الاشتباك السياسي في إسرائيل هل يؤدي إلى الانزلاق نحو حرب أهلية

إسرائيل تعيش مخاضا سياسيا وأمنيا صعبا نتيجة التصدع بين الأحزاب، ففريق ذاهب باتجاه وقف الحرب وآخر مع استمرار الحرب والقضاء على حماس والجهاد وغيرهما من الفصائل الفلسطينية.
الأربعاء 2025/04/30
لا وقت للرهائن.. المطلوب القضاء على حماس

الانقسامات داخل المجتمع الإسرائيلي، والتوترات بين الفئات المختلفة، ليست مجرد أزمات عابرة، بل إشارات واضحة إلى أنّ النهاية قد تكون أقرب ممّا يتصور الكثيرون. فإسرائيل التي طالما اعتمدت على تماسكها الداخلي، ليست كالأمس، “تَحْسَبُهُمْ جَمِيعا وَقُلُوبُهُم شتى”.

إسرائيل تعيش مخاضا سياسيا وأمنيا صعبا نتيجة التصدع بين الأحزاب؛ ففريق ذاهب باتجاه وقف الحرب، وآخر مع استمرار الحرب والقضاء على حماس وغيرها من الفصائل الفلسطينية، وأحزاب تنادي بضرورة إبرام صفقة وتحرير الرهائن. أما التكتلات الحزبية في إسرائيل، وخصوصا الصهيونية الدينية، فلا تعبأ بالرهائن، بل يهمها القضاء على حماس واحتلال قطاع غزة. ولا شك أن التكتلات الحزبية مجتمعة متفقة على القضاء على الإرهاب، على حد وصفهم، ولكن اختلاف الطريقة هو سبب النزاع.

أما المسعى الأكثر إلحاحا فيتجه نحو رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو صاحب الأجندة السياسية الشخصية، الذي يلعب على كل الحبال، ويحاول بكل قوته التملص من السجن، وينجح كل مرة في ذلك، لكن ظلام السجن يظل يلاحقه. والداعم الحصري له هو دعم الصهيونية الدينية التي تتماهى معه ويتماهى معها.

◄ الصراع الداخلي يعدّ من أبرز مظاهر هذا الكيان؛ كونها دولة تجمعات ليهود العالم، يشكلون، فسيفساء متنافرة من الناحية الدينية، والحزبية، والعرقية، والطبقية

لسنا بصدد عرض تاريخي للصراع الأيديولوجي في إسرائيل، لكن ما يبدو أن التوجه في إسرائيل اليوم يسير نحو اليمين. وقد سطرت في مقالات سابقة عن انزياح المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين الديني المتطرف، وليس بقناعة في الفكر الديني الذي يحمله هؤلاء المتعصبون، ولكن نسبة كبيرة من اليهود غير المتدينين وجدوا ضالتهم في الحكومة اليمينية التي تدير إسرائيل اليوم. وأهم ما يقلقهم هو تفسخ الأمن، فهذا الاتجاه الوحيد الذي يجمع اليهود تحت سقف واحد، ففرض حصار على غزة والضفة وتقطيع أوصال المدن في الضفة الغربية هو السبيل نحو تحقيق الأمن.

لا يوجد تباين بين الأحزاب الإسرائيلية بمختلف أطيافها العلمانية واليسارية والدينية المتطرفة؛ جميعهم يجمعون على رفض إقامة دولة فلسطينية. فهذا التقارب في الفكر السياسي مرده إلى أن الدولة الفلسطينية، وإن أقيمت، فهي مصدر إرهاب وخوف حيث تهدد وجودهم.

فحسب المثل “الشيطان يكمن في التفاصيل”، بمعنى أن هناك أحزابا تنادي بعدم الترحيل القسري للفلسطينيين في الضفة وغزة، حيث تنظر إلى الفلسطينيين كمحرك لعجلة القدس وسوق استهلاكي للبضاعة الإسرائيلية، ناهيك عن الأيدي العاملة التي لا تكلفهم كثيرا مقارنة بالأيدي التي تجلبها حكومتهم من الهند والصين وغيرهما.

لكن اليمين الديني الصهيوني له نظرة مختلفة؛ لا يهمه الوضع الاقتصادي كثيرا، ولا تهمه عجلة الحياة اليومية والبناء والتشييد الذي يتم بأيد عاملة فلسطينية. ما يصبو إليه هو أرض التوراة، وتحقيق نبوءة أرض إسرائيل، بقضها وقضيضها، وتهويدها.

◄ التكتلات الحزبية في إسرائيل، وخصوصا الصهيونية الدينية، فلا تعبأ بالرهائن، بل يهمها القضاء على حماس واحتلال قطاع غزة

الحقيقة المرة التي يجب أن نعرفها هي أن المستوطنين لديهم الكثير من النفوذ بما يكفي لتوجيه سياسة الحكومة. غير أن السلطة في إسرائيل هي أيضا في صف صناعة التكنولوجيا المتطورة، والتي تختلف مصالحها عن مصالح المستوطنين. من وجهة نظر الرأسمالية الحديثة، فإن السياسة التي يمثلها المستوطنون لا تخدم المصالح الاقتصادية. مرة أخرى، التصدع موجود داخل القوى الحاكمة في إسرائيل التي تتجاذبها اتجاهات دينية وسياسية مختلفة. فهذه الفجوة الفكرية الدينية هي ركيزة مهمة من ركائز الخلاف الإسرائيلي – الإسرائيلي، وربما قد تكون هي شرارة الحرب الأهلية.

وتنبغي الإشارة هنا إلى أن الأحزاب الدينية اليمينية المتطرفة استغلت حالة التقلب السياسي في إسرائيل، وشكلت تحالف “الصهيونية الدينية”، الذي راهن عليه نتنياهو للوصول إلى سدة الحكم مرة أخرى، حيث اعتمد بشكل أساسي على دعم المستوطنين في الضفة والقدس. لكن هذه الانقسامات ليست فكرية فقط؛ بل لها أبعاد نفسية واجتماعية عميقة. فالعلمانيون يشعرون بالاختناق داخل نظام يفرض عليهم التزامات دينية وسياسية لا تتناسب مع رؤيتهم العلمانية. في المقابل، يعاني الحريديم من ضغوط مجتمعية للاندماج مع العلمانيين، وهو ما يعتبرونه تهديدا لهُويّتهم الدينية.

بناء على ما سبق، تزايدت حدة الصراع الداخلي في إسرائيل، صاحب ذلك ارتفاع مستوى العنصرية الإسرائيلية. وتواجه إسرائيل مجموعة من التحديات الداخلية لا تقل خطورة عن التحديات الخارجية. ويعدّ الصراع الداخلي من أبرز مظاهر هذا الكيان؛ كونها دولة تجمعات ليهود العالم، يشكلون، فسيفساء متنافرة من الناحية الدينية، والحزبية، والعرقية، والطبقية. وترتبط الهجرة الداخلية بالتوترات السياسية المتفاقمة، التي تغذيها الحروب الأيديولوجية بين الأحزاب والنخب المختلفة. ويبرز الكاتب تصريحات مثيرة للجدل، نسوق ما صرّح به يانون مغال الذي وصف “التيار الجمهوري” بأنه عنصر دخيل يجب مغادرته البلاد، وهو ما يعكس الصراع العميق بين التيارات العلمانية والدينية في إسرائيل.

9