الأسر التونسية تنقل لأطفالها مشاعر القلق والضغط النفسي

حذر خبراء علم النفس في تونس من تأثير الوضع العام بالبلاد بما في ذلك الأزمة الوبائية على نفسية الأطفال، مما يمكن أن يصيبهم بالاكتئاب المخفي نتيجة مشاعر القلق التي تنتقل إليهم عبر آبائهم وأمهاتهم. وأكد الخبراء أن الأطفال في حاجة إلى بوادر رمزية للتواصل يشعرون من خلالها بقيمتهم الإنسانية مثل إنماء الجانب العاطفي لديهم.
ألقى وباء كورونا بظلاله على جوانب عديدة من حياة الأطفال والمراهقين بتونس، منها الجوانب النفسية. وقد تتأثر نفسية الأطفال بما يسمعونه من شكوى آبائهم حول مخلفات هذا الفايروس سواء من الناحية الاجتماعية أو الاقتصادية. ولعل ما يسمعونه يوميا من أخبار حول تزايد أعداد المصابين والوفيات كفيل بأن ينقل إليهم مشاعر الحزن والخوف والقلق.
وحذر خبراء علم النفس في تونس من إصابة الأطفال بالاكتئاب المخفي جراء الوضع الوبائي في البلاد وما ينقله الأولياء من مشاعر قلق وضغط نفسي، ما يؤثر بالسلب على صحتهم النفسية والعقلية.
وقال مروان الرياحي الأخصائي في علم النفس العصبي السريري إن الأسر تساهم بطريقة غير مباشرة في توفير أرضية ملائمة للهشاشة النفسية لأطفالهم في ظل الوضع العام والأزمة الوبائية التي تمر بها البلاد.
وحذّر الرياحي من إصابة الأطفال بالاكتئاب المخفي بسبب هذه الأوضاع داعيا الأولياء إلى التفطن لهم.
وأكد أن الإفراط في الحركة وظهور السلوك العنيف في اللعب والتوتر والقلق لدى الأطفال من أهم أعراض الاكتئاب المخفي مشيرا إلى أن الأطفال يحتاجون إلى الاتصال الجسدي لنموهم العاطفي غير أن الجائحة تلزمهم بالتباعد الجسدي حفاظا على صحتهم.
ويشير خبراء علم النفس إلى أن تلقي الأطفال 20 دقيقة من التلامس يوميا لمدة 10 أسابيع يرفع من مستويات النمو لديهم.
واعتبر الرياحي في تصريح لوكالة تونس أفريقيا للأنباء أن الوضع الصحي المتأزم بسبب تفشي فايروس كورونا يخلق نوعا من “اللخبطة” لدى الأطفال بسبب تغير نمط الحياة وتحديد ساعات الخروج من المنزل وارتياد عدد من فضاءات الترفيه بسبب حظر الجولان، إلى جانب تغير الزمن المدرسي منذ ظهور الجائحة في تونس في مارس 2020 وما تبعه من تأثيرات في الحياة المدرسية وعلى المردود العلمي في صفوفهم.
وقدم الأخصائي النفسي في هذا الخصوص بعض الحلول على المدى القصير تتمثل في تنمية الجانب العاطفي لدى الأطفال من خلال تخصيص وقت للتواصل والتفاعل معهم بأبسط التدخلات، لاسيما وأن التلاميذ ما زالوا في عطلة مدرسية، لافتا إلى أن الأطفال في حاجة إلى بوادر رمزية للتواصل يشعرون من خلالها بقيمتهم الإنسانية.
ويشير خبراء علم النفس إلى أنه من الطبيعي أن تحفز المواقف غير المألوفة أو الصعبة مشاعر القلق لدى الناس باختلاف أعمارهم، مشيرين إلى أن تلك المشاعر تتراوح بين عدم الارتياح والذعر التام وذلك اعتمادا على الشخص والموقف الذي يمر به، لذا قد لا يختلف القلق عند الأطفال كثيرا عن قلق الكبار في ماهيته، فالقلق في كلتا الحالتين عبارة عن مشاعر بشرية طبيعية.
وأكد أحمد الأبيض المختص التونسي في علم النفس أن مشاعر القلق يمكن أن تنتقل من شخص إلى آخر، من الآباء إلى الأبناء مثلا لأن التفاعل بينهما يكون سريعا.
وقال الأبيض “إن الآباء عندما لا يتعاملون بروح مرحة مع أطفالهم ينقلون إليهم مشاعر الحزن”، مؤكدا أن “الأطفال لهم عالمهم الخاص ونحن نجرهم جرا إلى هذا العالم المليء بالخوف والقلق والحزن”.
وأضاف لـ”العرب” أن الحجر الصحي نتيجة جائحة كورونا قد أفرز عنفا منزليا كان الأطفال من ضحاياه ما أنتج لديهم شعورا بالخوف وعدم الاستقرار.

وقد أثرت جائحة كورونا على كل جوانب الحياة اليومية، حيث أُغلقت المدارس والمتاجر وتوقفت مظاهر الحياة اليومية في جميع أنحاء العالم تقريبًا. ففي حين كانت التبعات السياسية والاقتصادية قاسية للغاية، فإن تأثير الجائحة على الحياة الأسرية لا يقل أهمية عن ذلك.
وتعيش أسر تونسية على وقع مشاكل عدة خلفتها الجائحة الصحية، ومنها تصاعد العنف الأسري وتفكك العائلات نتيجة زيادة حالات الطلاق، فضلا عن ارتفاع نسب الفقر الناجم عن فقدان العمل، وما يمكن أن يخلفه من تداعيات على الأطفال في دراستهم ونقص رعايتهم الاجتماعية والصحية.
وأفادت تقارير سابقة لمنظمة الصحة العالمية بأنّ التونسيين يعانون اكتئاباً بشكل كبير، حيث تحتل تونس المرتبة الثالثة من بين الدول الأفريقية الأكثر اكتئاباً.
وحذّر اختصاصي الأمراض النفسية عماد الرقيق في تصريح صحافي من المخاطر النفسية طويلة الأمد لجائحة كورونا على الأطفال في ظل تواصل الضغوط والتأثيرات السلبية المترتبة عنها منذ أكثر من سنة، مشيراً إلى خطورة تداعيات حرمان الطفل من اللعب واللهو والاستمتاع.
وأشار الرقيق إلى إمكانية ظهور اضطرابات نفسية لدى الأطفال جراء الحرمان أو كثرة الضغوط، من بينها مشاكل اضطرابات القلق والضجر والحزن واضطرابات سلوكية ناجمةعن هذه الأسباب، وقد تنعكس في فقدان الشهية للأكل أو فقدان الوزن أو العكس تماماً.
الأطفال في حاجة إلى بوادر رمزية للتواصل يشعرون من خلالها بقيمتهم الإنسانية مثل تنمية الجانب العاطفي لديهم
وغيبت جائحة كورونا في يناير الماضي احتفالات الأطفال بعيدهم الوطني نتيجة التدابير الصحية المفروضة في كامل أنحاء البلاد ما عمق شعورهم بحرمانهم المرح والترفيه، وتزايد حجم مخاطر الاضطرابات النفسية وأمراض القلق والاكتئاب لديهم.
واعتاد التونسيون في السنوات السابقة استغلال هذه الفترة للترويح عن أبنائهم وإشراكهم في مختلف البرامج التي تعدها السلطات والمنظمات الأهلية على غرار مهرجان الطفل والسينما الموجهة للطفولة ومهرجان مسرح العرائس والكورال والسيرك وغيرها.
وأشار خبراء التربية إلى أن الأطفال يحتاجون إلى الاختلاط وتشارك الألعاب والأنشطة، في حين أن غالبية الألعاب والأنشطة تتطلب من القائمين عليها التواصل المباشر والاختلاط مع الأطفال، وهو ما أصبح صعباً في ظل هذه الظروف.
وأكد الخبراء أن وباء كورونا أثّر نفسياً في الأطفال من خلال فرض تدابير وقائية قاسية على نفسية الطفل، وإكراهه باستمرار على استعمال المعقمات وفرض التباعد وتكرار المحذورات كالمصافحات ولمس الأشياء والعناق التي أصبحت مصدر قلق للأطفال.
وشددوا على أن اللعب والمرح بالنسبة إلى الأطفال في هذه السن “مسألة أساسية في تكوينهم النفسي، والتضييق على هذه الحاجة الحياتية يعد تهديداً لسلامتهم النفسية وخطراً على استقرار وتوازن شخصيتهم وبنيتها”.