الاتحاد العام التونسي للشغل يتهم النهضة بمحاولة تفكيكه لتوسيع مجال نفوذها

تتواصل منذ سنة 2011، حملات حزب حركة النهضة ضد الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية بالبلاد)، عبر التصريحات المشككة في دوره الريادي والوطني، في محاولة منها لإضعاف مكانته واختراق هياكله تحقيقا لمآرب سياسية.
تونس – اتهم الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية بالبلاد) حركة النهضة الإسلامية بمحاولة تفكيكه عبر زرع نقابات موازية واختراق هياكله لبسط نفوذها على المشهد العام، فضلا عن مساعيها لضرب اتفاقياته وتعطيلها من قبل الائتلاف الحاكم.
وقال سامي الطاهري الأمين العام المساعد لاتحاد الشغل والناطق الرسمي باسمه الاثنين 4 جانفي 2021 إن حركة النهضة تسعى لضرب الاتحاد عبر ضرب الاتفاقات وتعطيلها من قبل الائتلاف الحاكم وشن حملة تشويه شعواء، مؤكدا أنها مرت الآن إلى خطة جديدة قال إن قوامها “زرع أجسام نقابية فقّاعية في القطاعات والجهات حتّى إن بدا حاليا أنه ليس بينها صلات”. مشيرا بالخصوص إلى ما يحدث في قطاع التعليم والعدلية والصحّة.
وأكد الطاهري في تدوينة نشرها على صفحته بموقع فيسبوك أن اللعبة مكشوفة وأنه سبق للأنظمة السابقة أن استعملتها وفشلت.
واعتبر أن “خطة النهضة كانت في البداية زرع منظمات مركزية موازية وفي نفس الوقت التواجد ضمن مركزيات أخرى موازية لإضعاف الاتحاد والتموقع الاحتياطي عسى وكلا” وأنها في نفس الوقت “حاولت اختراق هياكل الاتحاد والتسرّب والتموقع وفي نفس الوقت ‘تهتيك’ النقابات ورفع السقف للتعجيز بالتزامن مع ضرب الاتحاد عبر ضرب الاتفاقات وتعطيلها من قبل الائتلاف الحاكم”.
وتعكس تصريحات قيادات المنظمة النقابية من فترة إلى أخرى استمرار الصراع القائم بين الاتحاد والنهضة، علاوة عن مساعي الحركة الإسلامية المتواصلة لاختراق المنظمة التي تصدّت إلى كل أفكارها ومخططاتها لضرب العمل النقابي في العمق.
ويرى مراقبون أن الصراع القائم بين الطرفين ليس بالجديد، بل بدأت محاولات النهضة لضرب الاتحاد منذ عام 2012، ثم عمدت إلى تأسيس منظمة نقابية جديدة تحت اسم “المنظمة التونسية للشغل”، وذلك في إطار سعيها إلى إضعاف الاتحاد العام التونسي للشغل، ومحاولة كسر تمثيله للعمال وتماسكه وضرب وحدته في البلاد، واستغلت في ذلك قوانين قامت بتمريرها تتعلق بالسماح بالتعددية النقابية، لكنها لم تنجح في مهمتها.
وأفاد المحلل السياسي عبدالعزيز القطي أن “المسألة قديمة ونتذكر جيدا يوم 4 ديسمبر 2012 والهجوم الذي وقع على الاتحاد والاعتداء على قياداته بالعنف، وهذا دليل على أن حركة النهضة تعتبر الاتحاد ركيزة ويجب التخلص منه حتى تعبث بالبلاد كما تشاء”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “هذه المحاولات مستمرة واليوم تستعمل كتلة إئتلاف الكرامة لضربه من خلال التصريحات التي يدلي بها قياديوه، وهي الآن تسعى لتركيز نقابات موازية أو ما يسمى بالتعددية النقابية بمنطق الديمقراطية لإضعافه وضرب مصداقيته واختراقه عبر منخرطين في الحركة”.
وأشار القطي إلى أن “استمرار الفطنة واليقضة التي عليها قيادات الاتحاد للتصدي لمثل هذه الممارسات حال دون زعزعة مكانة المنظمة، لكن النهضة ستواصل محاولات الضرب والإضعاف”.
وبينما تدافع قيادات بعينها ضد الحملات الشعواء المستهدفة لكيان المنظمة النقابية على غرار سامي الطاهري، تطالب أطراف أخرى بتنقية الأجواء وتبني خطاب رصين ومتزن يولي الاهتمام الأول لمصلحة البلاد، لكنه يدافع كذلك بشراسة ضد كل من يهاجم طبيعة العمل النقابي ويشكك في مصداقية دور الاتحاد.
ومن جهته أكد الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل محمد علي البوغديري في تصريح لـ”العرب”، “أن الاتحاد هو صمام أمان وقوة خير في البلاد ومن يريد أن يستهدف المنظمة يعرف ما ينتظره”.
وأضاف أن الجميع اليوم مطالب بتهدئة الأجواء وتجاوز الخلافات خصوصا وأننا قادمون على تنظيم حوار وطني للإنقاذ والاتحاد يسعى لتجميع الفرقاء”.
وتذهب شخصيات نقابية وسياسية إلى أن الصراع التاريخي بين الطرفين يتجاوز مسألة الخلافات السياسية والتكتيكية للتموقع في البلاد، بل هي تناقضات أيديولوجية وفكرية تتصل بنظرة حركة النهضة للعمل النقابي المتناقضة مع رؤية الاتحاد لطبيعة المجتمع.
ويتبنى الاتحاد تصورا فكريا يعزز مكانته كبوصلة للحياة العامة بالبلاد، ويرسخ قيم الدفاع عن مدنية الدولة وضمان الحقوق والحريات وممارسة العمل النقابي في أبعاده المختلفة، وهو ما يتعارض شكلا ومضمونا مع توجهات الإسلاميين وحركة النهضة بالخصوص.
وأفاد النقابي والسياسي التونسي عبيد البريكي في تصريح لـ”العرب”، أن “الإسلام السياسي وحركة النهضة بالتحديد والأطراف التابعة لها كائتلاف الكرامة طالما عبرت تاريخيا عن عدائها للعمل النقابي والاتحاد”.
وأشار إلى أن “حركة النهضة تعتبر العمل النقابي بدعة وليس من أدابياتها، فسارعت إلى تغيير الفكرة حين شعرت أن الاتحاد قوة مؤثرة في التوازنات، وأصبحت فرقعة الاتحاد من الداخل أمرا معلوما”.
وتابع “في اعتقاد النهضاويين الراسخ أن الاتحاد يهيمن عليه اليساريون ولا بد من السيطرة عليه والتخلص منهم، وبالتالي هي تريد أن تتصدر المشهد كمنقذ للبلاد ولا تريد أن يتخذ الاتحاد موقع الصدارة، ومن الداخل هي تراهن على الخلافات وتحاول أن تزيد من تعميقها من خلال التأسيس لنقابات موازية ومهاجمته وجعله مسؤولا على الخراب الذي تسببت فيه منذ سنوات”.
ولاحظ البريكي أن “الهدف إزاحة الاتحاد، لكنه يجهلون أن النقابيين يختلفون في الداخل ولكن تجدهم صفا واحدا ضد كل من يستهدف العمل النقابي”.
وخصومة الإخوان في تونس مع اتحاد الشغل، هي خصومة مع العمل النقابي بشكل عام، وهي ترجمة لعداوة دفينة مع كل فكر وطني أو تقدمي أو حقوقي أو عمالي أو نسوي، ويعود ذلك إلى أن الإسلاميين يعتمدون أدوات تحليل دينية لكل الظواهر السياسية والاقتصادية الراهنة، وينتج عن هذا الاقتصار على المنهل الديني فقر فكري يناصب العداء لكل وجهة نظر قادمة من خارج المدونة الدينية.
وسرعان ما جاء الرد النهضاوي على تصريحات الطاهري، من قبل القيادي بحركة النهضة رفيق عبدالسلام حيث قال “هل الاتحاد طائفة سرية حتى يتم اختراقه؟ وإذا كان الاتحاد مفتوحا أمام جماعات حركة الشعب وحزب العمال الشيوعي.. فلماذا لا يكون مفتوحا أمام كل من يحمل بطاقة انخراط نقابي بما في ذلك النهضويين؟”. كما دعا رئيس مجلس شورى حركة النهضة عبدالكريم الهاروني، الاتحاد إلى وقف الإضرابات وإعطاء الأولوية للحوار.