياتهم، وبعضهم قد يستغل تلك الثغرة لتهديد الدولة بحروب إلكترونية، وهناك حاجة لرقابتهم وردعهم.
يؤخذ على الحكومة المصرية أن لديها مبررات تبدو منطقية، لكنها تتعامل مع الانتقادات المواجهة لها بنوع من الاستخفاف والرعونة
وأكد مساعد وزير الداخلية الأسبق وعضو مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية للبرلمان) اللواء فاروق المقرحي أن الرقابة على بعض المراسلات ضرورة أمنية وهذا لا علاقة له بالحريات، فكيف يكون هناك عنصر إجرامي أو شخص تحوم حوله الشبهات ولا يتم تتبع خطواته ومراسلاته، فالفضاء الإلكتروني وسيلة عند البعض للانتقام السياسي.
وأضاف المقرحي في تصريح لـ”العرب” أن التخطيط لارتكاب جرائم أمنية لا علاقة له بالحريات الشخصية، ثم أن بعض القضايا الخطيرة لا يتم ضبطها سوى من خلال الرقابة والتتبع، ومشكلة الحكومة ليست في من يخالفها الرأي وينتقد سياساتها، بل الأزمة في من لديهم مآرب تستهدف النيل من الدولة نفسها.
وقد لا يستوعب بعض الحقوقيين تلك الرسائل، لأنهم يخشون أن تطال النصوص الجديدة في قانون الإجراءات الجنائية كل صاحب رأي أو مدافع عن قضية بدعوى أنه يهدد الأمن والاستقرار، ما يفضي للمزيد من تكميم الأفواه وتصنيف كل معارض أنه يعمل ضد الدولة في وقت تحتاج لاصطفاف الجميع خلف السلطة.
ويؤخذ على الحكومة المصرية أن لديها مبررات تبدو منطقية، لكنها تتعامل مع الانتقادات المواجهة لها بنوع من الاستخفاف والرعونة، ما يظهر بوضوح في التعاطي مع تحفظات بعض الحقوقيين في مصر وجهات ومنظمات خارجية أخرى، عبروا عن مخاوفهم من مشروع قانون الإجراءات الجنائية دون ردود لا تؤثر عليها سياسيا.
وأخفق كل من البرلمان والحكومة في التسويق لقانون المحاكمات ورفض إجراء حوار مجتمعي موسع حوله أو الاستماع لبعض تصورات المعارضة حول النصوص الخلافية، ما جعل النظام يخسر بعض المكاسب السياسية المضمونة، لوجود نصوص قيّدت صلاحيات الأمن ومنحت حقوقا جديدة للسجناء ولم تُسوّق باحترافية.
وما بين إخفاق الحكومة أو استهداف منظمات حقوقية لها، تتحمل المعارضة جزءا من المسؤولية عندما أضاعت فرصة ثمينة لإدخال تعديلات مرضية لها على قانون المحاكمات واختارت مقاطعة الجلسات الذي خصصت له، حتى أصبحت كل الأطراف مسؤولة عن نصوص متحفظ عليها حقوقيا.