الأزواج يتخبطون بين أفكارهم وأفكار المسلسلات

القاهرة - كشفت دراسة صادرة عن المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في مصر، أن تزايد عدد الفضائيات وقيامها ببث برامج ومسلسلات تتضمن مظاهر من الحياة الزوجية لا تتوافق مع ما يحدث في الواقع والحياة اليومية بين الزوج والزوجة، هو السبب في زيادة معدلات الطلاق في المجتمع، والنتيجة التي يمكن مقاربتها مع مجتمعات عربية تتشابه مع المجتمع المصري في الظروف الاجتماعية والاقتصادية.
الدراسة المثيرة للانتباه تم تطبيقها من جانب باحثي المركز القومي للبحوث على عدد من المطلقات المصريات على خلفيات اجتماعية واقتصادية مختلفة في مصر، وأشارت إلى أن تزايد أعداد القنوات الفضائية أدى إلى إحداث انقلاب حاد داخل أفكار ومشاعر الجمهور، خاصة من الرجال الذين يقارنون بين فاتنات الفضائيات اللاتي يظهرن في كامل زينتهن في كل أوقات اليوم، من خلال الأعمال الفنية المقدمة على الفضائيات وبين زوجاتهم اللاتي ينفقن كل وقتهن في المطبخ أو رعاية الأطفال، مما أدى إلى حدوث بلبلة فكرية ساعدت على الخلط بين الحلال والحرام، والصواب والخطأ، والأخلاق الحميدة والرذيلة.
وتؤكد الدراسة أن الجمهور أصبح يتأرجح بين التضارب ومفاهيم مختلفة ومتناقضة مع فكر وسلوك المجتمع العربي، وتشير إلى أن نتائج ذلك انعكست على العلاقات الأسرية والزوجية، وأصبح الأزواج يتخبطون بين أفكارهم التقليدية والأفكار الدخيلة عليهم عبر الفضائيات، ويقارنون بين زوجاتهم وفنانات الفضائيات، والمغالاة في المشاهد واللقطات التي يشاهدونها فيقارنون بين محتواها وواقعهم، وبين زوجاتهم المصريات ونماذج الزوجات في المسلسلات، والأفلام التي تعرضها هذه الفضائيات بشكل مثير ومناف لواقع الحياة اليومية.
الصور الفضائية قد تدفع كلا الزوجين إلى إجراء مقارنة بين ما يشاهدانه في التلفزيون والواقع الذي يعيشانه
وأكدت الدراسة أن الفضائيات تؤثر في إدراك الفرد للواقع الاجتماعي، ولا سيما الأفراد الذين يشاهدونها بشكل مكثف ولفترات زمنية طويلة، وفي نفس الوقت ربطت الدراسة بين كثافة مشاهدة الفضائيات واكتساب المعاني والمعتقدات والأفكار والصور الرمزية التي لم تعد مقصورة على المجتمع العربي فقط، بعد أن تحولت الفضائيات العربية مؤخرا إلى عرض المسلسلات المكسيكية والتركية بكثافة، فيقارن الزوج بين زوجته وبين الزوجة المكسيكية والتركية، حيث يتمنى كل زوج أن تكون زوجته مثل الزوجة المكسيكية أو التركية التي تظهر أمامه على شاشة الفضائيات بكامل زينتها، على عكس مظهر زوجته التي تظهر بملابس المطبخ أو غيرها.
وأخطر ما في الدراسة، هو أن هذه المقارنة التي ينتج عنها الشقاق بين الزوجين والذي يصل إلى حد الطلاق، لم تعد تقتصر على الرجال فقط، بل تشارك فيها الزوجات أيضا، بحيث يمكن أن تطبق هذه النظرية على العلاقات الزوجية ورؤية الزوجين إلى بعضهما بعضا سواء من جانب الزوج إلى الزوجة أو الزوجة إلى الزوج، وهو ما ينعكس على العلاقات الزوجية بصورة سلبية من خلال ما يتم اكتسابه من قيم وأفكار من داخل الفضائيات وتطبيقها في الواقع الفعلي، الذي قد يدفع العديد منهم إلى تغيير نمطهم السلوكي في حياتهم اليومية وعلاقتهم الزوجية حسب ما يتأثرون به عند رؤيتهم للأفكار والقيم التي يشاهدونها، فتكون الفضائيات بذلك قد أدت دورا كبيرا في المساعدة على ظهور وتكوين علاقة من الندية والعناد بين الزوجين، وأصبح كل منهما يوجّه أصابع الاتهام للآخر.
كما أثبتت الدراسة أن هذه الخلافات تؤدي إلى تراكمات بعد فترة تطول أو تقصر إلى أن يتم الانفصال أو الطلاق، وقد ساعد على تفاقم هذه المشاكل بين الزوجين تدخل الفضائيات، وإبراز العديد من الأفكار الخاصة بالعلاقة الزوجية التي تقوم على تشجيع الندية والعناد والتمرد والاهتمام بالمصالح الخاصة، والتأثر بكل ما يظهر فيها من أشكال وأنماط نسائية ورجالية مثيرة لكلا الطرفين، من حيث الشكل والسلوك والأفعال التي لا تتواءم مع واقع الأسرة.
الجمهور أصبح يتأرجح بين التضارب ومفاهيم مختلفة ومتناقضة مع فكر وسلوك المجتمع العربي، ما انعكس على العلاقات الأسرية والزوجية
تناولت الدراسة أيضا أثر الفضائيات على اتجاه الزوجة نحو الانفصال باستخدام دعوى التطليق أو الخلع، فكما يكون الرجل عرضة للتأثر بما يشاهده من سلوكيات مختلفة قد تؤدي بدورها إلى خلافات زوجية تصل في بعض الأحيان إلى الطلاق وهدم كيان الأسرة، تؤثر أيضا مشاهدة المرأة للفضائيات وما تثيره من أفكار على سلوكياتها واتجاهها نحو شريكها في حياتها الزوجية، فهناك – على سبيل المثال – صورتان مختلفتان للرجل في الفضائيات، فتارة تصوّره على أنه الزوج المتسلط العنيف في علاقته مع زوجته، وتارة أخرى تصوّره على أنه الزوج المثالي المفعم بالعواطف والأحاسيس.
كلتا الصورتين تسبب مشاكل للزوجة، فالأولى تدفع الزوجة إلى التمرد والإحساس بالظلم، والذي يؤدي إلى فعل سلوك عنيف مضاد تجاه الزوج كعملية دفاعية لا شعورية، خوفا من ممارسة الزوج لمثل هذه السلوكيات التي تشاهدها، والشكل الثاني يدفع الزوجة إلى عمل مقارنة بين ما تراه من مشاعر رومانسية في الفضائيات وما يفعله الزوج معها في الواقع الفعلي، والذي قد يكون فيه الزوج غير ناجح في التعبير عن حبه ومشاعره تجاه زوجته، مما يدفعها أيضا في هذه الحالة إلى التمرد على حياتها الزوجية واللجوء إلى الطلاق أو الانفصال.
وفي هذا الصدد رصدت الدراسة بعض النماذج من بين العائلات المصرية التي تعرض بنيانها للانهيار بسبب المشاهدة السلبية لما تعرضه الفضائيات من نماذج للعلاقات الزوجية في مجتمعات تختلف في معطياتها الاجتماعية والاقتصادية عن العلاقات السائدة في المجتمع المصري، حيث كانت مثل هذه الأفكار سببا في انهيار كيان الأسرة بعد وصول الزوجين إلى عتبة الطلاق سواء من خلال التطليق المباشر، أو اللجوء إلى شكل من الأساليب القانونية من جانب الزوجة لإنهاء حياتها الزوجية باللجوء إلى المحكمة لطلب الطلاق، وهو ما يدفع المحكمة في الكثير من الأحيان إلى الاستجابة لطلبات الزوجة في هذا الصدد وتطليقها، حرصا على عدم استخدام العنف داخل الأسرة.