الأسرة المسيحية في مصر تترقب تشريعا ينهي المعاشرة بالإكراه

يتلهف الأقباط إلى قانون الأحوال الشخصية الجديد الخاص بهم، والذي سينظم حياتهم الأسرية بداية من الخطبة إلى ما بعد الطلاق. وسيكون لكل طائفة باب منفصل بها، يحدد شؤونها الأسرية، لكن التوسع في إجراءات واشتراطات الطلاق سيصبح موحدا عند الجميع، وذلك للحد من إكراه أي زوجين على العيش معا طالما توافرت أسباب الانفصال.
القاهرة - قاربت الأسر المسيحية في مصر على التخلص من تسيير أمورها الحياتية وفق القوانين التي تحكمها الشريعة الإسلامية بعد أن أعلنت اللجنة المكلفة بإعداد قانون الأحوال الشخصية للأقباط عن الانتهاء من غالبية نصوصه، بما يتيح لهم الاحتكام إلى شرائعهم في سن التشريعات المرتبطة بأمورهم الأسرية.
يترقب الأقباط خروج القانون إلى النور، لأنه سيعالج الكثير من الأزمات التي تثير منغصات كبيرة للزوجين والأبناء، بدءا من الخطبة مرورا بالزواج وانتهاء بالمبررات التي يمكن من خلالها أو بسببها أن يحدث الطلاق بطريقة بسيطة وحضارية.
ما يسرّع وتيرة إقرار القانون أن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي يتبنى صياغة مشروع القانون الخاص بالأسرة المسيحية بدل ذلك الصادر عام 1920، ووجّه بتشكيل لجنة تضم خبرات قانونية وقضائية مختصة لإعداد تشريع حاكم للأقباط.
ويعد قانون الأحوال الشخصية للأقباط أول تشريع مفصل لهم في مصر، لكنه يأتي تطبيقا لأحكام الدستور الذي نص في مادته الثالثة على أن مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسي للتشريعات المنظمة لأحوالهم الشخصية وشؤونهم الدينية، لكن الأزهر اعترض سابقا على تفعيل ذلك.
يوحي اهتمام الأقباط بقانون الأحوال الشخصية الجديد بأنهم ضاقوا ذرعا من التشريعات الأسرية المكبلة لحياتهم، سواء تلك الخاضعة لأحكام الشريعة الإسلامية أو التي أقرتها الكنيسة من قبل، وعلى رأسها تقييد الطلاق، وهناك طوائف مسيحية في مصر لا تسمح بالانفصال بين الزوجين.
الطلاق ظل عند الأقباط مرتبطا بآلية تحددها كل كنيسة ترأس الطائفة، ولا يسمح به في الكنيسة الأرثوذكسية إلا بسبب الزنا
وظل الطلاق عند الأقباط مرتبطا بآلية تحددها كل كنيسة ترأس الطائفة، ولا يُسمح به في الكنيسة الأرثوذكسية إلا بسبب “علّة الزنا” أو لتغيير الملة (الانتقال إلى طائفة أخرى)، وفي الكنيسة الكاثوليكية يُحظر نهائيا ويتم استبداله بانفصال جسدي مع استمرار الزواج، وتطبق الكنيسة الإنجيلية شرطي تغيير الدين مع ثبوت الزنا فعلا.
وبقي إثبات الزنا، كشرط للطلاق، معضلة عند بعض الأزواج الأقباط، لأنه من الصعب توثيقه وتقديمه إلى الكنيسة ليتحرر الشريك من العلاقة الزوجية بشكل نهائي، لكن التشريع الجديد عالج الأزمة بتسهيل إثبات الزنا، حيث سيتم الأخذ بالرسائل والصور والمحادثات الإلكترونية للحصول على الطلاق.
أكد نبيل جبرائيل المحامي القبطي وعضو لجنة إعداد القانون الجديد أن التشريع المرتقب مهم للغاية بالنسبة لتنظيم شؤون الأسرة المسيحية، ويكفي أنه سوف يساهم في إيجاد حلول جذرية لأزمة الطلاق التي وصل عددها في المحاكم المصرية إلى 270 ألف حالة، وهو رقم ضخم يعكس عمق المشكلة.
وجزء من أزمة التأخر في وضع تشريع حاكم للأسرة المسيحية أن الطوائف نفسها لم تكن متوافقة على قانون بعينه، رغم جدية الحكومة خلال السنوات الماضية في منح الأقباط حرية إدارة شؤونهم الأسرية بعيدا عن الشريعة الإسلامية، لكن هذه المرة هناك توافق بين الطوائف المختلفة لإنجاز القانون دون تعقيدات.
وسوف يتوسع التشريع الجديد في أحكام الطلاق، ويمنح الحق للزوجة في أن تطلق نفسها والعكس صحيح، في حالة استحالة العشرة أو الهجر، مع استحداث مادة جديدة مرتبطة بالطلاق بسبب الإلحاد، للزوج أو الزوجة.
قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين ينتصر للمرأة، والتضييق على الطلاق لم يكن في صالح أي طرف
وشهدت بعض الكنائس المصرية احتجاجات نظمها مسيحيون للمطالبة بالطلاق والزواج الثاني بعيدا عن اختزال الأمر في الانفصال بسبب الزنا أو تغيير الملة، لأن ذلك انعكس بشكل سلبي على الأسرة، فهناك أزواج لا يرغبون في البقاء مع زوجاتهم بأي صورة، والعكس صحيح، لكن لا توجد علّة الزنا، ما كرس الأزمات مع المعاشرة بالإكراه أو اضطرار أحد الزوجين إلى الهجر بعيدا عن سكن الأسرة.
تعني التعديلات المقرر إدخالها في قانون الأسرة المسيحية أنه ستتم مساواتها بنظيرتها المسلمة في بعض آليات الطلاق، من حيث الانفصال لاستحالة العشرة أو الهجر الزوجي، وهو ما يوجد في قانون المسلمين عبر قانون الخلع الذي يمنح المرأة حق تطليق زوجها لأسباب تراها يستحيل معها استمرار العشرة أو طلب الطلاق من خلال المحكمة عند الهجر أو عدم القدرة على الاستمرار في العلاقة.
يمثل التوسع في أسباب الطلاق انتصارا تاريخيا للزوج أو الزوجة القبطية بعد سنوات طويلة من المطالبة بالحق في الانفصال لمبررات نفسية ومعنوية، بعيدا عن وقوع الشريك في خطأ الزنا أو تغيير العقيدة كمسببات تبدو نادرة الحدوث، مع أن الواقع يشير إلى زيادة دائرة جمود العلاقة الزوجية، والهجر هربا من سجن الشريك، وانتشار ظاهرة الطلاق الصامت، ببقاء الشريكين معا دون انفصال رسمي.
يرى متخصصون في العلاقات الأسرية أن الميزة الأهم ترتبط بالتشريع الحاكم للأسرة المسيحية الذي ينظم جوانب الأحوال الشخصية للأقباط الخاصة بالقواعد المنظمة للخطبة، وأركان الزواج وشروطه ومراحله، وموانع عقد الزواج، وإجراءات العقد وحالات بطلانه، وحقوق الزوجين وواجباتهما، إضافة إلى أحكام النفقة بعد الطلاق.
وسيتم وضع آلية محددة لمراحل ما بعد الطلاق، وهذه مرتبطة بالحضانة والرؤية ومن له حق الولاية، مع وجود مبادئ خاصة بتسوية النزاعات الأسرية، وهذه تشبه ما يتم تطبيقه على المسلمين، إذ توجد لجان متخصصة في لم الشمل بين الزوجين قبيل الطلاق داخل محاكم الأسرة أو نقابة المأذونين أو دار الإفتاء والأزهر، وإذا ما فشلت في التوصل إلى تسوية بين الشريكين يتم الاتفاق على الانفصال رسميا.
أكد المحامي إيهاب رمزي، وهو أيضا عضو اللجنة التشريعية في مجلس النواب، لـ”العرب” أن هناك حاجة ملحة إلى توسيع دائرة الطلاق عند الأقباط لتغير الظروف ووجود مواقف تستدعي عدم اقتصار الأمر على الزنا وتغيير الملة، فقد يُحكم على الزوج بالسجن المؤبد أو يهجر زوجته.
وأضاف أن قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين ينتصر للمرأة، والتضييق على الطلاق لم يكن في صالح أي طرف، وسيصدر بشكل متوازن يراعي مطالب كل الفئات، وهناك إرادة سياسية قوية لإنجاز التشريع الجديد.
واستقرت اللجنة المختصة بوضع القانون على عدم تطبيق نصوصه حرفيا على كل الطوائف المسيحية، وسيكون لكل طائفة باب منفصل بها، يحدد شؤونها الأسرية بدءا من الخطبة إلى ما بعد الطلاق، بحيث تكون كل طائفة لديها البنود الحاكمة التي تتوافق مع مبادئها، لكن التوسع في إجراءات واشتراطات الطلاق سيصبح موحدا عند الجميع للحد من إكراه أي زوجين على العيش معا طالما توافرت أسباب الانفصال.
وتوافقت الكنائس المختلفة على إلغاء بند الحق في التبني، فيما يبدو أن ذلك يرتبط بالتوجه نحو عدم منح الفرصة للأزهر والمتشددين للتصدي للتشريع الأسري للأقباط بذريعة أن إباحة التبني للمسيحيين مقدمة لنشر التبشير وزيادة أعدادهم، وهي نقطة لا ترغب الحكومة أو الكنائس في إثارتها لتعطيل القانون، ما يوقعها في صدام أشد مع المسيحيين أنفسهم.
لكن سيظل إصدار قانون موحد للأحوال الشخصية للأقباط نقطة تحول فارقة في حياتهم وعلاقاتهم، بعيدا عن الاستسلام لتشريعات تخطاها الزمن، وكرست للشقاق الأسري، لأنها جعلت علاقات الأزواج وحياة الأبناء داخل البيت أقرب إلى سجن أبدي لا أحد يتحرر منه سوى بمعجزة، وهو ما يفسر لهفة الأقباط للتشريع الجديد.