البحرين تلتقط أنفاسها بعد كبح عجز الموازنة

أكدت المؤشرات المالية الإيجابية أن الحكومة البحرينية نفذت وعودها ببذل أقصى الجهود لمعالجة الاختلال في التوازنات المالية، في ظل الضغوط المفروضة عليها داخليا وخارجيا من أجل الإسراع في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية.
المنامة- أظهرت بيانات رسمية أن البحرين بدأت تجني ثمار سياسات الإصلاح الاقتصادي وأنها بدأت طريق الخروج من الاختلالات المالية المستمرة منذ أعوام، رغم أن بعض المؤشرات لا تزال مقلقة.
وذكرت وزارة المالية في بيان نشرته وكالة الأنباء البحرينية الرسمية أن العجز في الموازنة تراجع في النصف الأول من العام الجاري بنسبة 37.8 بالمئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
وبلغ عجز الموازنة في النصف الأول من العام نحو 1.08 مليار دولار، مقارنة بنحو 1.72 مليار دولار قبل عام. وأوضحت أن سياسات الإصلاح الاقتصادي وفرض بعض الرسوم والضرائب مكنا من زيادة الإيرادات المالية الفعلية في الموازنة بنسبة 18.8 بالمئة لتصل إلى نحو 3.37 مليار دولار.
في المقابل تمكنت سياسات التقشف وترشيد الإنفاق من خفض الإنفاق خلال تلك الفترة بنسبة 2.5 بالمئة بمقارنة سنوية لتصل إلى نحو 4.45 مليار دولار. وأشار البيان إلى أن الحكومة تواصل تنفيذ عدد من مبادرات ترشيد النفقات العامة ضمن برنامج التوازن المالي رغم زيادة مستويات الصرف على فوائد الدين الحكومي، لكن لم يذكر المزيد من التفاصيل.
وفي فبراير الماضي، وافق مجلس الوزراء على الموازنة العامة للدولة الخليجية بعجز كلي يقترب من 1.9 مليار دولار في السنة المالية الحالية، على أن يتم خفضه إلى حدود 1.62 مليار دولار بنهاية العام المقبل.
وتعاني أصغر دول الخليج من تحديات اقتصادية ومالية، وهو ما دفعها إلى التوقيع في أكتوبر الماضي على اتفاقية مع كل من السعودية والإمارات والكويت للحصول على دعم بقيمة 10 مليارات دولار لتنفيذ الإصلاحات.
وتضمنت خطوات الإصلاح فرض ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5 بالمئة مطلع العام الحالي، إضافة إلى تخفيضات في الدعم الحكومي وخطة تقاعد طوعي لموظفي الدولة. ودخلت الحكومة قبل فترة في سباق مع الزمن لإيجاد حلول بديلة لخطة إصلاح نظام الدعم الحكومي، التي تخلت عنها بسبب الجدل السياسي بشأن إجراءات التقشف التي يمكن تنفيذها.
تعكف البحرين على تطوير الخدمات المالية الذكية كبوابة لاستقطاب المزيد من الاستثمارات الأجنبية وإيجاد محركات جديدة لتسريع محركات النمو الاقتصادي
وكانت البحرين، التي تملك احتياطيات ضئيلة من النفط مقارنة بجيرانها الخليجيين، قد اتخذت إجراءات تقشفية في السنوات الأخيرة مثل تطبيق ضريبة القيمة المضافة ورفع أسعار استهلاك المياه والكهرباء. وتعتبر المنامة الأقل إنتاجا لجهة الموارد النفطية بين دول مجلس التعاون الخليجي بنحو 200 ألف برميل من النفط الخام يوميا.
وتملك البحرين حقلا واحدا للنفط تنتج منه 50 ألف برميل يوميا مع احتياطات من النفط الخام تقدر بمئات الملايين من البراميل. كما تنتج 150 ألف برميل إضافي من حقل أبوسعفة الذي تشترك فيه مع السعودية لتلبية معظم حاجاتها النفطية.
وفي أبريل العام الماضي، أعلن وزير النفط الشيخ محمد بن خليفة بن أحمد آل خليفة أن البحرين اكتشفت حقلا يحتوي على احتياطات من النفط الصخري تقدر بأكثر من 80 مليار برميل. وربما يصبح هذا الاكتشاف، الذي تتراوح احتياطاته من الغاز بين 10 و20 تريليون قدم مكعب، مصدرا مهما للدخل لكن من المستبعد أن تتبلور فوائده قريبا.
وتعرض الوضع المالي للبلاد وموقفها الائتماني في أسواق المال إلى ضغوط كبيرة أدت إلى ارتفاع تكلفة الاقتراض في يونيو من العام الماضي بسبب اتساع اختلال التوازنات المالية.
وتدخلت السعودية والإمارات والكويت لردع المضاربات وإنقاذ جارتها، التي تعاني من شح السيولة العام الماضي عندما تسبب هبوط أسعار النفط لفترة طويلة في رفع دينها العام إلى 93 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي. وتصنف وكالة ستاندرد آند بورز الدين البحريني ضمن الديون عالية المخاطر شأنها في ذلك شأن وكالات التصنيف الرئيسية الأخرى.
وتقول المنامة إن برنامج التوازن المالي الذي دشنته العام الماضي يهدف إلى تحقيق التعادل بين الإيرادات والمصروفات في ميزانية البحرين بحلول عام 2022 دون تقليص الخدمات العامة المقدمة للمواطنين.
وأكدت مرارا أنها تسرع الخطى في مشروعات ضخمة للاستثمار في البنية التحتية تتجاوز قيمتها 32 مليار دولار، بضمنها 7.5 مليار دولار من الحلفاء الخليجيين و10 مليارات دولار من الشركات الحكومية و15 مليار دولار من مستثمري القطاع الخاص.
وفي الوقت الحاضر، تحاول البحرين الترويج لنفسها على أنها مركز للتكنولوجيا المالية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وانخفضت تكلفة اقتراض البحرين إلى مستويات قياسية متدنية منذ الإعلان عن حزمة الإنقاذ الخليجية، نتيجة تحسن الثقة في سنداتها السيادية بعد أن أوشكت المنامة على العجز عن سداد التزاماتها في يونيو 2018.
1.08 مليار دولار عجز الموازنة في النصف الأول من هذا العام مقارنة بنحو 1.72 مليار دولار قبل عام
وظهر ذلك جليا في إعلان مصرف البحرين المركزي أمس عن تغطية إصدار من أذونات الخزانة الحكومية الشهرية بقيمة نحو 69 مليون دولار لأجل 182 يوما وتستحق في السادس من فبراير المقبل. وأكد المصرف أن سعر الفائدة على تلك الأذونات بلغ 2.9 بالمئة بانخفاض عن فوائد الإصدار السابق حين بلغ 3.5 بالمئة، الأمر الذي يؤكد متانة ثقة الأسواق بالاقتصاد البحريني.
ويتابع محللون تحركات البحرين لإنعاش اقتصادها بعد أن أعلنت عن خطط لتطوير أدواتها المالية الذكية لاستقطاب المزيد من الاستثمارات الأجنبية والاستفادة من الفرص الناجمة عن ثورة الإصلاحات الاقتصادية في السعودية، لتعزيز مكانتها كمركز مالي إقليمي رغم الصعوبات التي تواجهها.
وتعكف الحكومة منذ أن كشفت عن هذه الخطة في مايو 2018 على تطوير الخدمات المالية الذكية كبوابة لاستقطاب المزيد من الاستثمارات الأجنبية وإيجاد محركات جديدة لتسريع محركات النمو الاقتصادي.
ويمثل مشروع خليج البحرين للتكنولوجيا المالية الذي افتتح في أبريل العام الماضي محور مساعي الدولة الخليجية البالغ عدد سكانها 1.4 مليون نسمة لإحياء سمعتها كأكبر مركز للمصارف والأعمال في منطقة الشرق الأوسط. ويقوم جانب من انتعاش اقتصاد البلاد على حسن الحظ. وقد أكدت وكالة فيتش للتصنيفات الائتمانية أن تحسن أسعار النفط ساهم بنصف الانخفاض في العجز الحكومي للعامين الأخيرين.