الأزمة المالية تفاقم حاجيات التمويل لسلطنة عمان

فاقمت الأزمة المالية التي ترجمها قانون موازنة بعجز ضخم حاجيات سلطنة عمان للتمويل، ما دفعها إلى فتح باب الاقتراض المحلي والخارجي واللجوء إلى الاحتياطات المالية لسد الفجوة المالية في ظل نقص مصادر التمويل وهشاشة الوضع الاقتصادي الذي زادته جائحة كورونا صعوبة.
مسقط – تكشف مؤشرات وتقارير أن سلطنة عمان ستضاعف سقف تمويلاتها الخارجية بالإقبال على الاقتراض أكثر لسد عجز قياسي في الموازنة حيث تشهد عُمان أزمة اقتصادية نتيجة انهيار الإيرادات وركود الاقتصاد، الأمر الذي يزيد من تأزم الأوضاع في ظل ديون مصنفة أصلا عالية المخاطر.
أعلنت سلطنة عمان عن الميزانية العامة للدولة للسنة المالية 2021، وذلك بانخفاض نسبته 19 في المئة عن العام الماضي، وبعجز تقدر قيمته للعام الجديد بـ2.2 مليار دولار (حوالي 5.7 مليار دولار أميركي).
وبحسب وكالة الأنباء العمانية، بلغت جملة الإيرادات المقدرة لميزانية السلطنة في 2021 نحو 8.64 مليون ريال (22.44 مليون دولار) بانخفاض نسبته 19 في المئة عن الإيرادات المقدرة للعام الماضي (2020)، وقد احتسبت الحكومة سعر برميل النفط في الميزانية على أساس 45 دولارا أميركيا للبرميل.
وقدرت السلطنة إجمالي الإنفاق العام في ميزانية العام الجديد بنحو 10.88 مليون ريال عماني، بانخفاض قدره 14 في المئة عن الإنفاق المقدر للعام الماضي (2020).
كما قدرت قيمة عجز ميزانية 2021 بنحو 2.2 مليار ريال عماني أي بنسبة 8 في المئة من الناتج المحلي، على أن يتم تمويل نسبة 73 في المئة من العجز، أي مبلغ 1.6 مليار ريال عماني، من خلال الاقتراض الخارجي والمحلي، فيما سيتم تمويل باقي العجز والمقدر بنحو 600 مليون ريال عماني عبر السحب من الاحتياطيات المالية.
وكانت السلطنة قد أصدرت منشورا ماليا يقضي بتخفيض البدلات والعلاوات والامتيازات المختلفة التي تصرف لبعض موظفي الجهاز الإداري للدولة بمن فيهم كبار المسؤولين والوزراء ووكلائهم بنسبة 50 في المئة بدءا من الأول من يناير الجاري، وذلك في إطار خطة الدولة لترشيد الإنفاق العام.
وكانت وثيقة لوزارة المالية العمانية قد أظهرت أن السلطنة تتوقع أن يبلغ الدين العام 21.7 مليار ريال (56.37 مليار دولار) بنهاية 2021، وأن يشكل الاقتراض الخارجي 76 في المئة من الإجمالي.
يعني هذا زيادة بنحو 23 في المئة منذ نهاية 2019، حين بلغ الرقم 17.6 مليار. وتوقعت الوثيقة أن يبلغ عجز ميزانية 2021 نحو 2.24 مليار ريال والإنفاق العام 10.88 مليار ريال والإيرادات 8.64 مليار.
56.37 مليار دولار توقعات تجاوز حجم الدين الخارجي لعُمان بنهاية العام 2021
ولسد الفجوة تستهدف الحكومة اقتراض حوالي 1.6 مليار ريال وسحب 600 مليون ريال من الاحتياطيات. وتراكمت الديون على عُمان، المصنفة دون المستوى الجدير بالاستثمار من جميع وكالات التصنيف الائتماني الرئيسية، بوتيرة سريعة في السنوات الأخيرة وتواجه البلاد جدول سداد ديون صعبا.
وقال وزير المالية العماني سلطان بن سالم الحبسي على تويتر الأسبوع الماضي إن سلطنة عُمان استحدثت بندا في ميزانية 2021 تحت مسمى “مخصص سداد الديون” بمبلغ 150 مليون ريال (389.62 مليون دولار) لسداد جزء من أقساط القروض في المستقبل.
وقالت وثيقة الوزارة إن إجمالي مدفوعات خدمة الدين المتوقعة 1.2 مليار ريال في 2021. وأضاف الوزير أن إجمالي مخصص سداد الدين سيصل إلى 600 مليون ريال على مدى خطة “التوازن المالي” الخمسية من 2021 إلى 2025.
وأظهرت الوثيقة أن البيانات الأولية لميزانية 2020 تكشف عن عجز بلغ 4.2 مليار، متجاوزا عن المقدر في الموازنة عند 2.5 مليار. وقال وزير المالية في مقابلة مع وكالة الأنباء العمانية في وقت سابق إن السلطنة تتوقع إيرادات من الضريبة الانتقائية بحوالي 413 مليون ريال منها 300 مليون ريال من تطبيق ضريبة القيمة المضافة من أبريل 2021.
وتتوقع عُمان أن تخفض إجراءات تبنتها في خطتها للتوازن المالي الإنفاقي بنحو 2.9 مليار ريال في 2021 وفي الوقت ذاته تدر إيرادات حوالي 800 مليون من أرباح جهاز الاستثمار العماني.
وستجلب ضريبة دخل الشركات والمؤسسات نحو 400 مليون ريال، بانخفاض 27 في المئة عن 2020 بتأثير جائحة كوفيد – 19.
وقالت الوكالة الرسمية إن من المتوقع أن تبلغ الإيرادات الأخرى حوالي 1.4 مليار ريال. وتتوقع عُمان استثمارات محلية من الكيانات الحكومية والشركات التابعة لجهاز الاستثمار السيادي بنحو 5.1 مليار ريال.
وبحسب بيانات رفينيتيف، كانت السلطنة قد جمعت نحو 1.5 مليار دولار من سندات دولية مستحقة في يونيو، إلى جانب مليار دولار مستحقة في يناير حصلت عليها في 2016 بعد هبوط أسعار النفط.
وفي وقت سابق قالت “ستاندرد آند بورز جلوبال” للتصنيف الائتماني، والتي خفضت تصنيف عمان، إن الديون الخارجية المستحقة في العامين المقبلين بلغت 10.7 مليار دولار، أي حوالي 7.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وراكمت الدولة المنتجة للنفط ديونا بسرعة فائقة في السنوات القليلة الماضية بعد انهيار أسعار النفط من 115 دولارا للبرميل في يونيو 2014 إلى ما يقل عن 30 دولارا في يناير 2016.
ويثير لجوء مسقط إلى الاقتراض الخارجي بشراهة لسد العجز في الموازنة مخاوف بين المستثمرين ودفع تصنيفها الائتماني إلى مستوى عالي المخاطرة، في ظل بطء وتيرة الإصلاحات وزيادة الإنفاق الحكومي.
وفي الوقت نفسه، تعتزم السلطنة تنويع مصادر اقتصادها وتطبيق إصلاحات حساسة على الضرائب والدعم، لكنها تعطّلت في عهد السلطان الراحل قابوس الذي حكم البلاد 50 عاما ووافته المنية في يناير الماضي. وسبق للسلطان هيثم بن طارق آل سعيد أن قال إن الحكومة ستعمل على خفض الدين العام وإعادة هيكلة المؤسسات العامة والشركات لدعم الاقتصاد.
وفي إطار الإصلاحات المزمعة، ستطبق عُمان ضريبة قيمة مضافة بنسبة 5 في المئة العام المقبل وتسعى أيضا إلى تطبيق ضريبة على الدخل بالنسبة إلى أصحاب الدخول المرتفعة في 2022، في خطوة ستكون الأولى لدولة من دول مجلس التعاون الخليجي.
وجاء إقرار ضريبة القيمة المضافة، الذي لطالما أجلته تحت ضغط الأزمة الاقتصادية ومطالب صندوق النقد الدولي، بترشيد الإنفاق وتنويع مصادر الدخل حيث تهدف السلطنة إلى توليد دخل ضريبي أكثر استقرارا.