الإعلامي محمد الباز.. مصالح رجال الأعمال تؤمم الخط التحريري للإعلام المصري الخاص

الإعلامي المصري محمد الباز لـ"العرب": تكريس الحرية في المجتمع يبدأ من نقد الإعلام نفسه أولا.
الاثنين 2020/04/20
إعلامي يغرّد خارج السرب

يوضح الإعلامي المصري محمد الباز تناقضات المشهد الإعلامي في مصر، والأسباب التي أدت بالجمهور إلى فقدان الثقة بإعلام بلاده، وسوء تفسير تعددية وسائل الإعلام والتنوع والتفاعل الإيجابي مع الشارع.

القاهرة - توقف برنامج “90 دقيقة” الذي كان يقدمه الإعلامي المصري محمد الباز، على فضائية قناة المحور الخاصة مؤخرا، بعد أيام قليلة على انتقادات وجهها للملياردير المصري نجيب ساويرس، ما اعتبره البعض أن السياسة التحريرية في الفضائيات الخاصة ما زالت تحكمها لغة المصالح.

وبدا انسحاب الباز من البرنامج، كأنه اعتراض على وجود محاولة للإخلال بالاتفاق المهني الموقع مع القناة، لاسيما وأن مالك القناة رجل الأعمال حسن راتب شدد خلال لقاءات سابقة في البرنامج على عدم تدخل الإدارة في المحتوى أو السياسة التحريرية.

لكن محمد الباز، وهو أكاديمي ورئيس تحرير صحيفة الدستور المستقلة، رفض في حواره مع “العرب”، التطرق للأزمة، قائلا “الإعلامي الذي يحترم نفسه وجمهوره هو من يتمسك بالاتفاق المهني مع المؤسسة الإعلامية، وفي حال الإخلال ووضع معايير جديدة في منتصف الطريق عليه أن ينسحب ليحافظ على صورته ومكانته عند الجمهور، لأن ذلك التزام مهني قبل أن يكون أخلاقيا”.

وكان الباز، قد هاجم الملياردير المصري نجيب ساويرس بسبب تصريحاته الأخيرة حول ضرورة خفض رواتب العاملين في القطاع الخاص جراء أزمة فايروس كورونا، لأن رجال الأعمال لن يستطيعوا الاستمرار في التزاماتهم المالية في ظل حالة الركود الاقتصادي الذي نتج عن الجائحة.

وفوجئ مقدم البرنامج، بمداخلة هاتفية من مالك المحطة، تحدث فيها بطريقة تنم عن اعتذار لساويرس، وقال للباز إنه يتحفظ على كلامه ويرفض الأسلوب الذي انتقد به الملياردير المصري، ومع إعلان الباز رحيله عن القناة فُهم الأمر على أنه إقصاء ضمني من المحطة.

وأضاف “لو كل إعلامي انسحب من المشهد في حال إخلال المؤسسة بالاتفاق معه أو إرغامه على تغيير سياسة تحريرية، لكسبت المهنة احترامها المفقود عند الناس في مصر، لكن للأسف، كثيرون يعتقدون أن الإعلاميين يتحركون بالتعليمات، وتفسيري أنهم لا يأخذون موقفا مهنيا في بعض الأوقات”. وأصدر الباز بيانا صحافيا الخميس، نفى خلاله ارتباط هجومه على ساويرس بأنه ينطلق من أرضية خصومة شخصية، ويقدر ما يقدمه الرجل للحياة العامة عبر منصات اقتصادية واجتماعية وثقافية مختلفة، وإذا كان يتمسك بخلافه معه في ما أبداه من رأي يخص الإجراءات الاحترازية لمواجهة كورونا، فإنه اعترف بأن له حقا عنده، عندما استخدم تعبيرا غير لائق أثناء شرحه لوجهة نظره المخالفة لما ذهب إليه.

يصنف الباز، ضمن إعلاميين يستهويهم التغريد خارج السرب أحيانا عبر مناقشة موضوعات وقضايا شائكة، وتوجيه انتقادات لبعض المسؤولين، وله مواقف كثيرة اختلف فيها مع سياسات الحكومة، وفي إحدى المرات تحفظ على تصريح للرئيس عبدالفتاح السيسي حول أداء الإعلام.

الجمهور يبحث عن صوت مختلف
​​​الجمهور يبحث عن صوت مختلف

ويتصارع الإعلام في مصر بين ثلاث سلطات، سياسية واجتماعية وسلطة رأس المال، وهو ما أظهر تناقضات كثيرة تثير الحيرة في المشهد العام، فلا أحد يعرف حدود الحرية أو التضييق، ولا أحد يستطيع تفسير الجمع بينهما سوى أن هناك ضبابية مقصودة تتحكم في هذا الملف.

ويرى الباز أن سلطة رأس المال هي الأكثر شراسة، فقد يلتقي الإعلامي مع السلطة السياسية حول وجهات النظر، وفي كثير من الأحيان يتناغم مع المجتمع، لكن المعضلة في التأقلم مع مصلحة رأس المال، لأن مالك المؤسسة الإعلامية يفقد القدرة على ضبط النفس، إذا تعارضت القناة أو الصحيفة مع مكاسبه.

غير أن صراع الإعلام مع السلطات الثلاث، انعكس سلبا على حريته وأصبح الصوت الواحد شعار المرحلة، فالحكومة لا تقبل إلا بالاصطفاف الإعلامي لإظهار إنجازاتها، والجمهور ينشد البحث عن صوت مختلف، وأصحاب المؤسسات أهم ما يعنيهم فرض سياسة تحريرية تدرّ عليهم المزيد من الأرباح.

وأوضح أن تكريس الحرية في المجتمع يبدأ من نقد الإعلام نفسه أولا، كي تكون له مصداقية عند الفئات والسلطات المختلفة، فلا يمكن أن يكون الإعلام محصنا ثم يهاجم فنانين ورجال أعمال مثلا، الأمر يحتاج أن يبدأ الإعلام بنفسه، حتى عندما ينتقد باقي العناصر تكون هناك شرعية ومصداقية، لا مآرب أخرى.

يبدو طرح الباز غير دقيق، لأن أغلبية المؤسسات الإعلامية مملوكة لأجهزة حكومية، أي أن منسوب الحرية فيها مرهون بوجود إرادة سياسية لتكون هناك أصوات مختلفة بحكم أن الأشخاص الذين يديرون أو حتى يظهرون على الشاشة يتم انتقاؤهم، ولديهم خطوط حمراء لا يحيدون عنها، ومن المستبعد أن ينتقد الإعلام الحكومي نفسه، وبالتالي أصبح الاصطفاف سمة المشهد.

ومن وجهة نظر الباز، الاصطفاف الإعلامي مطلوب، لكن حول هدف أو قضية محددة مثل مواجهة الإرهاب، فغير مقبول أن يناقش إعلامي شرعية التطرف، أما الاصطفاف حول التفاصيل وترديد نفس الكلام والشعارات والاستعانة بذات الوجوه في كل المنابر فهذا خطأ فادح يضرّ الإعلام والسياسة معا.

ويتعامل الإعلام المصري مع فكرة الاصطفاف من منظور حكومي بحت، ما تسبب في هجرة الجمهور لأغلب وسائل الإعلام الرسمية، على مستوى الصحف أو القنوات، واتجهوا إلى منصات التواصل الاجتماعي، وبعض المنابر الخاصة التي تغرد أحيانا خارج السرب، فضلا عن لجوء البعض إلى متابعة الإعلام الخارجي،لأن الحقيقة غير موجودة في الإعلام المحلي.

رغم خطورة هذا الواقع، أكد محمد الباز، أن قيام الحكومة بسحب البساط نسبيا من تحت أقدام رجال الأعمال الذين كانوا يسيطرون على المشهد الإعلامي خطوة صحيحة لضبط المنظومة نسبيا، فبعضهم استخدم منابره للي ذراع الدولة، وآخرون تغاضوا عن الانفلات الإعلامي في مؤسساتهم، وكانت السلطة بحاجة إلى أن يخوض الإعلام معها معركة البقاء، ولو كانت تأخرت لانقرضت المهنة، لأن رجال الأعمال سوف يأتي عليهم الوقت للتصفية ووقف ضخ الأموال.

ومع إعادة منصب وزير الإعلام، وتكليف الصحافي أسامة هيكل بمسؤولية ضبط الأداء المهني مؤخرا بدأت الأوضاع تأخذ منحنى أكثر توازنا، وهو ما جعل قطاعات كثيرة من المواطنين تلتف حول التلفزيون الرسمي.

وحسب الباز، فإن السياسة الإعلامية للدولة، تتطلب أن تكون هناك أصواتا يقظة تدعم المشروع السياسي ونبه لوجود أخطاء بغرض الإصلاح، ولا يمكن أن يكون ذلك بتحرك فردي من أبناء المهنة وحدهم، بل أيضا من الجهة التي تدير المؤسسات، فمثلا، ليس دور الإعلامي أن يوجه كلمات الشكر والثناء للحكومة طوال الوقت، بل يوثق مجهودها، وإذا تراخت في ملف أو قضية، عليه أن يبادر بتوجيهها إلى تصحيح المسار.

ولفت إلى أن الإعلام المصري، يفتقد البنية المهنية، فلا أحد يفهم ما هي وظيفة الإعلام ودوره على وجه الدقة، لذلك أصبحت الغالبية الجماهيرية ناقمة على الأداء، والأزمة أن مفهوم الحرية أصبح مرهونا بتوجيه النقد اللاذع، وهذا فهم خاطئ، لأنها تعني تعددية وسائل الإعلام والتنوع والتفاعل الإيجابي مع الشارع وقياس نتيجة أو تأثير الصوت المعارض، وإذا سقط أحد هذه العناصر يصعب تحقيق الحرية الإعلامية.

18