الاعتراف الأميركي بمغربية الصحراء يربك حسابات مدريد

الرباط – مازالت تداعيات الاعتراف الأميركي بالصحراء المغربية مستمرة على كافة المستويات الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية والعسكرية، ما يمثل تحولا مهمّا على مستوى التوازنات الجيوسياسية بمنطقة البحر المتوسط وجنوب الصحراء، فضلا عن علاقات المغرب مع القوى الإقليمية ومنها الجارة الشمالية إسبانيا التي يبدو أنها لا تؤيد الإعلان الرئاسي الأميركي.
وقالت وزيرة الخارجية الإسبانية أرانتشا غونزاليس لايا إن بلادها تجري اتصالات مع الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن، من أجل التراجع عن قرار اعتراف الولايات المتحدة بالصحراء المغربية، الذي اتخذه الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب.
وبخصوص محاولة الحكومة الإسبانية التأثير على الإدارة الأميركية الجديدة من أجل التراجع عن قرار اعتراف الولايات المتحدة بالصحراء، يعتقد هشام معتضد الأكاديمي والمحلل السياسي أنه “سيبقى جد محدود ومستبعد المنال خاصة وأن نوعية هذه الاتفاقيات مرتبطة بتوجهات سيادية وذات أبعاد استراتيجية في علاقة بالأمن القومي المشترك بين المغرب، الولايات المتحدة والدول الحليفة”.
وأوضح الأكاديمي المغربي في تصريح لـ”العرب”، أنه إذا كان نظريا، من الناحية القانونية والسياسية والإدارية، إمكانية التراجع عن هذا القرار من طرف الإدارة الأميركية الجديدة، فواقعيا هذا التغيير جد مستبعد لأنه رهين توجه استراتيجي دولي بقيادة الولايات المتحدة وليس حبيس قرارات ظرفية أو توجهات أيديولوجية مرتبطة بنخبة سياسية أو ظرفية دبلوماسية عابرة.
ويبدو أن المسؤولة الإسبانية ليست مطمئنة إلى إمكانية نقض بايدن للإعلان الرئاسي الذي أعلنه ترامب، وحتى توازن موقف بلادها نفت غونزاليس وجود توتر في العلاقات الدبلوماسية بين بلادها والمملكة المغربية، عقب تأجيل الاجتماع الثنائي بين البلدين، الذي كان مقررا إقامته الشهر الجاري بالرباط.
وكرد فعل على تهميش واشنطن لمدريد بعدم اطلاعها على خطوة الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء، أكدت وزيرة الخارجية أرانتشا غونزاليس لايا في تصريحات لإذاعة أوندا سيرو أن “حل نزاع الصحراء المغربية لا يرتبط بدولة واحدة مهما كان وزن قوة هذا البلد، وإنما بمساعي الأمم المتحدة”.
وتعمل إسبانيا على جميع القنوات الرسمية والعميقة لأجل تمتين علاقتها بالرباط بأبعاد استراتيجية، حيث تم تأجيل اجتماع اللجنة العليا المشتركة للبلدين، والذي كان مقررا في 17 ديسمبر الحالي، حتى تتم إعادة ترتيب أوراق المباحثات وضبط إيقاع الحكومة الإسبانية بعد تصريحات النائب الثاني لرئيس الحكومة، بابلو إغليسياس، التي جدد فيها دعمه لأطروحة جبهة البوليساريو.
ويعتقد معتضد أن “اعتراف الولايات المتحدة بمغربية الصحراء أربك الحسابات السياسية والدبلوماسية لإسبانيا في تقييم علاقاتها مع المغرب، خاصة في خضم استعدادها للمشاركة في القمة المشتركة مع المغرب بالرباط التي تم تأجيلها مباشرة بعد إعلان الإدارة الأميركية اعترافها بمغربية الصحراء”، موضحا أن “هذا التأجيل يترجم المكانة الاستراتيجية والمحورية لملف الصحراء لدى مدريد في بناء علاقتها السياسية وتدبير حوارها الدبلوماسي مع الرباط”.
وبحكم تاريخها المكثف مع المغرب لكونها كانت قوة استعمارية في منطقة الصحراء، لم تستوعب إسبانيا هذا المتغير الجوهري في تعاطي الولايات المتحدة مع ملف الصحراء، ولهذا حاولت وزيرة الخارجية الإسبانية إفراغ الموقف الأميركي من محتواه وربطه بقضية فلسطين، موضحة أن “الملف الفلسطيني – الإسرائيلي وملف الصحراء الغربية بين أيدي الأمم المتحدة يحتاجان إلى إجماع دولي حتى يكون الحل مستقرا ومقبولا من جميع الأطراف”.
ويشكل الاعتراف الأميركي تحديا للدبلوماسية الإسبانية لأنه يضعها في موقف صعب أمام الرباط، إذ يقول خبراء في العلاقات الدولية إن التغييرات المتتالية بالمنطقة تدفع سياسة مدريد إلى المحافظة على علاقاتها مع الرباط في الجانبين الاقتصادي والأمني، ويؤكد هؤلاء أن إسبانيا لا يمكنها الاصطدام مع الموقف الأميركي وفي نفس الوقت ليس من مصلحتها إغضاب المغرب كونه الشريك الاقتصادي والأمني في بيئة مفتوحة على التهديدات الأمنية العابرة للحدود والهجرة غير النظامية.
ونظرا لارتباط قضية الأمن بالحدود البحرية بين المغرب وإسبانيا، تتخوف الأوساط العسكرية والسياسية الإسبانية من وضع المغرب رهن إشارة الولايات المتحدة قاعدة عسكرية بالقصر الصغير على المحيط الأطلسي لتعوض القاعدة الأميركية الموجودة في منطقة “روتا” بإسبانيا قبل انتهاء الاتفاقية الإسبانية الأميركية في العام المقبل والمبرمة في عام 1988.
إسبانيا تعي أهمية المغرب كطريق تجاري بين القارتين الأوروبية والأفريقية وأن الشراكة بين البلدين لا تعكس قوة الروابط السياسية فحسب، بل تعكس أيضا دورهما الرئيسي في العمل كحلقة وصل قيمة بين أفريقيا والاتحاد الأوروبي عبر الصحراء
ومن الناحية الأمنية، تتخوف إسبانيا من الصفقات العسكرية والأمنية التي أبرمها المغرب مع الإدارة الأميركية تزامنا مع هذا الاعتراف والذي ستكون له تداعيات على محور توازن القوى في المنطقة، خاصة وأن قيمة وخاصية الاتفاقيات العسكرية الأخيرة مع الولايات المتحدة ستمكنان الرباط من الحصول على أنواع جديدة وجدّ متطورة من الأسلحة العسكرية التي كانت دائما مدريد تتخوف من حصول المغرب على موافقة المؤسسات الأميركية عليها.
ولهذه الأسباب لفت هشام معتضد إلى المكسب الكبير للمغرب على مستوى الصفقات العسكرية، فالبناء المرتقب للقاعدة العسكرية الأميركية في الصحراء المغربية سيفرض أمرا واقعيا مغايرا في المنطقة بخصوص معايير موازين القوى العسكرية، وهو ما دفع الحكومة الإسبانية لربط اتصالاتها مع المسؤولين الأميركيين مباشرة بعد هذا الإعلان.
وتعي إسبانيا أهمية المغرب كطريق تجاري بين القارتين الأوروبية والأفريقية وأن الشراكة بين البلدين لا تعكس قوة الروابط السياسية فحسب، بل تعكس أيضا دورهما الرئيسي في العمل كحلقة وصل قيمة بين أفريقيا والاتحاد الأوروبي عبر الصحراء، لهذا يعتقد متابعون للشأن الإسباني أن المغرب يسعى إلى توظيف هذه المتغيرات من أجل اعتراف واضح من مدريد بمغربية الصحراء.