الأزمة الاقتصادية تخلخل استقرار الأسر التونسية

أثّر ارتفاع أسعار المواد الأساسية في تونس تزامنا مع تداعيات جائحة كورونا على نسق عيش أغلب الأسر التي لم تعد قادرة على توفير عيش كريم لأبنائها. وأمام ارتفاع الموازنة المخصصة لعيش أسرة متكونة من أربعة أفراد إلى ثلاثة أضعافها، مقارنة بما قبل ثورة يناير، تجد العائلات التونسية نقسها غير قادرة على العيش بكرامة.
يؤكد خبراء الاقتصاد أن المجتمع التونسي يعيش اليوم تحت وطأة غلاء المعيشة بنسق تصاعدي وسريع الوتيرة، وذلك استنادا إلى نتائج المشروع النموذجي “ميزانية الكرامة في تونس”.
وكشفت نتائج المشروع أن ما بين 40 و50 في المئة من سكان إقليم تونس الكبرى (محافظات تونس وأريانة وبن عروس ومنوبة) يفتقرون إلى الموارد اللازمة لضمان ظروف معيشية كريمة، وهو ما أنتج ارتفاعا في أعداد العائلات الفقيرة والمعوزة أمام عجز الدولة عن تحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية التي باتت تتسم بالتدهور المتواصل منذ سنوات.
وقالت ألفة لملوم مديرة مكتب “أنترناشونال ألارت” في تونس، إن نتائج المشروع، الذي أطلقته المنظمة في سنة 2018، أظهرت أنه لضمان عيش كريم لعائلة تتكون من 4 أفراد (والدان وطفلان) يجب أن يتوفر دخل شهري في حدود 2400 دينار. وأظهر المشروع الذي ارتكز على عينة تتكون على أكثر من 80 شخصا (رجالا ونساء) من أصحاب عائلات نموذجية تتكون من 4 أفراد، أن ضمان حياة كريمة يتطلب توفير سلة من الاحتياجات تم تحديدها من قبل المشاركين. وتشمل الاحتياجات التي اتفق عليها المشاركون كالتغذية والسكن والتمتع بخدمات جماعية مثل الصحة والتعليم وضمان العيش في بيئة آمنة والمشاركة في الأنشطة المجتمعية والزيارات العائلية وتمت مناقشة جل الاحتياجات في شكل حلقات نقاش، وفق لملوم.
وأشارت لملوم، في تصريح لوكالة تونس أفريقيا للأنباء إلى أنه تم الاستئناس بآراء الخبراء والمسوحات التي أجراها المعهد الوطني للإحصاء ووقع تسيير حلقات النقاش من قبل مسيرين تم تأطيرهم سابقا. ويهدف المشروع حسب مديرة المنظمة بتونس، إلى التوصل عبر مقاربة تشاركية لتحديد سلة دنيا من السلع والخدمات اللازمة التي تضمن لكل أسرة الولوج إلى ظروف عيش كريم في تونس اليوم.
ضمان حياة كريمة يتطلب توفير سلة من الاحتياجات تشمل التغذية والسكن والصحة والتعليم وضمان العيش في بيئة آمنة
وأكدت لملوم أن المشروع اعتمد على منهجية تستند إلى مقاربة الأجر الأدنى المضمون التي طورها في البداية باحثون بريطانيون قبل أن تشمل بعد ذلك دولا أخرى، موضحة أن المشروع الذي تم تنفيذه في تونس يعد الأول من نوعه في المنطقة العربية.
وفي تعليقه على نتائج مشروع “ميزانية الكرامة في تونس”، قال سليم سعدالله رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك التونسي، إن نتائج الدراسة التي أعدتها المنظمة منطقية وواقعية نظرا لما تشهده السوق من ارتفاع في أسعار المواد الأولية.
وأضاف لـ”العرب”، أن سعر البيض على سبيل المثال تضاعف 3 مرات مقارنة بأعوام 2007 و2008 و2009 ومن المنطقي أن ترتفع الميزانية المخصصة للأسر التونسية إلى ثلاثة أضعافها، فالدخل المقدر بـ800 دينار في تلك الأعوام المذكورة تضاعف ليصل إلى 2400 في العام 2018.
وأشار سعدالله إلى أن بعض المواد الغذائية يتم استيرادها وبارتفاع سعر الأورو ترتفع أسعار تلك المواد ما يثقل كاهل ميزانية التونسي، مؤكدا أن الوضع الوبائي وفايروس كورونا فاقما الأوضاع وأضرا بصفة مباشرة بأسعار المواد الأساسية التي تشهد من حين إلى آخر ارتفاعات مفاجئة.
وأوضح علماء اجتماع أن هذا الوضع جعل الفقر معضلة الأسر التونسية التي تجد نفسها عاجزة عن تلبية أبسط حاجيات أبنائها، ما يجعل هؤلاء عرضة لاضطرابات نفسية قد تحول دون انسجامهم مع محيطهم وتخلف لديهم آثارا نفسية قد تحوّلهم في المستقبل إلى مراهقين عنيفين، أو شباب منحرف بسبب إحساسه بالدونية مقارنة بأبناء العائلات المتوسطة أو الثرية الذين يعيشون في بيئة اجتماعية طغت عليها المادة والمظاهر.
وكشف تقرير مشترك بين منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) والبنك الدولي حول “الفقر المدقع للأطفال في العالم”، نشرت نتائجه في شهر ديسمبر 2016، أن 25 في المئة من أطفال تونس فقراء أي أن الفئة العمرية ما بين 1 و18 سنة يعيشون في عائلة فقيرة وهي نسبة أعلى من نسبة المستوى الوطني للفقر التي بلغت 15.05 في المئة حسب مسح أجري عام 2010.
وأكد مختصون أن الأسرة التونسية اليوم أصبحت تعيش تمزقا بين مجتمع يتبع نمط معيشة يقوم على توفير الضروريات والكماليات ويقدس المادة والمظاهر وبين إمكانياتها المحدودة والضعيفة بالنسبة إلى العائلات الفقيرة، مشيرين إلى أن هذا الاختلال في التوازن بين الموجود والمنشود يجعل أرباب الأسر يعانون من العجز أمام مطالب أبنائهم بسبب ضيق الحال. وهو ما يوتر العلاقات بين الطرفين ويخلق خلافات تزداد حدة بتقدم الابن في السن حيث تكبر معه مطالبه ورغباته ليصطدم بجدار الإمكانيات المادية الضعيفة لوالديه.
ودعت أسماء السحيري وزيرة المرأة والأسرة وكبار السن، إلى ضرورة تكثيف الجهود للحد من تداعيات جائحة كورونا على الاستقرار داخل الأسرة.
وقالت السحيري إن “الوضع بعد كورونا يقتضى دمجا سريعا للأسر في خطط التنمية، وإدراج التوجهات الأسرية في السياسات العمومية بما يضمن لها الاستقرار المادي والاجتماعي والثقافي والصحي والبيئي، باعتماد تكافؤ الفرص بين الفئات والجهات”.
وتعيش أسر تونسية على وقع مشكلات عدة خلفتها الجائحة، ومنها تصاعد العنف الأسري وتفكك العائلات، نتيجة زيادة حالات الطلاق، فضلا عن ارتفاع نسب الفقر الناجم عن فقدان العمل، وما يمكن أن يخلفه من تداعيات على الأطفال في دراستهم، ونقص رعايتهم الاجتماعية والصحية.
وعرفت تونس في الفترات الأخيرة احتجاجات شملت المناطق المهمشة ذات الكثافة السكانية العالية الواقعة خصوصا بمحافظة أريانة التي عرفت حالة احتقان واسعة في صفوف الأهالي، على خلفية تأخر توزيع المساعدات الاجتماعية الظرفية والاستثنائية التي أقرتها الدولة لفائدة العائلات محدودة الدخل لمساعدتها على مواجهة تبعات إجراءات مواجهة فايروس كورونا المستجد.