الانقلاب العسكري يقرّب ميانمار من فلك الصين

فيما يهدد الرئيس الأميركي بفرض عقوبات اقتصادية جديدة على ميانمار ترفض الصين انتقاد الانقلاب العسكري مكتفية بدعوة الأطراف "إلى تسوية خلافاتهم".
الجمعة 2021/02/05
انقلاب عسكري يغذي لعبة الاصطفافات

رانغون (ميانمار)- يهدد الانقلاب العسكري في ميانمار بدفع البلاد أكثر إلى فلك الصين وإبعاد المستثمرين الغربيين واليابانيين عنها، فيما قد ينهار اقتصادها الهش الذي يعاني أساسا من تبعات وباء كوفيد – 19.

وأنهى جيش ميانمار بشكل مفاجئ الاثنين الانتقال الديمقراطي، فأعلن حالة الطوارئ العامة، واعتقل زعيمة الحكومة المدنية الفعلية أونغ سان سو تشي، التي اتهمت الأربعاء بانتهاك قانون الاستيراد والتصدير.

وأوضحت فرنسواز نيكولا مديرة قسم آسيا في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، أن قادة الجيش قاموا بالانقلاب بدافع الطموح السياسي، لكنهم “كانوا يخشون أيضا أن يخسروا مستقبلا السيطرة على مصالحهم الاقتصادية الطائلة”. وباستفادته من مناجم اليشم والياقوت، يجني الجيش أرباحا من شركاته الكبرى الناشطة في العقارات والسياحة والقطاع المصرفي وغيرها.

محللون يرون أن الاختلال الكبير حاليا في ميانمار بين الغرب والصين سيزداد حدة بعد الانقلاب العسكري

وفي ظل هذه المصالح، فإن بقاء حزب سو تشي، الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية، في السلطة بعد فوزه الساحق في الانتخابات التشريعية في نوفمبر، كان يهدد بانتزاع أوراق منه.

لكنّ السؤال مطروح الآن بشأن مصير الاستثمارات الغربية. فبعدما بقيت ميانمار منبوذة في العالم خلال عقود من الحكم العسكري، فُتحت لها أبواب على الساحة الدولية مع حكومة سو تشي الحائزة جائزة نوبل للسلام بعد انتخابات 2015.

وأدت أزمة مسلمي الروهينغا الذين فروا بعد عامين بمئات الآلاف للجوء إلى بنغلادش هربا من حملة قمع شديدة شنها الجيش، إلى تدهور صورة البلاد وإبعاد المستثمرين الغربيين.

ومع الانقلاب العسكري الاثنين، من المتوقع أن يتسارع هذا التوجه ويستمر لفترة طويلة. وقال ديفيد ماتيسون المحلل المستقل العامل في ميانمار إن الكثير من الشركات الغربية “سترى أنه لا يمكنها البقاء”.

وما يعزز هذا التوجه تهديد الرئيس الأميركي جو بايدن بفرض عقوبات اقتصادية جديدة، في وقت لا تزال العقوبات القائمة حاليا محصورة ببعض الضباط الكبار دون أن تطال الشركات المرتبطة بالجيش.

وكذلك ينظر الاتحاد الأوروبي في فرض عقوبات جديدة، قد تسدد ضربة شديدة إلى قطاع النسيج الذي كان يشهد انطلاقة قوية. وفي هذه الأثناء، تواصل بكين توسيع نفوذها. ورأت نيكولا أن “الاختلال الكبير حاليا بين الغرب والصين سيزداد حدة”.

وامتنعت الدولة الآسيوية العملاقة التي تتقاسم مع ميانمار حدودا تمتد على ألفي كيلومتر، عن انتقاد الانقلاب العسكري، فقدمت نفسها في موقع “الجار الودي”، مكتفية بدعوة الأطراف “إلى تسوية خلافاتهم”.

وللصين مشاريع بنى تحتية كثيرة في ميانمار في إطار خطتها المعروفة بـ”طريق الحرير الجديدة”، والتي بدلت تسميتها إلى “مبادرة الطريق والحزام”، ومنها بناء منطقة اقتصادية خالصة تتضمن مرفأ في المياه العميقة، ومشاريع محطات كهربائية وسدودا للطاقة الكهرومائية، ومدّ خطوط للسكك الحديدية.

أونغ سان سو تشي متهمة بانتهاك قانون الاستيراد والتصدير
أونغ سان سو تشي متهمة بانتهاك قانون الاستيراد والتصدير

وخصصت السلطات الصينية في الربيع الماضي مبلغا قدره 5.5 مليار يورو لتمويل هذه المشاريع، فيما تشكل ميانمار للصين مصدرا مهما للموارد الطبيعية من خشب وغاز طبيعي. ولفت أوليفييه غيار مدير الأخبار في موقع “كرايسيس24” المتخصص في مسائل الأمن الدولي، إلى أن “لا مصلحة لبكين في انتشار الفوضى في الدولة المجاورة لها” إذ قد ينعكس ذلك على خططها.

وتطرح تساؤلات أيضا حول القرار الذي ستتخذه اليابان، الشريك الاقتصادي الثالث لميانمار، بشأن مصالحها الكثيرة في هذا البلد، حيث تواصل بناء منطقة اقتصادية اقتصادية كبيرة. وكانت اليبانيون من أوائل الذين أقروا بنتائج الانتخابات التشريعية في نوفمبر، في حين يندد العسكريون بـ”مخالفات هائلة” تخللتها.

وأعلنت شركة سوزوكي موتور اليابانية التي أغلقت مصنعيها بصورة مؤقتة لأسباب أمنية عند حصول الانقلاب، أنها ستعيد فتح أبوابها.
وفي هذه الأثناء، يهدد الانقلاب بتسديد ضربة شديدة للاقتصاد الهش في ميانمار، فيما أعرب صندوق النقد الدولي الذي خصص قبل فترة قصيرة مساعدة طارئة قدرها 350 مليون دولار لمساندة ميانمار في مكافحة جائحة كورونا، عن “قلقه الشديد” لوطأة الانقلاب على الاقتصاد الهش في هذا البلد.

5