البرلمان المصري يتحرك لمحاصرة السلفيين وتجريم فتاواهم

القاهرة – تلقف مجلس النواب المصري إشارات سياسية بالتحرك نحو اتخاذ المزيد من الإجراءات لمحاصرة الفكر السلفي – الإخواني بتحريك المياه الراكدة في قانون تجريم إصدار الفتوى من غير المتخصصين بعدما تسببت في إحداث توترات ترتبت عليها حالة من الاستقطاب المجتمعي.
وكشفت مصادر برلمانية لـ”العرب” أن الفترة المقبلة ستشهد نقاشات واسعة للانتهاء من قانون تجريم الفتاوى لغير المتخصصين، وهو القانون المعطل داخل مجلس النواب منذ قرابة أربع سنوات، جراء خلافات بين المؤسسات الدينية حول هوية المتخصص المسموح له بإصدار الفتوى ومن يحق له الظهور الإعلامي للتحدث في الأمور الدينية.
وقالت المصادر ذاتها إن الاعترافات الكارثية التي أدلى بها القطب السلفي محمد حسين يعقوب مؤخرا أمام محكمة جنايات القاهرة بشأن عدم صلاحيته للفتوى وأنه ليس عالما بل له أتباع، فرضت على دوائر سياسية تسريع وتيرة إقصاء المتشددين فكريا عن إصدار الفتاوى باعتبارها الغطاء الشرعي الذي يستند عليه المتطرفون.
ودعا طارق رضوان رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب في طلب مقدم للبرلمان الأحد إلى حتمية إسكات من يطلقون على أنفسهم شيوخا وعلماء وهم ليسوا متخصصين في الفتوى، ويتسببون في فتن كثيرة.
وعلمت “العرب” أن إقرار التشريع الخاص بتجريم الفتاوى لغير المتخصصين يعني إمكانية حبس كل من يدّعي أنه شيخ أو عالم ديني لتتاح له الفتوى، وهي رسالة ترهيب حكومية للتيار السلفي الذي يتعامل منذ ثورة 30 يونيو 2013 باعتباره الفصيل الديني الوحيد الذي شارك في صناعة شرعية نظام الرئيس عبدالفتاح السيسي.
وترى دوائر سياسية أن حالة الانكسار التي يعيشها التيار السلفي والمتناغمون معه منذ شهادة يعقوب تبدو فرصة ثمينة لتمرير تشريع يقصقص المزيد من أجنحة التيار الإسلامي الذي يحاول تقديم نفسه على أنه بديل للمؤسسة الدينية الرسمية.

اعترافات القطب السلفي محمد حسين يعقوب فرضت تسريع وتيرة إقصاء المتشددين فكريا
وأكد جهاد عودة أستاذ العلوم السياسية بجامعة حلوان في جنوب القاهرة، أن الصدمة المجتمعية التي حدثت نتاج تعرية بعض رموز السلفية تسهل مهمة البرلمان في مواجهة التطرف الفكري، لأن أيّ تشريع يستهدف عقلانية الفتوى قد يحظى بتأييد شرائح كانت تتعامل مع فتاوى الشيوخ بنوع من القدسية ولا تسمح بالاقتراب منهم.
وأضاف لـ”العرب” أن الظروف السياسية تسمح بانتصار الحكومة في مواجهتها مع السلفيين، وما يحدث من البرلمان توجه دولة بكامل أجهزتها بعدما تسببت الفتاوى المتطرفة في تأليب الشارع وزيادة حدة الاستقطاب.
ويخشى مراقبون أن يكون الصراع الخفي بين المؤسسات الدينية حول أحقية كل جهة بالتصدي للفتوى سببا في إعادة تجميد التشريع الخاص بتجريم إصدار غير المتخصصين للفتاوى، وتتكرر مشاهد سابقة أجبرت البرلمان على تجميد مناقشة القانون، ما استثمره سلفيون وإخوان للتمادي في النفاذ للمجتمع بأفكارهم المتشددة.
ويرغب الأزهر في أن يكون علماؤه وحدهم المسؤولين عن إصدار الفتاوى، وهو ما ترفضه وزارة الأوقاف وترى أن إقصاء رجالها من المشهد يخدم الفكر المتطرف، باعتبارها أكثر تحركا في تكريس الوسطية وتجديد الخطاب الديني، وأمام الخلاف بين الطرفين، فضّلت دوائر سياسية غلق باب النقاش البرلماني حول القانون لحين توافق الجهتين.
وتكمن التخوفات من أن يتم اختزال الفتوى في الأزهر، لأن ليس كل خريجيه معتدلين فكريا، ويجب اختيار شخصيات بعينها وسطية لتتصدى للفتاوى حتى لا نكتشف وجود علماء أخطر من السلفيين.
وظل السلفيون يتعاملون مع مسألة الفتوى باعتبارها البديل الوحيد للوصول إلى عقول الناس بعد تضييق الخناق عليهم في المساجد والزوايا التي كانوا يسيطرون عليها، ومنعهم من الخطابة، والاستحواذ على جمعياتهم التي اعتادوا استثمارها لجمع تبرعات وإعادة توظيفها في الإنفاق على زيادة نفوذهم المجتمعي.
وترتبط مناقشة وتمرير مشروعات القوانين داخل مجلس النواب برؤية سياسية مدعومة من دوائر عديدة دخل مطبخ السلطة، باعتبار أن الأغلبية البرلمانية متماهية مع الحكومة لعضويتها في حزب “مستقبل وطن” الذي يصنف على أنه الظهير السياسي للحكومة.
ويحظى التشريع الخاص بتكميم أفواه غير المتخصصين في الفتاوى بتأييد برلماني واسع، في ظل إصرار السلفيين وأنصارهم من دعاة الفوضى وتغذية الاحتقان الطائفي وتحقير المرأة وترهيب الأقباط على إصدار فتاوى تتناقض كليّا مع توجهات الدولة التي تسعى لإنصاف النساء وفرض الاستقرار وإسناد مناصب لمسيحيين والقضاء كليّا على الطائفية.
وما يعزز خطوة القضاء على الفتاوى العشوائية أن دار الإفتاء سبق لها استفتاء جمهورها حول طريقة حصوله على الفتوى، وكانت المفاجأة أن 70 في المئة من المشاركين في الاستطلاع أكدوا لجوئهم لمواقع إسلامية يسيطر عليها إخوان وسلفيون، وهي إشكالية تواجه الحكومة بأن إسكات المتشددين يتطلب إعادة تبييض وجه المؤسسات الدينية أمام المجتمع ليثق الناس في فتاواها.
ورأى أحمد كريمة أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر في تصريحات لـ”العرب” أن إقصاء المتشددين من الفتوى يقطع آخر ذيول الإخوان والسلفيين، لأن كليهما وجهان لعملة واحدة يوظفون الدين والفتاوى لتحقيق أهداف سياسية مشبوهة.
مراقبون: حالة الانكسار التي يعيشها التيار السلفي والمتناغمون معه منذ شهادة يعقوب تبدو فرصة ثمينة لتمرير تشريع يقصقص المزيد من أجنحة التيار الإسلام
وأزمة فتاوى السلفيين أنها مرتبطة بالتحريم المطلق والتكفير في أحيان أخرى، والتحريض على كل من يخالف الأعراف والتقاليد وما ينص عليه التراث، ولا مانع لديهم من إهدار دمه، أو على الأقل مقاطعته، مثل فتاواهم ضد الأقباط بتحريم تهنئتهم في المناسبات الدينية، والحث على الضغط على المحاكم لتطبيق الشرع والتمرد على القوانين المدنية.
ويرى متخصصون في شؤون التيارات المتشددة أن القضاء على الفتاوى المتطرفة بمنع شيوخ السلفية من الإفتاء خطوة أولى على طريق تجديد الخطاب الديني، وهو الملف الذي يدعمه الرئيس السيسي، لكنه يشعر بخيبة أمل جراء إخفاق المؤسسات الدينية في إحراز تقدم فيه بدعوى أن السلفيين يحرضون الناس ضد القضية برمتها.
ويبدو أن تعويل السلفيين على أنهم كانوا ضمن الدوائر الداعمة لثورة 30 يونيو سيقابل بخريف غضب من جانب الحكومة مدعومة بتحرك برلماني، بحيث يكون تكميم أفواههم آخر حلقات صراعهم مع الدولة التي تبين لها أن مواجهتهم العلنية للإخوان لم تكن سوى ستار يتخفون وراءه لغرض أن يرثوا الجماعة ونهجها بتوظيف الدين لمصالح مشبوهة.
وتوحي الرسائل السياسية التي تلقفها نواب البرلمان أن الدولة ليست بحاجة إلى وجود ممثل عن التيار الإسلامي في المشهد السياسي، كما كانت الظروف تتطلب ذلك في توقيتات سابقة، فالأوضاع تغيرت محليا ودوليا والاتهامات التي كانت تواجهها الحكومة بأنها تُقصي الإسلاميين لم تعد موجودة، وبالتالي فإن الخلاص من هذا العبء صار مسألة وقت ليس أكثر.