الانتخابات التكميلية توجّه رسالة جديدة عن قوة المعارضة الكويتية

الكويت – تلقّت الحكومة الكويتية إشارة جديدة بشأن مدى قوّة المعارضة وصعوبة المعركة ضدّها، وذلك عندما حقّق مرشّح معارض للانتخابات التكميلية التي أجريت السبت لسدّ الشغور الجزئي في مجلس الأمّة (البرلمان) والناتج عن إبطال المحكمة الدستورية لعضوية نائب معارض آخر، فوزا ساحقا على جميع منافسيه من مستقلّين وموالين للسلطة.
وحاز المعارض عبيد الوسمي على حوالي ثلاثة وتسعين في المئة من الأصوات الانتخابية، بينما تقاسم منافسوه الـ14، السبعة في المئة المتبقية.
ورأت جهات سياسية كويتية أنّ نتيجة الانتخابات التكميلية ترتقي إلى مرتبة إنذار للحكومة بشأن صعوبة المواجهة المتواصلة منذ الانتخابات التي جرت في ديسمبر الماضي ضدّ المعارضة والتي تلخّصها المشاحنات الشديدة تحت قبّة البرلمان وأفضت أخيرا إلى تعطيل عقد جلساته بسبب إصرار النواب المعارضين على استجواب رئيس مجلس الوزراء الشيخ صباح الخالد رغم أنّه يتحصّن بقرار برلماني ينص على تأجيل الاستجوابات البرلمانية الموجّهة إليه إلى دور الانعقاد القادم للمجلس.
وقام النواب المعارضون في جلسة سابقة بالجلوس في المقاعد المخصصة للوزراء، وتوعّدوا بتصعيد احتجاجاتهم واعتماد أساليب أخرى حتى يستجيب رئيس الحكومة ويصعد إلى منصّة الاستجواب.
واضطّر رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم، الأحد، إلى رفع جلسة برلمانية خاصة كانت مقرّرة في ظل تعذّر عقد الجلسات العادية، وذلك لعدم اكتمال النصاب بسبب غياب أعضاء الحكومة (وهم أيضا نواب في مجلس الأمّة).
ويعني فوز الوسمي أن يظلّ عدد مقاعد المعارضة في البرلمان الكويتي على حاله رغم أنّ المحكمة الدستورية قامت في وقت سابق بإسقاط عضوية النائب السلفي بدر الداهوم استنادا إلى مطعن في ترشّحه يتمثّل في أنّه مُدان بحكم قضائي سابق في قضية إساءة لأمير البلاد.
وكان الداهوم قد برز بشكل لافت، ومنذ اليوم الأول لدخوله البرلمان، كـ”نجم” كبير للمعارضة البرلمانية حيث شارك في مختلف الفعاليات المضادّة للسلطة بدءا من محاولة منع إسناد رئاسة المجلس إلى الغانم المحسوب ضمن معسكر الموالاة ومرورا بالاعتراض الشديد على تشكيلة الحكومة وغالبية قراراتها.
وقال الوسمي، الذي يعتبر نفسه مجرّد معوّض مؤقّت للداهوم في البرلمان، معلّقا على فوزه في الانتخابات التكميلية “نجح استفتاء الكويت الكبير من الدائرة الكبيرة (الدائرة الانتخابية الخامسة التي تضمّ أكبر عدد من الناخبين) وأهلها الكبار الذين سجلوا باسم الشعب كاملا موقفا سيبقى محفورا في ذاكرة الكويت والكويتيين”. وأضاف في تغريدة على تويتر “آمل أن تُقرأ رسالتهم وتُفهم جيدا وأن يُعمل بها”.
أمّا الداهوم الذي شارك في الدعاية الانتخابية للوسمي فقد بدا واثقا من تحقيقه فوزا ساحقا اعتبره رسالة من الشعب إلى السلطة كي “تتعلّم منها”.
وبحسب متابعين للشأن الكويتي، فإن الانتخابات التكميلية جاءت لتنزع سلاحا مهمّا من يد السلطة لطالما لجأت إليه بشكل متكرّر كلّما اشتدّ الاشتباك بين السلطتين التشريعية والتنفيذية واستحال التعايش بينهما، ويتمثّل في استخدام أمير البلاد سلطاته لإبطال البرلمان والدعوة لانتخابات جديدة. وما دامت المعارضة، وفق ما أظهره اقتراع السبت الماضي، قادرة على اكتساح النتائج وربما الحصول على المزيد من مقاعد مجلس الأمّة يصبح حلّ المجلس عديم الجدوى.
ولهذا السبب ترى جهات كويتية أنّ الحلّ الوحيد للحدّ من الاشتباكات اللامتناهية بين السلطتين قد يكون في تعديل دستوري يحدّ من فائض السلطة التي يتمتّع بها النواب وتخوّل
لهم رقابة واسعة النطاق على عمل الحكومة كثيرا ما تُستخدم في غير محلّها ولمجرّد المساومة على مصالح ضيّقة ولتصفية حسابات شخصية وقَبلية وحزبية.

وقد مثّل التجاذب الحاد بين الحكومة والمعارضة انشغالا على أعلى مستوى في البلاد، حيث دعا الأمير الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح مؤخّرا إلى الابتعاد “عن أجواء الاحتقان والتوتر وعن كل ما يدعو إلى التفرقة التي تؤدي إلى بطء عجلة التنمية في البلاد”، معتبرا “التعاون بين سلطات ومؤسسات الدولة هو الأساس لأي عمل وطني ناجح، والأسلوب الأمثل نحو الإنجاز تحقيقا للتطلعات التنموية” التي ينشدها الكويتيون.
ومعروف عن الوسمي الذي سبق له الفوز بعضوية البرلمان في انتخابات سنة 2012 تبنّيه وترويجه لأفكار معارضة تدعو إلى “إصلاحات” راديكالية، لا تستثني تغيير طبيعة النظام.
وقد عبّر عن جانب من تلك الأفكار في وثيقة مشتركة مع القيادي في جماعة الإخوان المسلمين عبدالله النفيسي نشرت في ديسمبر الماضي تحت مسمى وثيقة الكويت والتي تضمّنت نقدا لاذعا لتجربة الحكم في الكويت واتهامات لها بنشر الفساد وحرف الدستور عن نصوصه ومقاصده، وذلك توطئة لتقديم مقترحات شملت إحداث تغييرات في النظام ذاته، حيث نصّت الوثيقة على تشكيل حكومة إنقاذ وطني ذات صلاحيات واسعة، تعمل وفق جدول زمني محدد على إيجاد البدائل لهيكلة مؤسسات الدولة، مؤكّدة على ضرورة “التوافق الوطني على نظام انتخابي انتقالي يعكس التمثيل الشعبي الحقيقي وسلامة العملية، ومنع التأثير أو التدخل في خيارات الشعب”.
كما دعا معدّا الوثيقة إلى “إعادة تشكيل السلطة القضائية ومؤسساتها العاملة وأجهزتها”.