الانقسامات داخل الحركة الشعبية والسلطة السودانية تكبل جوبا

الخرطوم - فشلت جولة التفاوض الأولى بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية شمال جناح عبدالعزيز الحلو في التوصل إلى اتفاق إطاري تمهيداً لبدء المباحثات حول الملفات الرئيسية. وقررت الوساطة الجنوبية الثلاثاء تعليق المفاوضات لإجراء المزيد من المشاورات.
وتقوم وساطة جنوب السودان باتصالات بين وفدي الحكومة والحركة الشعبية لتقريب وجهات النظر وتهيئة الظروف لانطلاق جولة التفاوض القادمة، ولم تتبق سوى أربع نقاط من تسع عشرة نقطة كان يجري التفاوض حولها.
وأرجع مصدر سوداني مطّلع عدم قدرة الطرفين على التوصل إلى تفاهمات أولية بعد ثلاثة أسابيع من المباحثات إلى انقسامات داخل كل من الحركة الشعبية والحكومة الانتقالية بشأن جملة من القضايا، وعدم قدرتهما على توحيد القرار.
وأشار المصدر ذاته لـ”العرب” إلى أن حركة الحلو تعاني تأرجحاً في الموقف بين تيارين داخلها، أحدهما يتبنى موقفا سياسيا منفتحا بشكل كبير على المفاوضات ولا يمانع في تقديم تنازلات تقود إلى اتفاق، وآخر أيديولوجي يتمسك بأهمية إملاء الحركة شروطها ويعتبر التنازل خضوعا لسلطة العسكريين.

كمال الجزولي: المكون العسكري ليست لديه إرادة للوصول إلى اتفاق
وقال المصدر المطلع عن قرب على طبيعة المباحثات إن وفد الحكومة “يعاني انقساماً أيضاً بين موقف المكون المدني الذي تجاوب مع كثير من مطالب الحركة في حين أن المكون العسكري بدا غير متجاوب مع أكثر من ملف، بينها علمانية الدولة ويصر على أن يكون الارتكان إلى مبدأ فصل علاقة الدين بالدولة دون التزام بتنفيذ خطوات مباشرة تؤكد على العلمانية”.
ومن نتائج هذا الخلاف مغادرة ممثل الحكومة الانتقالية في الوفد المفاوض والمتحدث الرسمي باسم الوفد خالد عمر جوبا قبل بدء الجولة الأخيرة التي جرت صباح الثلاثاء وانتهت بتأجيل التفاوض، ما بعث برسالة مفادها أن السلطة بحاجة أولاً إلى اتفاق داخلي بين مكوناتها في الخرطوم قبل العودة إلى أي مفاوضات لاحقا.
وأكد الخبير القانوني في شؤون النزاعات بالسودان كمال الجزولي أن الحركة الشعبية تواجه أزمة تاريخية ترتبط بقوى الشمال عموماً، إذ تتفق في ما بينها على الأساسيات قبل أن تغرق في خلافات كبيرة حول الأفرع، وما حدث في جوبا جرى في مؤتمر أسمرة عام 1996 والذي ناقش نفس القضايا التي كانت محل اتفاق بين القوى الشمالية للحركة قبل أن تتفكك ويحدث انقسام داخلها.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن المكون العسكري داخل السلطة الانتقالية ليست لديه إرادة سياسية للوصول إلى اتفاق مع الحركة الشعبية، لأنه يعلم أن طبيعة العلاقة مع الحركة ستكون مختلفة عن العلاقة مع الجبهة الثورية التي تضم حركات مسلحة عدة، وأن حركة الحلو لديها مواقف لن تتراجع عنها مهما كان التقارب مع العسكريين، ومواقفها تتقارب مع قوى سياسية شمالية أبرزها الحزب الشيوعي.
وأفرز الوضع الراهن تقاربا جديدا بين الحركة الشعبية جناح مالك عقار مع تيار الحلو الذي انفصلت عنه من حيث الموقف من الثورة ومبادئها الأساسية، وهو الأمر الذي تخشاه السلطة الانتقالية بالتحديد المكون العسكري الذي يعتقد أن دخول الحلو دائرة السلطة سيعقد المشهد السياسي على نحو أكبر، لأن عبدالواحد نور رئيس حركة جيش تحرير السودان سيكون على بعد خطوات من السلام في تلك الحالة.
ويشير مراقبون إلى أن المكون المدني في السلطة الانتقالية قد يكون أكثر قرباً من الحلو حال جرى التوافق حول استكمال المفاوضات وسينحاز إلى التيار الأصيل في الثورة، وستصبح رؤيته مختلفة عن العسكريين، ما يجعل الوصول إلى اتفاق بحاجة إلى معجزة تفكك التركيبات السياسية المتناحرة.
ولدى هؤلاء قناعة بأن وساطة جنوب السودان التي تمكنت من إتمام اتفاق جوبا لن تكون قادرة على تكرار الأمر مع حركة الحلو، وأن رغبته في نجاح المفاوضات بكافة السبل ليست كافية، والأمر بحاجة إلى استعدادات خاصة وحنكة في المباحثات وقوة سياسية غير متوافرة حتى الآن.
وأوضح الجزولي الذي شارك في ورشة العمل التي عقدتها وساطة جنوب السودان بشأن علمانية الدولة قبل انطلاق المفاوضات، أن محاولة تصدير الخلاف حول العلمانية أمر يشوبه الكثير من الصواب لأن الحكومة والحركة الشعبية توصلتا إلى اتفاق بشأن استبعاد العلمانية واستبدالها بفصل الدين عن الدولة، لكن المكون العسكري الذي وافق في البداية تراجع ورفض، ما يشي بأنه في حال قدّم الحلو تنازلات جديدة بشأن العلمانية قد لا تكون محل توافق من جانب العسكريين.
ويرى مراقبون أن الانقسامات داخل الطرفين كانت سبب غموض ماهية البنود غير المتوافق عليها في المباحثات، بل إنهما حاولا التأكيد على أن هناك تقدما ملموسا من دون الإفصاح عن تفاصيل البنود المتوافق عليها.
وحاول عضو مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن شمس الدين كباشي رئيس الوفد الحكومي التقليل مع وقع الخلافات بتأكيده أن “جلسات التفاوض سادتها روح إيجابية وإرادة حقيقية”.
مراقبون: وساطة جنوب السودان التي تمكنت من إتمام اتفاق جوبا لن تكون قادرة على تكرار الأمر مع حركة الحلو
وأعادت دوائر سياسية سودانية مسؤولية الفشل إلى طبيعة الصراعات المستمرة بين الطرفين منذ 65 عاماً، مع أنهما اتفقا على مسودة الاتفاق الإطاري بنسبة 75 إلى 80 في المئة، ولم يتبق سوى القليل الذي يحتاج إلى المزيد من التشاور خارج قاعة التفاوض.
وأفسحت وساطة جنوب السودان للطرفين فرصة لإنهاء التباينات بينهما ومددت فترة جلسات التفاوض التي بدأت في 26 مايو لمدة أسبوع بعد أن كان مقرراً لها أن تنتهي في الثامن من يونيو الجاري، ثم مددتها أسبوعا ثانيا، وبعدها جرى إعلان التأجيل.
ولم يتوصل الطرفان إلى اتفاقات بشأن “الإرادة الحرة أو الوحدة الطوعية” التي تطالب بها الحركة الشعبية ضمن خطواتها نحو استخدام حق تقرير المصير، إذا لم تلتزم الحكومة بالعلمانية، ولا تريد الحكومة أي حديث عن المشورة الشعبية لأنها ترتبط باستفتاء شعب جبال النوبة والفونج لتحديد مستقبلهم السياسي والإداري خوفا من تكرار تجربة جنوب السودان في الانفصال.
ومن المتوقع أن تضاعف بعض القوى الدولية ضغوطها على الطرفين للجلوس مجدداً على طاولة المفاوضات، غير أن ذلك سيحتاج إلى فترة من الوقت لإعادة ترتيب كل طرف أوراقه، بما فيها بعثة الأمم المتحدة التي وقعت في أخطاء قبل بدء التفاوض تمثلت في رفضها حضور ممثلي المنظمات المدنية في المنطقتين (النيل الأزرق وجنوب كردفان) بحجة وجود خلفيات سياسية لهم، في حين أن ذلك يسهم في أن تكون رؤى أصحاب المصلحة والمهمشين حاضرة في المباحثات.