الانفصال الجسدي بين الزوجين تجنبا للطلاق لا يحمي الأسرة من الانهيار

يؤكد مستشارو العلاقات الأسرية أن الاستمرار في علاقة فاشلة وميؤوس من إصلاحها تجنبا للطلاق لا يكون دائما خيارا مناسبا، مشيرين إلى أن تأثير تلك العلاقة على الأبناء أشد وقعا من الطلاق. ويعمد بعض الأزواج إلى الانفصال الجسدي عوضا عن الطلاق الرسمي حفاظا على قوام العلاقة الأسرية من الانهيار، وأيضا استجابة لضغوط عائلية.
القاهرة - أحدثت فتوى صدرت عن دار الإفتاء في مصر أخيرا بشأن تحريم الانفصال الجسدي بين الزوجين، طالما لم يكن ذلك باتفاق رضائي بين الطرفين، جدلا أسريا واسعا بعد أن ألمحت إلى عدم مشروعية امتناع أحد الزوجين عن الآخر في علاقة الفراش، وقد يعمد بعض الأزواج إلى الانفصال الجسدي تجنبا لانهيار العلاقة بالطلاق الرسمي.
يرتبط قرار أحد الزوجين بالانفصال الجسدي بأن يتم الحفاظ على قوام العلاقة الأسرية راسخا دون انهيار، حيث يعيش الأبناء مع الأبوين في منزل واحد ويختار الزوجان الاستمرار معا في منزل الزوجية أو أن يهجر الرجل بيته دون طلاق، الأمر الذي ربطت دار الإفتاء مشروعيته بشرط اتفاق الطرفين على ذلك.
وقال عمر الورداني أمين عام دار الإفتاء بمصر ردا على تساؤل طرحه أحد الأزواج حول مدى مشروعية أن يعيش بعيدا عن زوجته لتجنب الطلاق، حيث ينفصلان جسديا، إن هذا الأمر جائز وليس حراما بشرط أن يكون الطرفان متفقين على ذلك، أما إذا كان أحدهما يرغب في حقوقه الزوجية والآخر يرفض فهذا حرام.
وأضاف أن هذا النوع من العلاقات الزوجية له آثار سلبية كبيرة على الأطفال أكثر مما لو وقع الطلاق، لأن الأبناء يشاهدون عن قرب تلك العلاقة المشوّهة وسوف تقع عليهم أضرار أسوأ وأشد وطأة من الانفصال الرسمي ويشبون على هذا الفهم، وقد يسلكون نفس المسار عند الكبر عندما يتزوجون.
الانفصال الجسدي صار أشبه بظاهرة أسرية في مصر بسبب ضغوط عائلية أو قرارات شخصية نابعة من أحد الزوجين
صار الانفصال الجسدي أشبه بظاهرة أسرية في المجتمع المصري بسبب ضغوط عائلية أو قرارات شخصية نابعة عن أحد الزوجين أو كلاهما في ظل الخوف من تبعات الطلاق، وما ينجم عنه من تشريد للأبناء، لكن المشكلة في تداعياته على الصغار، إذ يدفعون ثمن العلاقة الفاشلة التي غالبا لا تكون صالحة للترميم مرة أخرى.
اختارت سميرة محمد، وهي زوجة مصرية في العقد الخامس من العمر، أن تعيش حالة الانفصال الجسدي مع زوجها بعد أن علمت بزواجه من امرأة أخرى دون علمها، وعندما واجهته بالحقيقة اعترف بما فعل، كانت تخشى أن تحمل لقب مطلقة وهي في سن متقدمة، فنظرات الناس لا ترحم الفتاة الصغيرة عند تطليقها، فما بالك بالكبيرة.
وأكدت الزوجة لـ”العرب” أنها لم تتخيل أن تنام إلى جوار زوجها في فراش واحد بعد أن خدعها فترة طويلة بالزواج من أخرى دون علمها، قائلة “لدّي فتيات (بناتها) قاربن على الزواج وأخريات تزوجن ولا أريد أن أشوه صورة أسرتي أمام من سيأتي لخطبة إحدى بناتي أو أزواج الأخريات، لذلك فضّلت الانفصال الجسدي عن الطلاق”.
وأقرت الزوجة بأن “حياتها تعيسة، فهي لا متزوجة ولا مطلقة، بل معلقة، وهذا حال كل المتزوجات اللاتي فضلن الانفصال الجسدي، وتكون المرارة أكبر عندما يأتي ذلك في سن متقدمة بالنسبة إلى المرأة، فالرجل يحق له الزواج من ثانية وثالثة، ولا يعيبه شيء، أما المرأة في المجتمع الشرقي فتتم مطاردتها وطعنها في شرفها طوال الوقت، لذلك آثرت السلامة”.
تعكس هذه الواقعة أن أغلب النساء اللاتي يقررن الانفصال الجسدي دون طلاق يسلكن هذا المسار خشية النظرة المجتمعية السلبية لا أكثر، لأنهن يعشن حياة المطلقات باستثناء علاقة فراش، فالرجال في حياتهن بلا قيمة ولا أهمية، لكن المهم ألا يُقال في المحيط الأسري للمرأة إنها أصبحت مطلقة أو فاشلة في زواجها، فتقرر الصمت على بؤس حياتها الزوجية.
وكانت دار الإفتاء قد أقرت في فتوى سابقة بأحقية الزوجة في أن تمتنع عن معاشرة زوجها إذا كانت غير مستعدة لذلك نفسيا وجسديا ولا يجوز إقامة العلاقة معها عنوة باعتبار أنّ الحياة الزوجية قائمة على المودة والتراحم، والأصل في العلاقة هو القبول المشترك لا البغض والإكراه، وهي الفتوى التي أنقذت الكثير من النساء من الاغتصاب الزوجي عندما يخترن الانفصال الجسدي بديلا أكثر أمانا عن الطلاق الرسمي.
ويرى مؤيدون للانفصال الجسدي أنه قد يعكس تحضر الزوج والزوجة وإصرارهما على التمسك بالعيش مع أولادهما بعيدا عن التصارع والقهر والإذلال في ساحات المحاكم، وهذا يُحسب للطرفين، ويبرهن على وعي الرجل تحديدا بكونه لم يتشدد في حقوقه المرتبطة بالعلاقة الحميمية، خاصة وأن شريحة كبيرة من الناس تتعامل مع المرأة الممتنعة عن زوجها بأنها متمردة وعاصية ويجوز اغتصابها، وأن الرجل وحده من يحدد توقيت وكيفية المعاشرة.
ويشير متخصصون في العلاقات الاجتماعية إلى أن الانفصال الجسدي مخاطرة يدفع ثمنها الزوجان والأبناء، لأنه مهما بلغت تضحية الشريكين اللذين يعيشان معا بشكل صوري لأجل أولادهما أو خشية النظرة المجتمعية السيئة، فمن المستحيل أن تؤسس هذه العلاقة لتربية سوية، فالشريك الذي يعيش حياة تعيسة يصعب عليه أن يوفر الحب والعاطفة والاحتواء للابن أو الابنة لأنه شخصيا يفتقد الحد الأدنى من المشاعر الإيجابية.
ويؤكد هؤلاء أن تجنب الطلاق قد يكون خطوة إيجابية لعدم هدم كيان الأسرة لاسيما إذا كان قد مرّ على العلاقة الزوجية سنوات طويلة، لكن الاستمرار في علاقة فاشلة وميؤوس من إصلاحها لا يكون دائما خيارا مناسبا، حيث تتحول حياة الأسرة إلى سجن يخيم عليه الكبت وانعدام العاطفة والجمود والنفور، لأن أهم عنصرين، وهما الأب والأم، يعيشان طلاقا صامتا وخرسا زوجيا.
وقال محمد هاني استشاري العلاقات الأسرية بالقاهرة إن الأزواج الذين يختارون الانفصال الزوجي أو الطلاق الصامت لا يدركون انعكاس ذلك على الأبناء ولو كانوا صغارا، لأن الطفل يستطيع بسهولة تمييز ما يدور من حوله بين أبويه مهما حاولا إخفاء البغض والكراهية وتظاهرا بالمشاعر الطيبة لإحساس الأبناء بالمودة بينهما.
وأضاف لـ”العرب” أن الطلاق الصامت داخل بعض الأسر يصطحب معه ضغوطات عائلية أحيانا لتجنب حدوث الانفصال الرسمي، ما يعني أن هذا المسار تم فرضه عليهما، لا أنه جاء باختيارهما وحدهما، لذلك يعيشان غرباء داخل منزل واحد حفاظا على الأبناء لا أكثر، بحيث لا يتم تربيتهم بعيدا عن أب يتولى الإنفاق ويكون السند، وهذا خطأ تربوي.
ولا يكون تجنب الزوجين لحدوث الطلاق بسبب الأبناء قرارا سليما دائما لأن الآباء غير السعداء لا يملكون أدوات تربية أطفال سعداء، ففاقد الشيء لا يعطيه، لكن قد يكون ذلك مقدمة لترميم العلاقة مستقبلا بأي طريقة كانت، فربما يحدث التوافق، أو لا يحدث، لكن ما لم يتحقق ذلك يكون الطلاق الخيار الأفضل بطريقة متحضرة.