الاتحاد العام التونسي للشغل يقع في فخ الازدواجية: تصعيد مع الحكومة وحوار مع "الأعراف"

تونس - تنتقد أوساط سياسية ومدنية في تونس الخطاب المزدوج للاتحاد العام التونسي للشغل، حيث ينحو باتجاه التصعيد مع الحكومة، في المقابل يركن إلى التهدئة واعتماد لغة الحوار في تعاطيه مع الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية (منظمة الأعراف).
وترى هذه الأوساط أن الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي يشكل أكبر منظمة شغيلة في البلاد، يتخذ من الملفات الخلافية مع الحكومة، ومنها مسألة التفويت في المؤسسات العمومية ورفع الدعم عن المواد الأساسية، سلاحا يناكف به الرئيس قيس سعيد في سياق الدفاع عن نفوذه الذي تجاوز خلال العشرية الماضية بعده الاجتماعي إلى السياسي.
وتضيف الأوساط نفسها أن الاتحاد يدرك أن الوضع الاقتصادي المأزوم في البلاد يتطلب معالجات مؤلمة، لكنه يرفض الإقرار بهذا الواقع، لأنه يعتبر أن مثل هذه الخطوات قد تنتهي بخسارة مباشرة له، وستكلفه فقدان أهم أدوات الضغط والتأثير على السلطة السياسية في البلاد.

حاتم المليكي: المؤسسات تعاني من مناخ مأزوم وهي اليوم مهدّدة في وجودها
في المقابل فإن علاقته مع الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية مختلفة وتنحصر في بعدها الاجتماعي، ويفضل الاتحاد في هذا الإطار التعاطي بهدوء وروية، وعدم الدخول في صدام مع منظمة الأعراف قد ينتهي به إلى معادلة صفرية.
وعقد الثلاثاء اجتماع بين قيادة الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية وقيادة الاتحاد العام التونسي للشغل، في سياق التنسيق المستمر بين المنظمتين.
وأكد رئيس منظمة الأعراف سمير ماجول خلال اللقاء عزم المنظمتين على تدعيم الحوار الاجتماعي بهدف المحافظة على ديمومة المؤسسات ومواطن الشغل وعلى القدرة الشرائية للعاملين في القطاع الخاص وتحقيق الاستقرار الاجتماعي.
وتناول اللقاء الوضع الاقتصادي والاجتماعي والمالي بالبلاد ومساهمة المنظمتين في تجاوز تداعيات الأوضاع العالمية على الاقتصاد الوطني وتخطّي الصعوبات التي تعرفها تونس.
وأقرّ الطرفان، وفق بلاغ صادر عن منظمة الأعراف، بوجوب المحافظة على التوازنات المالية الكبرى وإنعاش الاقتصاد ودعم منظومات الإنتاج الوطنية، بما يسهم في تحقيق الأمن الغذائي الوطني ودعم السيادة الاقتصادية لتونس.
وتتمسّك قيادة اتحاد الشغل بضرورة تنفيذ الاتفاقيات، في علاقة بحماية مصالح العمال المعيشية (الرواتب، القدرة الشرائية…) خصوصا بعد تداعيات جائحة كورونا التي عجّلت بتدهور وضع المؤسسات وتسريح العمال في قطاعات عديدة.
لكنها تبدي في الآن ذاته تفهما للوضع الصعب الذي تمر به المؤسسات الاقتصادية، وتفضل في هذا الصدد البحث عن حلول وسطى مع منظمة الأعراف عبر الحوار. وقال الأمين العام لاتحاد الشغل نورالدين الطبوبي، في تصريح لـ”العرب”، “الحوار في تونس ليس بالجديد، وضروري خصوصا في الظروف الحالية الصعبة التي تمر بها البلاد، ونحن نسعى لتنظيم حوار لطرح الإشكاليات والصعوبات”.
وتابع “نقصد بالحوار الاجتماعي أن لدينا بعض الاتفاقيات التي مازالت غير ممضاة، كما أن المؤسسات بصدد تسريح عدد من العمال، خصوصا بعد تداعيات أزمة كورونا العالمية، وعلينا أن نجد منافذ لهذه الأزمات ونبحث عن حلّ مشترك لها”.
وأضاف الطبوبي لـ”العرب”، “البنوك اليوم لا تقدّم تسهيلات للمواطنين، وعلينا أن نجد مع شركائنا حلولا لذلك، لأن ما يهمنا بالأساس المجالان الاجتماعي والاقتصادي”.
وتعيش المؤسسات في تونس وضعا صعبا خصوصا منها الصغرى والمتوسّطة التي فقدت قدرتها التنافسية، وهناك دعوات للحكومة تطالب بضرورة مراجعة السياسة الجبائية للدولة وحماية القدرة الشرائية للعمال.
واعتبر الناشط السياسي حاتم المليكي أن “القطاع الخاص أصبح في وضعية سيئة جدا لأن السياسة الجبائية للدولة تعتمد على القطاع الخاص بالأساس، وهناك ضعف جبائي والدولة لا تشجّع على الاستثمار، وضعف الاقتصاد الحالي يكلّف المؤسسات الاقتصادية كلفة إضافية، وتراجع الدينار التونسي تتحمله المؤسسات”.
وقال المليكي في تصريح لـ”العرب”، “المؤسسات تعاني من مناخ مأزوم ونعيش في سوق اقتصادية داخلية ضعيفة جدا، والمؤسسات اليوم مهدّدة في وجودها، ومن الصعب جدا أن تحقق استقرارا اجتماعيا في ظل عدم امتلاك العناصر اللازمة لذلك من مؤسسات تنافسية وتوافق بين العمال والمؤجرين وقدرة شرائية معقولة”.
تونس تعاني من أزمة اقتصادية ومالية ازدادت حدتها جراء تداعيات جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا، إضافة إلى حالة عدم الاستقرار السياسي الذي تعيشه البلاد
وفي وقت سابق دعا وزير الشؤون الاجتماعية مالك الزاهي، في لقاء مع الطبوبي بمقر الوزارة، إلى ضرورة إعادة تفعيل المجلس الوطني للحوار الاجتماعي.
وأقرّ الطرفان بوجوب مواصلة صياغة اتفاقات، سواء كانت ثنائية أو ثلاثية، فيما يتعلق ببعض الملفات ذات الصلة بالاستحقاقات الاجتماعية والإصلاحات الاقتصادية المنتظرة بحسب ما يقرّه العقد الاجتماعي الذي جمع الأطراف الثلاثة، والذي أشرفت على إمضائه رئيسة الحكومة نجلاء بودن رمضان بمقر رئاسة الحكومة، وهو ما سيكفل تقاسم الأعباء لتكريس العدالة الاجتماعية وتجاوز الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية.
وسبق أن ثمّن متابعون للشأن التونسي عودة جلسات التفاوض بين الحكومة والاتحاد، وسط توقعات بكونها ستحقّق استقرارا سياسيا واجتماعيا، لكن المنظمة النقابية سرعان ما انتصرت لمطالب العاملين الاجتماعية وزيادة الرواتب في وقت تشهد فيه البلاد أزمة مالية حادة.
وتعاني تونس من أزمة اقتصادية ومالية ازدادت حدتها جراء تداعيات جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا، إضافة إلى عدم الاستقرار السياسي الذي تعيشه البلاد منذ أن فرض الرئيس قيس سعيد إجراءات استثنائية في 25 يوليو 2021.
وفي مطلع يوليو الماضي انطلقت مفاوضات رسمية بين صندوق النقد الدولي وتونس، سعيا للتوصل إلى اتفاق للحصول على قرض بقيمة 4 مليارات دولار لاستكمال موازنتها لعام 2022.
ويتضمن البرنامج الإصلاحي للحكومة التونسية إصلاحات مالية وجبائية تهدف إلى دفع النمو والاستثمار وتحسين مناخ الأعمال، ومنها إعادة هيكلة المؤسسات العمومية والتحكم في كتلة الرواتب.
وتسعى الحكومة التونسية للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي لمساعدتها على تمويل ميزانيتها، وتريد تقديم إصلاحات تظهر للمانحين أنها تضع ماليتها العامة على مسار مستدام، لكنها تجابه بمعارضة شديدة من قبل الاتحاد العام التونسي للشغل.