الأزمات الاقتصادية والاجتماعية تهدد حياة السودانيين

تضاعفت التحديات الاجتماعية في السودان في ظل صعوبات مناخية زادت من اتساع دائرة الفقر ونقص الغذاء في وقت ترتفع فيه التهديدات المناخية والفيضانات، حيث باتت البيوت في مرمى الهدم فضلا عن قطع إمدادات الغذاء إذ يعيش أغلب الناس على المساعدات الإنسانية في ظل أزمة اقتصادية تؤرق الحكومة التي تحاول إصلاح عقود من الخراب خلفها حكم عمر البشير.
الخرطوم - تدفع الاشتباكات والصدمات المناخية وجائحة كوفيد – 19 الطبقات الاجتماعية في السودان إلى السقوط في هوة الفقر، حيث باتت الصعوبات تشكل تهديدًا لصحة ورفاه مئات الآلاف من السكان الذين يعانون أصلًا ويلات النزاع والعنف منذ عقود.
يواجه كل فرد واحد من أربعة سودانيين حاليًا نقصًا في الأغذية مع ارتفاع الأسعار وتصاعد الاشتباكات وفي ظل موجات الجفاف والفيضانات التي دمرت قدرة السكان على الزراعة.
ونسبت وكالة الأنباء السودانية لنائب رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر (اللجنة الدولية) جيل كاربونييه، قوله في ختام زيارته إلى البلاد الأسبوع الماضي، إن “المجتمعات المحلية التي نجت من سنوات الحرب في النيل الأزرق وجنوب كردفان ودارفور، تعصف بها الآن عدة أزمات متزامنة، فوطأة أعمال العنف المتفرقة وتغير المناخ والانهيار الاقتصادي وجائحة كوفيد – 19 تجبر المزيد من السكان على الاعتماد على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة”.
وأضاف كاربونييه “المجتمعات المحلية واقعة بين شقي الرحى، إذ أن الاشتباكات والجفاف والفيضانات تهدم البيوت وتسلب الناس سبل كسب العيش مرة تلو الأخرى. وترتب على ذلك أن الملايين من الأشخاص في النيل الأزرق وجنوب كردفان ودارفور يعانون من نقص في الغذاء والمياه والرعاية الطبية وغيرها من الاحتياجات الضرورية للبقاء على قيد الحياة، وازداد الوضع تعقيدًا مع تفشي جائحة كوفيد – 19 وتضخم الأسعار ونقص السلع الأساسية”.
وكان كاربونييه قد زار منطقة كاس بولاية جنوب دارفور، حيث توزع اللجنة الدولية مستلزمات منزلية أساسية على 15.600 شخص عادوا إلى المنطقة بعد نزوحهم بسبب الاشتباكات.
كما التقى كاربونييه رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني، الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، ونائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول محمد حمدان دقلو ووزير العدل الدكتور نصرالدين عبدالباري ووالي جنوب دارفور موسى مهدي والأمين العام للحركة الشعبية لتحرير السودان قطاع الشمال ياسر عرمان، والأمين العام لجمعية الهلال الأحمر السوداني عفاف أحمد يحيى.
وتشير التقديرات إلى أن حوالي ربع الأربعين مليون سوداني يحتاجون إلى مساعدات إنسانية عاجلة. وفي الوقت ذاته، ورغم توقيع اتفاق السلام في جوبا، ما يزال خطر تجدد الاشتباكات في مناطق من دارفور وشرق السودان قائمًا، فالأجواء مشحونة بالتوتر وتندلع بين الحين والآخر اشتباكات تجبر السكان على الفرار من بيوتهم.
وتابع كاربونييه “يجب أن نواصل مساعينا للوصول إلى المجتمعات المنسية منذ أمد طويل، مثل منطقة كاس التي تحتاج إلى دعم عاجل، إلا أن المساعدات الإنسانية وحدها لن تضع حدًا لدوامة العنف والنزوح والجوع التي تحاصر الملايين من السودانيين طوال عقود، ومن ثم، فإننا ندعو المشاركين في الاشتباكات إلى احترام حياة السكان المدنيين وممتلكاتهم حتى يتسنى لهم إعادة بناء حياتهم”.
وتتركز أعمال اللجنة الدولية في السودان بالأساس في ولايات النيل الأزرق وجنوب كردفان وإقليم دارفور. وتضمنت هذه الأعمال في عام 2020 توزيع البذور وأدوات الزراعة والمواد الغذائية على 159.000 شخص، وكذلك تحصين أكثر من 366.000 رأس ماشية لحماية سبل عيش السكان وتحسين مستوى الأمن الغذائي.
وتلقت نحو 150 عائلة أيضًا منحًا نقدية لمساعدة أفرادها على تأسيس مشاريع تجارية. كما قدمت اللجنة الدولية هذا العام مساعدات إغاثية إلى 9.200 شخص حتى الآن، وساعدت في تحسين فرص حصول 146.000 شخص تقريبًا على المياه النظيفة.
وفي يوليو، قامت اللجنة الدولية بتوفير بعض المستلزمات الطبية للمستشفى المحلي لمساعدته على استيعاب المتدفقين إليه من المصابين عقب الاشتباكات التي اندلعت في منطقة مستريحة في غرب دارفور.
ويشهد السودان تطورات متسارعة ومتشابكة ضمن أزمة الحكم منذ أن عزلت قيادة الجيش عمر البشير من الرئاسة في 11 أبريل 2019، تحت وطأة احتجاجات شعبية بدأت أواخر العام 2018 تنديدا بتردي الأوضاع الاقتصادية.
ووضعت الحكومة الانتقالية السودانية برنامجا محليا للإصلاحات يهدف إلى استقرار الاقتصاد، وإزالة التشوهات، وتحسين القدرة التنافسية، وتعزيز الحوكمة، يحقق في النهاية الحصول على تأشيرة تخفيف عبء الديون.
وتقضي خطة الإصلاح إلغاء دعم الوقود الكبير لإفساح المجال للمزيد من الإنفاق الاجتماعي، بما في ذلك برنامج دعم الأسرة في السودان والإنفاق الصحي، كما سيتم توسيع القاعدة الضريبية، من خلال ترشيد الإعفاءات الضريبية.
وتعتزم السلطات اتخاذ تدابير تجاه سعر صرف موحد وإرساء إجراءات مقاصة في السوق في مقابل الحصول على التمويل الكافي من المانحين لدعم السكان من خلال الانتقال الصعب إلى اقتصاد قائم على السوق يعمل بشكل جيد.
كما تعاني البلاد من أزمات متجددة في الخبز والطحين والوقود وغاز الطهي، نتيجة ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه في الأسواق الموازية غير الرسمية.
وقام السودان في يونيو الماضي ببعض الإصلاحات لإقناع المانحين بجدية الحكومة في تطبيق شروط الحصول على الدعم.
وبدأ السودان بالتخلص من أعباء العشرات من شركات القطاع العام التي أصبحت حملا ثقيلا على الدولة الغارقة في أزمات اقتصادية ومالية لا حصر لها.
ويمر الاقتصاد السوداني بأزمة طاحنة، إذ يتجاوز التضخم نسبة 100 في المئة وتهوي العملة بينما تعمد الحكومة إلى طباعة النقود لدعم أسعار الخبز والوقود والكهرباء.
وأقرت الحكومة أواخر الشهر الماضي خطة لفتح تجارة الذهب المجزية أمام المستثمرين من القطاع الخاص، لتسمح لهم بمناولة جميع الصادرات وتولي النشاط بدلا من أن تتولاه الدولة.
وأعلنت أيضا عن برنامج تجريبي لتحويل مبالغ نقدية مباشرة إلى الأشد احتياجا بينما تحاول أن تخفف من التكلفة الباهظة لدعم الوقود.