الأوساط الاقتصادية المصرية تفقد ثقتها بالبيانات الحكومية

القاهرة - اتسع الجدل في الأوساط الاقتصادية المصرية بشأن المؤشرات الاقتصادية التي تعلنها الحكومة، بعد تشكيك المؤسسات المالية العالمية بقدرة الحكومة على تحقيق الأرقام المستهدفة وخاصة في ما يتعلق بمعدلات النمو الاقتصادي.
وكان وزير المالية عمرو الجارحي قد أكد أمام البرلمان المصري استهداف الحكومة لتحقيق نمو بنسبة 5.2 بالمئة في العام المالي، الذي يبدأ الشهر المقبل، وتخفيض العجز الكلي في الموازنة إلى 9.8 بالمئة.
وشكك صندوق النقد الدولي في إمكانية تحقيق ذلك الهدف، وتوقع أن لا يزيد معدل النمو عن 4.3 بالمئة، في وقت خفض فيه البنك الدولي توقعاته هذا الأسبوع إلى 4.2 بالمئة من 4.4 بالمئة في توقعات سابقة.
وارتفعت الفجوة مع تقديرات وكالة ستاندرد أند بورز للتصنيف الائتماني، التي رجحت أن يبلغ معدل النمو نحو 3.5 بالمئة، وأن يتحرك معدل النمو في السنوات اللاحقة حتى عام 2019 حول متوسط 3.8 بالمئة.
أما وكالة فيتش للتصنيف الائتماني، فتوقعت أن لا يتجاوز المعدل نسبة 3.6 بالمئة، ورجحت ارتفاع عجز الموازنة إلى 11 بالمئة مع ارتفاع الدين المحلي واستمرار معدلات التضخم عند مستويات مرتفعة.
وانتقدت الأوساط الاقتصادية المصرية عشوائية البيانات الحكومية. وقال هاني سري الدين رئيس هيئة سوق المال الأسبق، إن أرقام الحكومة غير واقعية، ولا تتماشى مع الكثير من التقديرات العلمية.
وأوضح لـ“العرب” أن مصر بحاجة ماسة لزيادة الموارد السيادية من العملات الحرة من خلال زيادة معدلات التصدير والعمل على عودة النشاط السياحي إلى سابق عهده.
وأضاف أن الاقتصاد يحتاج إلى النمو بنسبة 7 بالمئة لمدة 3 سنوات متواصلة، حتى يستطيع أن يخرج من عثراته الكبيرة، إلى جانب العمل على تحقيق نمو مستدام وتوزيع عادل للثروة ليجني الجميع ثمار هذا النمو.
|
وسجلت معدلات النمو الاقتصادي المعلنة مستوى 7.3 بالمئة قبل ثورة 25 يناير عام 2011 ، لكن ذلك النمو لم يكن متجانسا بسبب تركز الثروة لدى عدد محدود من رجال الأعمال فقط، بينما تعاني الأغلبية مشاكل الاقتصاد الهيكلية.
وقدر أبوبكر إمام رئيس قسم البحوث في بنك برايم الاستثماري، معدلات النمو المتوقعة خلال العام المالي 2016 – 2017 بين 3.5 إلى 4 بالمئة فقط. وأكد لـ“العرب” أن الأرقام التي أعلنتها الحكومة المصرية مغرقة في التفاؤل ومن الصعب جدا تحقيقها، في ظل الواقع المليء بالعثرات.
وأكد أن اقتصاد مصر يواجه تحديات كبيرة، منها تفاقم معدلات عجز الموازنة، وغياب الاستثمار الأجنبي المباشر، كذلك تعثر استثمارات القطاع الخاص المحلي، فضلاً عن المصاعب الإقليمية والعالمية التي تنعكس سلبا على اقتصاديات دول كثيرة، بينها مصر، ما يحد من معدلات النمو المستهدفة خلال العامين الماليين الحالي والمقبل.
وأوضح إمام أن النمو الاقتصادي يتحقق بناء على حجم الاستثمارات وحجم الزيادة في الناتج المحلي الإجمالي وقدرة الحكومة على ضبط إنفاقها. وخفض وزير التخطيط أشرف العربي مؤخرا معدلات النمو خلال العام المالي الحالي إلى نحو 4.5 بالمئة بدلا من 5 بالمئة التي كانت تستهدفها الحكومة. لكن البنك الدولي خفض تقديراته إلى 3.3 بالمئة فقط.
وقال محمد رضا الرئيس التنفيذي لبنك الاستثمار سوليد كابيتال وعضو الجمعية المصرية لإدارة الاستثمار، إن الواقع يؤكد عدم قدرة الحكومة على تحقيق معدل النمو المستهدف، في ظل تعثر العديد من الشركات والمصانع، بسبب أزمة نقص الدولار وإغلاق العديد من المصانع لصعوبة استيراد المواد الخام.
وأكد لـ“العرب” أن معدلات النمو الاقتصادي لن تتجاوز نسبة 4 بالمئة كحد أقصى، في حين أن الاقتصاد المصري يحتاج لمعدلات نمو بنحو 8 بالمئة للوصول إلى مرحلة التعافي، وتوفير ما لا يقل عن 300 ألف فرصة عمل سنويا لاحتواء البطالة.
وأشار إلى أن ارتفاع التضخم يوحي بزيادة نمو الاقتصاد المصري، وهو أمر غير حقيقي، ولذلك يجب حساب الناتج المحلي الإجمالي بالتكلفة الفعلية للإنتاج والتي يتم استبعاد الأسعار الجارية منها.
وقالت سهر الدماطي العضو المنتدب لبنك الإمارات دبي الوطني، إن معدلات النمو المستهدفة يمكن أن تتحقق بشرط قدرة الحكومة على تهيئة بيئة مواتية للاستثمار المحلي والأجنبي.
وأكدت لـ“العرب” أن الحكومة يمكنها توفير ذلك من خلال سرعة الاستثمار في المشروعات القومية التي تنفذها الدولة مثل مشروعات استصلاح 1.5 مليون فدان، وتنمية محور قناة السويس والموانئ الجديدة والمثلث الذهبي.
وأوضحت أن نجاح استغلال المشروعات القومية يزيد من معدلات التوظيف وتدفق الاستثمارات الأجنبية، ومن ثم تعافي الاقتصاد. وقالت الدماطي إن أزمة الدولار مؤقتة، ويتم العمل على حلها خلال الوقت الراهن من جهود الجهات المعنية سواء الحكومة أو البنك المركزي، ورجحت أن يتم حلها خلال فترة قريبة جدا.
ويقول البنك الدولي إن خفض توقعاته لمعدل النمو يرجع إلى هبوط إيرادات السياحة منذ أكتوبرالماضي وانخفاض معنويات الشركات ونقص العملة الأجنبية الذي يعاني منه الاقتصاد منذ فترة طويلة.