الإبقاء على النظام الانتخابي ينتج برلمانا مصريا بلا أنياب

لا توجد أي مؤشرات على توجه رسمي لإجراء تعديل على النظام الانتخابي الحالي في مصر، والذي ترى المعارضة أنه يخدم مصالح الأحزاب الداعمة للحكومة، ويقود إلى برلمان منزوع المخالب.
القاهرة - توحي استعدادات الأحزاب المصرية لخوض الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها قبل نهاية العام الجاري وعدم إدراج أي تعديلات على قوانين الانتخابات ضمن أجندة مجلس النواب أو مناقشتها مع أي من القوى السياسية، بوجود توجه للإبقاء على النظام الانتخابي الحالي المثير للجدل.
وبدأت عدة أحزاب وضع برامجها الانتخابية والتفكير في عقد تحالفات مع كيانات أخرى، دون انتظار ما إذا كان سيجري تعديل على القوانين الحالية، في ظل إشارات من أحزاب وشخصيات عامة وبرلمانيين مقربين من الحكومة إلى أن النظام الانتخابي لا يحتاج إلى تغيير، ولا يوجد أفضل منه حاليا.
وجاءت الرسالة الأكثر وضوحا من بهاءالدين أبوشقة وكيل مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية للبرلمان) الذي قال إن نظام الانتخابات الحالي مناسب للظروف الراهنة، ويراعي وجود نسب تمثيل إيجابية للغاية في ما يتعلق بمقاعد المرأة والشباب.
ويبدأ مسار أي قانون في مصر بالموافقة عليه من جانب الحكومة ثم إحالته إلى مجلس الشيوخ لمناقشته وإقراره، وبعدها يحال إلى مجلس النواب الذي يعرض مشروع القانون على لجان مختصة تناقشه وترفعه إلى الجلسة العامة للتصديق عليه أو رفضه، ما يعني أن تصريحات أبوشقة تعبر عن عدم وجود نية لتغيير نظام انتخابات البرلمان.
وبحسب نصوص الدستور المصري وقوانين مجلسي النواب والشيوخ الحاليين، تبدأ الانتخابات البرلمانية قبل نهاية الفصل التشريعي بـ60 يوما، أي تنطلق بمجلس الشيوخ منتصف أغسطس المقبل، وتبدأ انتخابات مجلس النواب في نوفمبر، ما جعل بعض الأحزاب تتحرك لبناء تحالفات وفق النظام الانتخابي الذي نتج عنه تشكيل مجلسي الشيوخ والنواب الحاليين، ولم يكن أداء كلاهما جيدا.
وتجرى انتخابات البرلمان بنظام مختلط بين الفردي والقوائم المغلقة المطلقة، بواقع 50 في المئة لكليهما، ويعطي الحق للأحزاب، مع الحكومة أو ضدها، والمستقلين، أن الترشح في النظامين، لكن ثمة شواهد على أن دوائر رسمية ترفض إعادة إنتاج برلمان يهمش المعارضة وترغب في تحقيق قدر من التوازن السياسي.
وناقش الحوار الوطني في مصر النظام الانتخابي الأفضل الذي تحبذه القوى السياسية المختلفة، ولم يصل إلى تأييد نظام بعينه، فاضطر مجلس أمناء الحوار إلى رفع توصية لمؤسسة الرئاسة بثلاثة مقترحات: الإبقاء على النظام الحالي، وإقرار نظام القائمة النسبية، وتطبيق نظام يجمع بين القوائم المغلقة والمطلقة والنسبية والنظام الفردي.
وترى دوائر سياسية أن الإبقاء على النظام الانتخابي دون تغيير يعبر عن عدم قناعة الحكومة بجدوى تشكيل برلمان يقود إلى إصلاح حقيقي، والمهم أن يستمر الاصطفاف البرلماني خلفها ولا تجد نفسها أمام مجلس نواب مشاغب وسط تحديات صعبة، تحتاج فيها إلى مظلة تشريعية تساندها، كما هو حاصل مع البرلمان الحالي.
وتروق تلك الوضعية للكثير من الأحزاب المتناغمة مع الحكومة، فهي بلا شعبية تجعلها تحصل على مقاعد برلمانية بطريقة سهلة، دون النظر للنظام الانتخابي، وترغب في وجود قوانين انتخابية تسهل مهمة الوصول إلى البرلمان بتحالفات أو توسيع نطاق الدوائر الانتخابية أو دعم غير مباشر من بعض دوائر الحكومة، لذلك لا يعنيها تعديل قوانين الانتخابات من عدمه.
ويبدو المواطن العادي منهكا في أزماته المعيشية، ولا تعنيه السياسة بكل تفاصيلها، ولا يهمه استمرار هذا الحزب في صدارة المشهد أو حلت مكانه بضعة كيانات حزبية أخرى، فالكل في نظره سواسية، وما يشغله هو أن يسير أموره الحياتية في خضم أعباء فرضتها عليه الحكومة على مدار سنوات ولم يجد برلمانا يقف في وجهها.
وتعبر تلك الشواهد عن عدم اكتراث الأضلع الثلاثة (الحكومة والأحزاب والمواطن) بجدوى تغيير قوانين الانتخابات، بما يقود إلى إعادة إنتاج برلمان بنفس التشكيلة الحالية، مع اختلاف هوية الحزب الذي يحصل على الأغلبية، فقد يهبط حزب “مستقبل وطن” الذي يقود الحياة البرلمانية حاليا إلى مرتبة ثانية، ويصعد مكانه حزب “الجبهة الوطنية” الذي تشكّل مؤخرا.
وتظل المعارضة المشكّلة تحت لواء “الحركة المدنية الديمقراطية” ترفض الإبقاء على النظام الانتخابي، لأنه يُكرس إنتاج برلمان تابع للحكومة مقابل أقلية مناوئة لها، لكن مشكلة الكثير من قوى المعارضة أنها تهتم بالتشريعات المنظمة للانتخابات أكثر من سعيها للتفاعل مع الشارع في ملفات جماهيرية لترميم شعبيتها التي تآكلت.
ويتقاطع برنامجها الانتخابي الذي أعلنت عن ملامحه مع أولويات الشارع الذي يُقاطع السياسة، ويتضمن مبادئ أهمها بناء دولة ديمقراطية حديثة، ووقف طرح بعض الأصول للبيع وفتح المجال بشكل سليم أمام القطاع الخاص، وإتاحة التعددية المطلوبة سياسيا والإفراج عن المعارضين، وعقد مصالحة وطنية مع مختلف أطياف المجتمع.
وأخفقت المعارضة في إنهاء خلافاتها الداخلية، رغم تمسكها بعقد مصالحة وطنية، حيث لا تتفق الأحزاب المشاركة في الحركة المدنية على أهداف متقاربة، ولم تستطع التأقلم مع أي نظام انتخابي، ومن أحزابها من جمّد عضويته مثل العدل والمصري الديمقراطي، وقاطعها حزب الإصلاح، ما يُصعّب مهمة تكوين تحالف انتخابي قوي.
◙ الحكومة تخشى من أن يكون الإبقاء على قوانين الانتخابات مبررا أمام المعارضة لمقاطعتها كليا، ما يجعل البرلمان المقبل خاويا من أي تيار معارض
وأكد المحلل السياسي جمال أسعد أنه لو كانت هناك نية لتعديل قانون الانتخابات لحدث ذلك منذ فترة، ويصعب وجود تفكير في تغيير النظام الانتخابي الشهر المقبل أو بعده لأن الأحزاب بدأت تتحرك وتخطط للانتخابات وفق القانون الحالي، والمشكلة ترتبط بأنه عندما تغيب السياسة يتحول الأمر إلى قرارات فوقية.
وأضاف أسعد في تصريح لـ”العرب” أن النظام الحالي للانتخابات أقرب إلى التعيين، وعندما يقوم الناخب باختيار مرشحين لأحزاب مختلفة فهذا تعيين وليس اختيارا، كما أن الدوائر الفردية متسعة جغرافيا ويصعب على أي مرشح أن يغطي هذه الدائرة، بما يصعب المهمة على أيّ من المرشحين المصنفين كمعارضين للحكومة.
ولفت إلى أن الرؤية الحكومية قائمة على أن يظل النظام الحالي كما هو، بما لا يعيب المعارضة الجادة، ويتزامن مع ذلك أن الشارع غير ممهد لممارسة السياسة بحرية، ولا تمتلك أحزاب المعارضة قوة مالية، مثل تلك التي تتمتع بها الأحزاب الداعمة للحكومة، وقد يحدث احتواء للمعارضة وتحصل على عدد محدود من المقاعد.
ولدى الحكومة مبررات تسوقها لبقاء الوضع الخاص بالانتخابات كما هو، فشعبية المعارضة ضعيفة، وهي ثغرة تنفذ منها جماعة الإخوان لتأييد مرشحين بعينهم ليكونوا ممثلين لها أو قريبين منها عند دخولهم البرلمان، لأن المعارضة الوطنية مهمشة، ولذلك فالعبرة ليست في النظام الانتخابي، لكن بكيفية استثماره سياسيا.
وتخشى الحكومة من أن يكون الإبقاء على قوانين الانتخابات مبررا أمام المعارضة لمقاطعتها كليا، ما يجعل البرلمان المقبل خاويا من أي تيار معارض، وتثار شبهات حول نزاهة العملية الانتخابية وتحولها إلى مسرحية هزلية، ما يفرض على الحكومة هندسة الانتخابات بشكل يسهل مهمة المعارضة للفوز بمقاعد معقولة ولو كانت الخطة هي إعادة إنتاج البرلمان الحالي.