الاعتقالات تضع القضاء الجزائري في ورطة مع الحراك

الأمن الجزائري يعتقل الفنان عبدالحميد أمين على خلفية مشاركته اللافتة في الاحتجاجات عبر رسومات تضمنت رسائل الشارع الجزائري للسلطة الحاكمة.
السبت 2019/11/30
دعوات لفتح تحقيق في التوقيفات التعسفية

الجزائر - أخذت الاعتقالات التي طالت العشرات من المعارضين وناشطي الحراك الشعبي في الجزائر، أبعادا سياسية وحقوقية تجاوزت حدود البلاد، بعدما ركّز نواب في البرلمان الأوروبي على وضعية حقوق الإنسان في الجزائر، الأمر الذي يضع السلطة عموما والجهاز القضائي تحديدا في ورطة حقيقية.

وانضم الفنان والرسام عبدالحميد أمين “نيم” إلى لائحة الموقوفين من طرف مصالح الأمن، التي اعتقلته في مدينة وهران وصادرت وسائل عمله، وذلك على خلفية مشاركته اللافتة في الاحتجاجات عبر رسومات تضمنت رسائل الشارع الجزائري للسلطة الحاكمة.

وجاء اعتقال الفنان المذكور في خضم لغط كبير يسود المشهد الجزائري حول تفاقم حملات الاعتقالات والمحاكمات المرتبكة، لاسيما بعد تركيز بيان البرلمان الأوروبي على وضعية حقوق الإنسان في البلاد، تتويجا لجلسة النقاش التي خصصها للوضع السياسي في الجزائر.

ووجد القضاء الجزائر نفسه في ورطة حقيقية، بسبب الانتقادات الحقوقية الموجهة له، بعد إفراطه في إحالة الموقوفين على السجن المؤقت، وإصدار أحكام وصفت بـ”القاسية” و”المتضاربة”، رغم أنها تتصل بتهم واحدة أو متشابهة، مما يرجح فرضية خضوعه لتوجيهات السلطة التنفيذية.

واستغرب محامون وحقوقيون في الجزائر، الأحكام الصادرة في حق بعض الموقوفين، ففيما قررت محكمة باب الواد بالعاصمة البراءة لخمسة من الماثلين أمامها، أصدرت محكمة سيدي امحمد بالعاصمة أيضا أحكاما بالسجن على ناشطين، مع أن التهم هي نفسها في المحكمتين وهي تهديد الوحدة الوطنية.

وكان رئيس نقابة القضاة يسعد مبروك، قد صرح خلال الإضراب الذي شنه القطاع خلال الأسابيع الماضية، بأن “القضاة لم يتلقوا أي أوامر من أي جهة كانت لإصدار أحكام معينة”، لكن الإفراط في الإحالة على السجن المؤقت وتفاوت الأحكام من محكمة لأخرى، بات يثير انتقادات الحقوقيين والمحامين والمنظمات الدولية، مما يضع الجهاز الواقع بين مطرقة السلطة التنفيذية وسندان احترام القوانين ودعوات استقلالية العدالة في مأزق شديد.

وفيما يبقى مصير الناشط السياسي المعارض أمير بوخرص “أمير دي زاد”، المعتقل في فرنسا، مجهولا، يكون انتقال فريق من الضباط إلى باريس للنظر مع السلطات الفرنسية في أمره، دليلا على أن وتيرة الملاحقات تعدت حدود البلاد، رغم تشديد ناشطين مغتربين على التعبئة من أجل الضغط على الحكومة الفرنسية، بغية منع تسليمه للسلطات الفرنسية، في ظل الأوضاع السائدة في البلاد والانتهاكات المتصاعدة لحقوق الإنسان.

وحذرت دوائر حقوقية، من مغبة الاستمرار في التوقيفات التعسفية والتضييق على الحريات والمظاهرات السلمية، لاسيما بعد تردد أخبار عن تعرض البعض منهم للتعنيف والاعتداءات الجسدية داخل مراكز الاعتقال.

ودعا القيادي في الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان سعيد صالحي، السلطات لفتح تحقيق حول ما يثار عن “سوء المعاملة والعنف الممارس ضد نشطاء الحراك أثناء اعتقالهم وتواجدهم تحت الحجز بالمباني الأمنية”.

Thumbnail

ولفت المحامي والناشط الحقوقي المذكور، إلى كل من إبراهيم لعلامي بولاية برج بوعريريج، ورجدال يونس في مدينة وهران، وإلى ضرورة فتح تحقيق عاجل من طرف النيابة العامة لكشف الحقائق.

وذهب المحامي والناشط الحقوقي عبدالغني بادي، في نفس الاتجاه، عندما دعا “النيابة العامة لفتح تحقيق نزيه وبإشراك هيئات حقوقية وطنية مستقلة، لتقصي حقيقة أي ممارسة قاسية تعرض لها الناشط إبراهيم لعلامي المتواجد رهن الحبس المؤقت”

وتذكر تنسيقية سجناء الرأي، أن أكثر من 200 معارض وناشط سياسي من مختلف الفئات الاجتماعية، متواجدين رهن السجن المؤقت، وهناك من صدرت في حقهم عقوبات قاسية تصل إلى عامين سجنا نافذا.

ويتواجد ضمن هؤلاء نقابيون وصحافيون ومدوّنون، وشخصيات سياسية ومستقلة، على غرار ضابط جيش التحرير لخضر بورقعة البالغ 86 عاما، وفضيل بومالة، سمير بلعربي، الآنسة مسوسي، وكريم طابو.. وغيرهم. ولم تتم محاكتهم إلى حد الآن.

وذكر المحامي عبدالغني بادي، أنه “أخبر بتعرّض الناشط إبراهيم لعلامي، لكسر في أصابع يده اليسرى، ويرجح أن يكون ذلك قد حدث أثناء توقيفه وتواجده لدى مصالح الضبطية القضائية، كما أنه يواجه صعوبة في السير”.

وأضاف، “بالفعل هناك سوء معاملة وتجاوزات حصلت حسب المعلومات المتوفرة، لكن ليس بالدرجة التي يتم تصويرها على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث نفى محامي إبراهيم لعلامي أن يكون قد تعرّض لقطع أصابعه أو كسر رجليه وتعريته، ولهذا لا بد من فتح تحقيق لتحديد الملابسات وكشف حقيقة ما تعرض له إبراهيم لعلامي”.

وفي المقابل، علق رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان المقرب من السلطة بوزيد لزهاري، على ما سمّاه البرلمان الأوربي “انتهاكات حقوق الإنسان”، بالقول، “على البرلمان الأوروبي تقديم أدلة وأرقام على مزاعم الاعتقالات العشوائية، وإن مصادقة الهيئة على قرار يدين انتهاكات حقوق الإنسان في الجزائر يثير الاستغراب ويفضح سياسة الكيل بمكيالين”.

4