الإشاعة تشكل الرأي العام الأردني بدلا من الإعلام

تبحث الحكومة الأردنية عن حلول لمشكلة انتشار الشائعات في البلاد وتأثيرها على الرأي العام وزعزعة الاستقرار، لكنها في نفس الوقت تتجاهل حقيقة أن ضعف الإعلام الأردني ماديا ومهنيا دفع المواطنين إلى الاعتماد على المصادر الأجنبية ومواقع التواصل لمعرفة ما يجري حولهم.
عمان - تشتكي السلطات الأردنية من الانتشار الهائل للشائعات وتأثيرها على تشكيل الرأي العام والسلم الأهلي، ورغم آراء الخبراء والدراسات العديدة التي أجريت حول هذا الموضوع، إلا أن الحكومة تتجاهل أن ضعف الإعلام التقليدي ماديا ومهنيا السبب الرئيسي لتفشي الشائعات.
وأطلق المجلس الاقتصادي والاجتماعي الخميس دراسة بعنوان الإشاعة ودورها في تشكيل الرأي العام، أظهرت أن 48 في المئة من المشاركين في الدراسة التي غطت جميع أنحاء البلاد يعتمدون على المعلومات ويستقونها من مواقع التواصل الاجتماعي ونشطائه والمؤثرين من داخل المملكة وخارجها.
ويرى 20 في المئة من أفراد العينة أن الصور والفيديوهات المتداولة تشكل مصدرا للمعلومات وأن وسائل التواصل الاجتماعي تطلعهم على وجهات نظر لم يكونوا يعرفونها.

محمد الحلايقة: وسائل الإعلام تعاني من أزمة مالية وموضوعية
وتهدف الدراسة إلى معرفة أسباب نشوء الإشاعة والأخبار المضللة أو المنقوصة ومعاينة آراء المؤثرين وقادة الرأي ونقاشاتهم، بعد أن تعدت الشائعات المستويات الحكومية لتطال المؤسسة الأمنية والقوات المسلحة.
وأكثر ما يقلق السلطات أن الشائعات والأخبار المضللة تربط المؤسسة الأمنية بشبهات فساد متنوعة وهي تحمل أهدافا ونوايا واضحة لزعزعة احترام المؤسسة التي تنال ثقة المواطنين أكثر من غيرها.
وغالبا ما ذكرت التقارير السابقة أن مصادر الشائعات خارجية عبر وسائل إعلام أجنبي وداخلية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أنها مازالت تتجاهل حقيقة أن ضعف الإعلام الأردني سواء الخاص أو العام هو من دفع المواطنين إلى الاعتماد على المصادر الأجنبية ومواقع التواصل لمعرفة ما يجري حولهم.
وقال رئيس المجلس محمد الحلايقة إن وسائل الإعلام التقليدية تعاني من أزمة بنيوية على الصعيدين المالي والموضوعي، إضافة إلى عدم وجود حجم كبير من قنوات الإعلام المرئي الأردني نظرا لمحدودية الدعم المادي، وكذلك محددات المسؤولية المهنية للإعلامي ما يدفع المتلقي للجوء إلى مواقع التواصل الاجتماعي لوجود مساحة أكبر للتعبير.
وتمنع الحكومة الأردنيّة في كثير من الأحيان المعلومات عن الصحافة، وأصبح حظر النشر مرافقا لأي قضية تشغل اهتمام الأردنيين، فلا تجد وسائل الإعلام الخاصة إلا مواضيع الترفيه لتملأ المساحة الفارغة لديها، وبعضها ينزلق إلى ممارسات غير مهنيّة لكنها تبقى بالنسبة إليها أخف ضررا من التورط في الحديث عن الأزمات السياسية والاقتصادية الممنوعة من التداول الإعلامي.
وقال رئيس لجنة الحريات بنقابة الصحافيين الأردنيين يحيى شقير إنه في هذا العصر المعقد بالأحداث السياسية والاقتصادية والعلمية، أصبحت المعلومات تخضع كما في علم الاقتصاد لنظرية العرض والطلب، فإذا كان الطلب على المعلومات أعلى من المعلومات المعروضة، ستأتي الإشاعة لتحل وتغطي النقص المعروض من المعلومات.
ويؤكد خبراء في الإعلام أن الإشاعات والأخبار الملفقة هي الوقود الذي يغذي به أصحاب الأجندات مُتابعيهم لاستقطاب الرأي العام أو تصفية حسابات شخصية وسياسية.
والخطير في الشائعات هو أن أغلبها تبقى مستمرة وتمتد دورة حياتها طويلا رغم نفيها أكثر من مرة ورغم إثبات عدم صحتها، إلا أنها تبقى مزروعة في أذهان الأردنيين على أنها حقائق؛ ولا يحصل نفي الإشاعة على صدى كبير كما تحصل عليه الإشاعة نفسها، ولا يتم تعديل الصورة الكاذبة التي صدقها الرأي العام منذ البداية، فتتراكم المعلومات الكاذبة وتكون محركا للمواطنين في تأزم الوضع السياسي.
وأشارت الدراسة أيضا إلى الضغوط النفسية والاقتصادية التي يعاني منها المواطن، والتي أثرت على طرق التفكير وأدوات التحليل، بالإضافة إلى ضعف برامج التربية الإعلامية التي من شأنها صقل قدرة شريحة اجتماعية واسعة وتمكين الرأي العام من تمييز الغث من السمين.
وأوضح شقير أنه في وقت الأزمات والكوارث والحروب يزيد الطلب على المعلومات، لذلك على الحكومات التحرك الاستباقي لكشف المعلومات بالسرعة الممكنة، حتى تقطع الطريق على أي جهة تريد استغلال الظروف لتمرير أجندتها الخاصة، داعيا إلى مواجهة الإشاعات من خلال التربية الإعلامية والالتزام بأخلاقيات المهنة الإعلامية والصحافية في نقل الحقائق، وذلك بعد التمحيص والبحث والتأكد من المعلومات.
والملاحظ في الأردن أن الإعلام الرسمي ينشغل بالترويج للسلطة وإنجازات الحكومة متجاهلا المعلومة التي يبحث عنها الشارع الأردني، وساهم هذا في انتشار الأخبار الكاذبة وغير الدقيقة، حتى باتت ظاهرة تؤرق الحكومة وتبحث عن حلول تدور جميعها في نفس الإطار وهو طرح مشاريع بعيدة عن أصل الداء.
وأفاد مدير مرصد مصداقيّة الإعلام الأردنيّ “أكيد” التابع لمعهد الإعلام الأردني طه درويش، أن مكافحة الإشاعات بمختلف أشكالها وأنواعها ودرجة انتشارها تكون من خلال إتاحة المعلومات العامة للمواطنين وحق الحصول عليها.
وأكد درويش ضرورة استمرار نشر التربية الإعلاميّة والمعلوماتيّة، ودمج مفاهيمها بالمناهج التعليميّة في المدارس والجامعات والأنشطة التوعويّة التي تسهم في تحصين الشباب وإكسابهم المهارات السليمة اللازمة للتعامل مع وسائل الإعلام، وكيفيّة تمييز الإشاعة ورفع درجة الوعي بمكافحتها والحد من انتشارها.
ولا يوجد تشريع يعاقب على كل أنواع الإشاعات في الأردن إلا أن هناك قوانين تعاقب على نقل أو إذاعة أخبار كاذبة أو مختلقة في ظروف معينة، فالمادة 75 فقرة (أ) من قانون الاتصالات تنص على أن كل من أقدم بأي وسيلة من وسائل الاتصالات على توجيه رسائل إهانة أو منافية للآداب أو نقل خبر مختلق بقصد إثارة الفزع يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر، ولا تزيد عن سنة أو بالغرامة من 300 دينار إلى 2000 دينار أو بكلتا العقوبتين.
وأشار أستاذ التشريعات والإعلام في المعهد الأردني للإعلام صخر الخصاونة إلى أنه لا يوجد في قانون العقوبات أو قانون المطبوعات والنشر أو قانون الجرائم الإلكترونية ما يشير إلى تعريف الإشاعة أو إيجاد عقوبة لها، لكن قانون العقوبات في نص المادة 131 يعاقب على نشر أنباء كاذبة أو مبالغ بها من شأنها أن توهن نفسية الأمة، ويعاقب عليها بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد عن ثلاث سنوات.
وأضاف أن من يذيع أخبارا كاذبة من خارج الأردن أو مبالغا فيها من شأنها أن تنال من هيبة الدولة ومكانتها، فإن نص المادة 132 من العقوبات يعاقب بالحبس مدة لا تنقص عن ستة أشهر.
ولفت إلى أن المادة 152 من قانون العقوبات تنص على أنه إذا وقعت الأنباء الملفقة والمزاعم الكاذبة لزعزعة الثقة بالنقد الأردني وسندات الدولة، فإنه يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات.
ويرى متخصصون أن التعويل على العقوبات فقط للحد من الشائعات أو الأخبار الكاذبة هي نظرة قاصرة لا يمكن أن تحقق نتائج مرضية في هذا الشأن، وعلى المسؤولين التفكير بطرق لدعم الإعلام ماديا ومهنيا للقيام بدوره في إتاحة المعلومة للمواطن الأردني وكسب ثقته بما يقدمه إعلام بلاده.