الباحث التونسي نادر الحمامي لـ"العرب": لا توجد لدينا استراتيجية لمكافحة الإرهاب

الإيمان بالديمقراطية معضلة حقيقية لدى العديد من الأحزاب، لأن فكرة الديمقراطية في تونس تقتصر على الانتخابات ومراقبتها.
الاثنين 2020/12/14
الثورة ليست هتافا يجرح الحناجر

يعيش المشهد السياسي التونسي على وقع تناقضات متصاعدة، ونظرا للصراعات الاجتماعية والسياسية وأشكالها المختلفة تتعدد القراءات والسيناريوهات التي تنذر باتجاه البلاد نحو مأزق سياسي جديد قد يُزعزع أركان الدولة. ودفع هذا الأمر الأكاديمي التونسي نادر الحمامي إلى التحذير من مخاطر الصراع الشعبوي في البلاد ومآلات السياسات الراهنة.

تونس- تعيش تونس على وقع نقاش يتصاعد يوميا بشأن مشروعية الحركات الاحتجاجية ومخاطر هذه الحركات على تماسك الدولة، خاصة عندما يتعلق الأمر بغلق مواقع الإنتاج كشكل من أشكال ابتزاز السلطات والضغط عليها.

وتباينت الآراء على الساحة السياسية والاجتماعية حول هذه الحركات الاحتجاجية التي بدت وكأنها تستعد للتنظيم في إطار تنسيقيات جهوية ولجان شعبية، ما أثار مخاوف من تفكك الدولة في سياق مطالبة كل جهة بثرواتها وحقها في التنمية.

وفي هذا الحوار يشرح الأكاديمي التونسي نادر الحمامي رئيس جمعيّة الدراسات الفكرية والاجتماعيّة “فواصل” وجهة نظره، معتبرا أن البلاد تعيش صراعا شعبويا خطيرا ويجب الحذر من مآلاته السياسية الراهنة.

وصدرت لنادر الحمامي العديد من المؤلفات التي تطرقت إلى التاريخ الإسلامي وغيره، منها كتاب “صورة الصحابيّ في كتب الحديث‘‘ وكتاب ’’إسلام الفقهاء‘‘، وكتاب “في المتخيّل التاريخي الإسلامي: نحو الخروج من مآزق التأصيل”.

• في البداية، كيف تقيمون إقبال التونسيين، ولاسيما فئات الشباب، على حلقات النقاش التي تقيمها جمعيتكم مع مفكرين ومثقفين تونسيين؟

تونس

جمعية الدراسات الفكرية والاجتماعية “فواصل” هي جمعية فتية مقارنة بالمشهد الجمعياتي في تونس الذي كسب زخما بعد ثورة 14 يناير حيث انطلقت فعليا في العمل في أبريل 2016، وهي تستند إلى خط تحريري قوامه الحدّ المعرفي الأدنى واحترام حقوق الإنسان وقيم المواطنة الحقيقيّة والإيمان بضرورة الدور الثقافي.

لا يمكن أن نقبل بأنشطة تقبل بالتهجم على حقوق الإنسان، وبقية الآراء تدخل في باب الحرية، علاوة على ذلك فإن جمعية “فواصل” قامت بعدد كبير من الأنشطة الفكرية والندوات وغيرها من خلال تعاون جامعيين تونسيين وكذلك قيامنا بشراكات مع جامعات ومؤسسات مهمّة سواء في تونس أو خارجها. أما الاهتمام بأنشطة الجمعيّة فهو موجود خاصة في التفاعل عبر النشر الإلكتروني لأننا نعتمد على نشر أنشطتنا عبر مواقع التواصل الاجتماعي (يوتيوب، فيسبوك…). ونتوجه للشباب سواء الجامعي أو المهتمون منهم، ونجحنا بالفعل في استقطاب شباب لحضور حلقات نقاش مع أساتذة ومحاورتهم والاستفادة منهم.

• في علاقة بالمشهد العام في تونس، هناك حراكات متوازية على الصعيدين المجتمعي أو السياسي؛ هناك دعوات للحوار الوطني وأيضا احتجاجات متصاعدة، كيف تقرأون التطورات اليوم على الساحة التونسية؟

في الحقيقة، من السذاجة اعتبار التحركات الاجتماعية مثلا التي تابعناها مؤخرا في تونس من باب المفاجأة أو اللامتوقع لأن أسبابها موجودة منذ عقود لكنها تطورت وتسارعت في العشرية الأخيرة لذلك أعتقد أن أصحاب القرار هم من غفلوا عن هذه الأسباب التي ستولد انفجارات اجتماعية وهي طبيعية في ظل عدم فهم المطالب الاجتماعية التي أدت إلى أحداث 2011 وعدم السير برؤية واضحة نحو حل تلك المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي دفعت التونسيين إلى الخروج في ذلك الوقت، طبعا إلى جانب المطالبة بالحريّة والديمقراطيّة الحقيقيّة.

إضافة إلى ذلك، تفاقم مؤخرا (عشرية ما بعد الثورة) الجري وراء الزعاماتية والشعبويات، وأحيانا تبرز أطراف تبدو وكأنها متصارعة لكنها تشترك في غياب الرؤية والوضوح والبرامج الحقيقية.

• هل يمكن القول إن الشعبوية اجتاحت تونس اليوم ومؤسساتها الرسمية؟

في تونس هناك شعبويات، تقريبا كل أصحاب القرار يسيرون نحو شعبويات، وهي ليست خاصة بتونس لأن الشعبوية غزت العالم منذ سنوات، حتى البلدان التي تُعد معاقل اليسار مثل البرازيل أو غيرها مالت نحو الشعبوية، فتونس ليست بمعزل عن هذا التيار. لكن من الضروري الانتباه إلى أسباب هذه الشعبوية وهي تكشف عن أزمة الديمقراطية التمثيلية التي في ظل تسارع الانفجار الرقمي وعدم ثبات المعلومة وعدم تركيز رؤية واضحة للشباب وتخلي الدول عن مسؤولياتها المجتمعية قد أدت إلى تنامي الشعبويات التي تعددت أشكالها والتي قد تؤدي إلى صراع في ما بينها، خاصة في تونس في ظل “تبلبل” الأيديولوجيات التي انخرطت في الشعبوية.

فمن الضروري أن تراجع  النخب نفسها وألا تخجل من أن مسارنا من 2011 كان خاطئا وأن تصحح أمرها وإلا وصلت إلى فشل ذريع.

تونس تفتقد لاستراتيجية ورؤية حيال مكافحة الإرهاب والتطرف لأن الميزة الأساسية لهذه الإستراتيجية هي أنها مرتعشة لم تذهب إلى عمق الخلل

• دائما في الشأن الداخلي التونسي، كيف تقرأ التطورات داخل حركة النهضة الإسلامية التي قال رئيسها راشد الغنوشي مؤخرا إنه لن يترشح لرئاستها مجددا وسط تجاذباتها الداخلية؟

في البداية لا أعتقد أن صراع النهضة الداخلي مستجد، فمنذ مدة أطول مما نتوقع كانت هناك تجاذبات داخلية، وهو صراع متوقع لأن حركة النهضة من بين الحركات التي تقوم أيديولوجياتها على طاعة الزعيم والانضباط، لكن هذا الانضباط غير مطلق لأنه عندما تدخل هذه الحركات اللعبة السياسية تنخرط في منظومة الحكم من وضعية المعارضة أو من وضعية التشكل حول مقولات من قبيل الاضطهاد والضحية، وهذا هو جوهر خطاب حركة النهضة الذي مكّنها من الحكم منذ 2011، بالإضافة إلى الدعم الخارجي الإعلامي وغيره.

الرصيد الذي بنت عليه النهضة شعبيتها أيضًا حين يصطدم برهانات الحكم يضعف، وهذا الزعيم وهو زعيم تاريخي سيفقد البعض من مكانته، وستشهد الحركة تحولات داخلية ربما تُفرز خروج تفرعات عن الحزب، وهذه التفرعات هي التي نشاهدها والتي تجلت بوضوح في ما سمي بـ”مجموعة المئة”. باختصار شديد هناك صراع أجيال ومواقع داخل النهضة؛ مثلا ليس تكوين راشد الغنوشي هو نفسه تكوين “مجموعة المئة”، فهو من جيل الستينات وهم من جيل جديد. حركة النهضة بدأت بالتفكك منذ مؤتمرها العاشر وتحديدا حول نقطة الفصل بين الدعوي والسياسي، لم يكن مجرد تكتيك بل كان ذلك بداية تفكك الحركة. الآن يمكن القول إن تكتيكات النهضة التي مارستها طيلة سنوات ستصل إلى حدها عاجلا أم آجلا لتبقى أمام خيارين؛ إما الانخراط في مسار التاريخ والاتجاه نحو السياسي وترك هذا الدعوي وليس مجرد فصله وترك أدبياتها التي تأسست من خلالها لأنها لم تقم بمراجعة إلى حد الآن وإلا فإنها ستتفكك كما بقية الأحزاب. أما تصريح الغنوشي فيمثل تراجعا آخر وليس مراجعة، هو تراجع تحت الإكراه وهو تراجع يذكرنا بما حدث في 2013 عند مناقشة الدستور حيث قامت النهضة بتراجعات تحت إكراهات داخلية في علاقة بضغوط المجتمع المدني وغيره وخارجية أيضًا.

 • في وقت سابق قلتم إن “النهضة لا تؤمن بالديمقراطية”، هل ترى أن هذه التجاذبات والانقسامات التي تشهدها الحركة ستكون لها تداعياتها على التونسيين؟

الإيمان بالديمقراطية هو معضلة حقيقية لدى العديد من الأحزاب لأن في تونس الديمقراطية كفكرة تقتصر على الانتخابات ومراقبتها، لكن الديمقراطية هي ثقافة وتتجسد في الإيمان بحقوق الإنسان في بعدها الكوني والإيمان بالمساواة المطلقة بين المواطنين والمواطنات دون تمييز ودون ربطها بدين أو لون أو جنس. الثقافة الديمقراطية أيضا تتمثل في تحقيق العدالة الاجتماعية وقيمة الإنسان. النهضة وغيرها من السياسيين على غرار الرئيس قيس سعيد لا يؤمنون بالثقافة الديمقراطية. وحتى الذين يقولون إنهم ضد النهضة على غرار الحزب الدستوري الحر ليست لديهم ثقافة ديمقراطية، وهذا ما نتبينه من خلال مواقفهم في علاقة بالمساواة في الميراث. وحتى الأحزاب اليسارية باتت تخشى إعلان مواقفها، فمثلا هي لا تُعادي المساواة في الميراث أو غيرها لكنها تقول إن الظرفية الزمانية غير مناسبة لتخسر بذلك مبادئها والانتخابات في الآن نفسه.

من يقولون إنهم ضد النهضة ليست لديهم بعد ثقافة ديمقراطية، وهذا ما نتبينه من خلال مواقفهم من المساواة في الميراث
من يقولون إنهم ضد النهضة ليست لديهم بعد ثقافة ديمقراطية، وهذا ما نتبينه من خلال مواقفهم من المساواة في الميراث 

• أي مستقبل لمناوئي الغنوشي داخل النهضة وخاصة “مجموعة المئة” التي تعارضه بشدة اليوم؟

هناك سؤال آخر ينبغي طرحه وبشدة اليوم لأن مسألة انفصالهم من عدمه ستستغرق وقتا، وهو هل هذه المجموعة تختلف فكريا وجذريا عن الحركة الأم وتقدم بديلا فكريا أم لا؟ الاختلافات داخل النهضة ليست اختلافات فكرية، وهنا يكفي النظر إلى عودة حمادي الجبالي (رئيس حكومة سابق وقيادي سابق في الحركة) لندرك ذلك؛ هي اختلافات سياسية. هم لا يختلفون، وأنا باعتباري باحثا وأكاديميا أعتبر أن هذا الانفصال غير مهم لأنه عوض حركة واحدة ستصبح لدينا حركتان لا تختلفان فكريا. مهمّ أن تطالب هذه المجموعة باحترام الفصل 31 من نظام الحركة الداخلي (فصل محل نزاع ويضبط الترشح لرئاسة الحزب) لكن ماذا عن التوجهات الفكرية للحزب؟ هي اختلافات شكلية لا تهم التونسيين.

• اهتممتم كثيرا بالإسلام من خلال العديد من المؤلفات على غرار مؤلفكم ’’إسلام الفقهاء”، واليوم تونس تعتزم تركيز مركز تدريب للأئمة بتمويل كويتي ودعم كويتي، وهو أمر أثار مخاوف من تسلل الفكر المتطرف مجددا، كيف تقرأون هذه الخطوة خاصة أنها تتزامن مع عودة الاستقطاب؟

هذه المراكز المنتشرة هنا وهناك تثير الريبة، ماذا ستعلّم هذه المراكزُ الشبابَ؟ هل ستعلمهم روافد الديمقراطية وحقوق الإنسان؟ ينبغي أن يكون الدين منسجما مع الديمقراطية وليس العكس. مراكز التكوين حتى في الغرب لم تمنع من تكوين أئمة أو دعاة يعادون القيم الديمقراطية والعلمانية. أما بخصوص هذا المركز فهو يأتي من مرجعيّات لا تؤمن بما نطمح إليه في تونس من قيم حقوقية وديمقراطية، وعلى أصحاب القرار تدارك هذا الأمر.

من السذاجة اعتبار التحركات الاجتماعية التي تابعناها مؤخرا في تونس من باب المفاجأة أو اللامتوقع لأن أسبابها موجودة منذ عقود

• ماذا عن عودة الاستقطاب في تونس؟ هناك حديث عن استقطاب عناصر من الأمن والجيش، رأينا أيضا تورط تونسيين في عمليات إرهابية، هل هناك حسب رأيكم حلقة مفقودة في إستراتيجية الدولة لمكافحة الإرهاب؟

أنا لا أعتقد أن هناك إستراتيجية أصلا. تونس تفتقد لاستراتيجية ورؤية حيال مكافحة الإرهاب والتطرف لأن الميزة الأساسية لهذه الإستراتيجية هي أنها مرتعشة لم تذهب إلى عمق الخلل المتمثل أولا في المسألة التربوية والتعليمية؛ هناك برامج يُنظر إليها في دول أخرى على أنها قمة في العلمانية لكن في الواقع هناك برامج ترفض كل تعدد وكل فكر ديمقراطي وكلّ اختلاف. ثانيا على المستوى الإعلامي، هناك بث لخطاب راديكالي وإقصائي إلى حد بعيد ويقدّم على أنّه من الثوابت والمقدّسات وتم الحسم فيه، وكذلك حين يتهم أطفال وصلوا إلى الدنيا من أم عزباء بأنهم سيحملون ’’وزر‘‘ ما يعتبرونه خطأ.. كل هذه الخطابات التي نجدها بصفة يومية سيتم استبطانها اجتماعيا ونذهب نحو الراديكالية والأصولية.

13