الباكالوريا في تونس تحافظ على رمزيتها الاجتماعية ومكانتها الاعتبارية

متابعون يرون أن عدة مفاهيم انقلبت بعد ثورة يناير 2011 في علاقة برمزية الشهائد العلمية والجامعية وتراجع مستوى التعليم في البلاد.
الأحد 2023/06/25
آمال معلقة على إرسالية هاتفية

تونس - يعيش عدد كبير من الأسر التونسية هذه الأيام أجواء صدور نتائج ختم المرحلة الثانوية (الباكالوريا)، وهو ما يطرح تساؤلات المراقبين حول مدى محافظة الحدث على نفس القيمة الاجتماعية التي كان يمتاز بها في السابق، فضلا عن إيلاء العائلات هذه المناسبة اهتماما كبيرا في علاقة بالاحتفالات، أم أنها فقدت رونقها الأسري والاجتماعي تدريجيا.

ويرى متابعون أن عدة مفاهيم انقلبت بعد ثورة يناير 2011 في علاقة برمزية الشهائد العلمية والجامعية وتراجع مستوى التعليم في البلاد. في المقابل يرى آخرون أن شهادة الباكالوريا ما زالت تحظى بمكانة بالغة في الحياة الاجتماعية وتدفع الأولياء للتنافس على تحقيق النجاح قبل التلاميذ، ومن ثمة الاحتفال والتفاخر بالنتائج المحققة.

ونشرت وزارة التربية الجمعة على صفحتها بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك إحصائيات نتائج الباكالوريا لسنة 2023 خلال الدورة الرئيسية، على أن تنشر النتائج في المعاهد الأحد.

وأفاد وزير التربية محمد علي البوغديري بأن نسبة النجاح العامة في الدورة الرئيسية لامتحان الباكالوريا بلغت 36.38 في المئة، في حين تأجل (إلى دورة التدارك) 31.09 في المئة من المرشحين، ورسب 31.91 في المئة من مجموع 137 ألفا و908 تلاميذ بنسبة حضور 95.05 في المئة.

عامر الجريدي: الباكالوريا ما زالت ذات اعتبار في الشعور الجماعي
عامر الجريدي: الباكالوريا ما زالت ذات اعتبار في الشعور الجماعي

وأضاف البوغديري في تصريح لوكالة الأنباء التونسية أن “نسبة النجاح في شعبة الآداب بلغت 21.46 في المئة، والرياضيات 71.26 في المئة، والعلوم التجريبية 41.32 في المئة، والاقتصاد والتصرف 28.29 في المئة، والعلوم التقنية 44.35 في المئة، وعلوم الإعلامية ونظام جديد 54.89 في المئة والرياضة 70.25 في المئة”.

وتعتبر العائلات التونسية الباكالوريا مفتاحا للنجاح ونقطة عبور نحو الحياة الجامعية لذلك يتجند الأولياء لإنجاح الحدث منذ بداية السنة.

ويأخذ الحدث بعدا تنافسيا بين الأسر لأهميته البالغة في المصعد الاجتماعي لذلك يتنافس الآباء والأمهات على تحقيق النجاح قبل التلاميذ. ورغم تنامي بطالة أصحاب الشهائد العليا إلا أن شهادة الباكالوريا ظلت محافظة على مكانتها.

وأفاد عامر الجريدي كاتب عام المنظمة التونسية للتربية والأسرة “رغم تبدّل الأحوال وتغير العقليات وتطور الحاجيات المعنوية والمادّية، فإن امتحان الباكالوريا لا تزال له قيمة كوسيلة ارتقاء إلى الجامعة وإلى حياة مهنية مهمّة”.

وقال الجريدي في تصريح لـ”العرب”، “قد تكون شهادة الباكالوريا مصعدا تمهيديا للهجرة عبر الدراسة الجامعية لدى البعض، ولكنها ما زالت ذات اعتبار في الشعور الجمعي للتونسيين”.

واعتبر أن “الناس يميلون إلى الاحتفالات بأيّ مناسبة، دينية أو اجتماعية أو افتراضية، واحتفال العائلات التونسية بنجاح أبنائها وبناتها في امتحان الباكالوريا لا يزال ساري المفعول”.

وأردف “يمكن أن نتحدث عن مفارقة تدنّي المردود التعليمي وفقدان الرأي العام لثقته في المدرسة العمومية التونسية من جهة، والاهتمام بامتحان الباكالوريا في كلّ موسم امتحانات والاحتفال بالنجاح من ناحية أخرى، لعلّ ذلك مردّه رفض فقدان الأمل والتعامل مع المتاح مع الوعي بالإكراهات والمعوقات والأوضاع المتردّية، علما أنّه لئن فقدت الشهائد الجامعية من أهمّيّتها لدى الشعب عموما، إلاّ أنّها تبقى عنده عنوان إنجاز في المسار التعليمي وفي الحياة”.

ومكنت وزارة التربية المرشّحين لامتحان الباكالوريا في الدورة الرئيسية للسنة الدراسية الحالية من الاطلاع على نتائجهم الجمعة عن طريق الإرساليات القصيرة عبر الهاتف.

العائلات التونسية تعتبر الباكالوريا مفتاحا للنجاح ونقطة عبور نحو الحياة الجامعية

ويبلغ عدد المرشحين لدورة الباكالوريا لهذا العام 112573 تلميذا من المعاهد العمومية أي بنسبة 82 في المئة، و18539 تلميذا أي بنسبة 13 في المئة من المعاهد الخاصة، فيما يقدر عدد المرشحين بصفة فردية بـ6794 تلميذا أي بنسبة 5 في المئة من مجموع المرشحين.

ويرى مراقبون أن العائلات التونسية تنتشي بفرحة النجاح لأنها أوصلت ابنها إلى المرحلة الجامعية، كما أن الباكالوريا تحدد المستوى العلمي في السلم الاجتماعي.

ويرى هؤلاء أن حدث الباكالوريا في تونس لا يخلو من بعد تنافسي بين الأولياء، ذلك أن نجاح التلميذ هو نجاح الولي بقطع النظر عن المراتب والمعدّلات، وهي شهادة وطنية ترمز إلى التعليم التونسي بكل أبعاده وتختزل فيه روح المدرسة التونسية.

وقال العيد أولاد عبدالله المتخصص في علم الاجتماع “رغم كل النقاط السلبية التي لحقت بالمنظومة التربوية وكل التعطيلات والأزمات بن المؤسسة التربوية والأسر والتلاميذ، فإن الأسرة التونسية لا تزال تراهن على التعليم للرقيّ الاجتماعي”.

وأكد لـ”العرب” أن “الولي حتى وإن كان لا يملك إمكانات فإنه ينفق على تعليم أبنائه، والباكالوريا ما زالت لديها مكانة مرموقة في المجتمع التونسي، النجاح المدرسي هو مؤشر على النجاح الأسري”.

وتابع أولاد عبدالله “عندما تسمع الزغاريد والفرح من ناحية والخيبة من ناحية أخرى، تشعر أن الباكالوريا ما زالت لها مكانة كبيرة عند الأسر”.

ويعيش التلاميذ وأولياؤهم في تونس تحت الضغط النفسي مع اقتراب امتحانات الباكالوريا في كل سنة، ويحاول الأولياء مساعدة أبنائهم كل حسب إمكاناته ومعرفته كما يسعون لتخفيف الضغط عليهم وأحيانا يقومون بالعكس لاشعوريا.

2