الأحزاب تسترضي المصريين بالمساعدات على حساب الإصلاحات

بعض الشواهد أظهرت أن الكثير من المصريين لا يعنيهم وجود مآرب خفية وراء المساعدات أو التعامل معها باعتبارها رشوة انتخابية.
السبت 2025/02/15
المصريون لا يمانعون أن يكون للأحزاب دور اجتماعي

القاهرة - أكد عدم اكتراث شريحة من المصريين بتدشين حزب جديد مقرب من الحكومة (الجبهة الوطنية) عدم اهتمام غالبية المواطنين بالحديث في السياسة سلبا أو إيجابا.

ومر نبأ موافقة لجنة الأحزاب السياسية على تدشين حزب “الجبهة الوطنية” رسميا، الاثنين، مرور الكرام، مع أنه نجح خلال فترة قصيرة في أن يصبح حزبا شرعيا، حيث جمع عشرات الآلاف من التوكيلات الشعبية، ما يوحي أن قطاعا من المواطنين قاموا بتلك الخطوة نظير ما سوف يحصلون عليه من مساعدات وخدمات.

وتحولت بعض الأحزاب القريبة من السلطة إلى ما يشبه كيانات اجتماعية تقوم بدور من المفترض أن تقوم به الحكومة في مجال دعم الفقراء ومساعدتهم على تجاوز الظروف المعيشية الصعبة، وتوفير مظلة حماية، لكن الظروف الاقتصادية لا تسمح بذلك، ما جعل الأحزاب التي تتوافر لها قدرة مالية تقوم بهذا الدور مؤخرا.

وأظهرت بعض الشواهد أن الكثير من المصريين لا يمانعون تلك الوضعية للأحزاب، ولا يعنيهم وجود مآرب خفية وراء المساعدات، أو التعامل معها باعتبارها رشوة انتخابية، فالمهم أن يجد الفقير قوت يومه، وتتزوج الفتاة المنتمية لأسرة بسيطة، وتستطيع الأرملة أن تعّلم وتعالج أولادها على نفقة حزب لديه وفرة مالية.

جمال أسعد: الخطر يكمن في البحث عن شعبية حزبية لأهداف انتخابية
جمال أسعد: الخطر يكمن في البحث عن شعبية حزبية لأهداف انتخابية

وهناك أحزاب نشطت شعبيا خلال فترة قصيرة عبر المساعدات، ما أثر بشكل سلبي على حضورها السياسي، لأنها تناست دورها الحقيقي في إعداد كوادر قادرة على التأثير ومناقشة قضايا حيوية وركزت على ترضية المواطنين بالمبادرات الاجتماعية.

ولم يكن لينجح حزب الجبهة الوطنية في الحصول على شهادة الاعتماد كحزب نشط وشرعي من دون أن يقدم مساعدات لبسطاء زحفوا على مقراته ليقدموا توكيلات بإنشائه، وسط مخاوف سياسية من أن يتحول المولود الجديد إلى نسخة من الأحزاب الحالية، مثل “مستقبل وطن”، “حماة وطن”، الشعب الجمهوري”، كرموز ماهرة في تقديم المساعدات والخدمات.

ونشطت تلك الأحزاب في توزيع المساعدات بالتزامن مع اقتراب انتهاء الدورة البرلمانية الحالية، وعقد الانتخابات التشريعية قبل نهاية العام الجاري، ولم يقدم أي حزب روشتة للإصلاحات، أو يكشف عن رؤية لما يجب أن تكون عليه البلاد في ظل حديث من جانب الحكومة حول أنها لا تمانع القيام بإصلاحات.

يرى مراقبون أن الإصلاحات ليست من صميم عمل السلطة وحدها، لأن الأحزاب لها دور فعال لكنها غير مؤثرة، وترى الحكومة أن الكيانات الحزبية مستسلمة للواقع، ولديها أولويات أهم من الإصلاح السياسي، مثل الخدمات والمساعدات والأدوار الاجتماعية، ولذلك سوف تظل مصر تعاني من فراغ سياسي خطير.

وجزء من مشكلة الكثير من الأحزاب المصرية أنها اختزلت الإصلاحات أو فتح المجال العام في وجود قوى معارضة تتحدث بأريحية من خلال جلسات الحوار الوطني، مقابل قوى موالية للسلطة، ما يجعل هناك قدر من التوازن الظاهر، وهي نظرة ضيقة لطبيعة الإصلاحات السياسية المطلوبة.

وثمة مبررات منطقية، حيث تفسر بعض الأحزاب تركيزها على المساعدات بأنها من أجل الحصول على شعبية واسعة، تمكنها من فرض وجودها على الساحة عندما تكون هناك إرادة للقيام بإصلاحات سياسية.

وهناك من يردون على تلك الحجة بأن بعض الأحزاب تملك جماهيرية، وحضورا خدميا قويا ولم تتحرك خطوة واحدة لتصنع لنفسها نفوذا سياسيا حقيقيا.

ويظهر انكفاء الكثير من الأحزاب في عدم التفكير في المنافسة على السلطة أو المشاركة في تشكيل الحكومة، فالمهم أن تظهر كمساعدة للنظام في تحجيم معدلات الفقر والعوز، وتحسين صورة الحكومة وقت الأزمات، ودخول السباق على مقاعد برلمانية والحصول على مقاعد في انتخابات مجلس النواب.

◙ بعض الأحزاب القريبة من السلطة تحولت إلى ما يشبه كيانات اجتماعية تقوم بدور من المفترض أن تقوم به الحكومة في مجال دعم الفقراء ومساعدتهم

وقال الكاتب والمحلل السياسي جمال أسعد لـ”العرب” إن التنافس بين الأحزاب في مجال الخدمات والمساعدات أصاب الحياة السياسية بالموت البطيء، ومن الصعب الحديث عن انفراجة في ظل قناعة الكثير من القوى الحزبية أن دورها اجتماعي وليس سياسيا، وهو يرتبط بطبيعة الكوادر التي تدير الأحزاب، حيث يتم انتقاء أهل الثقة والموالين، ويقود استمرار تلك الوضعية إلى خطر يجب أن ينتبه له الجميع.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن تركيز السياسيين على الاحتفاظ لأنفسهم بعلاقات جيدة مع دوائر السلطة يعرقل الوصول إلى إصلاحات حقيقية، تحدث زخما في الشارع وتقدم نقدا لتصورات الحكومة، والسعي لتصويبها، لكن الخدمات الاجتماعية أصبحت ذات طابع سياسي، كأن الأحزاب ولدت لتؤدي دور الحكومة.

وأشار أسعد إلى أن الخطر يكمن في البحث عن شعبية حزبية لأهداف انتخابية من خلال المساعدات، ما يعيد إنتاج العقليات نفسها والأسلوب والوضعية السياسية ذاتهما مع البرلمان المقبل، عندما تسيطر عليه أغلبية تعتقد أن المعارضة خطر على الأمن والاستقرار، مع أن الحفاظ عليهما يتطلب نشاطا قويا للمعارضة.

وبات النظام المصري مدفوعا أكثر نحو التعامل مع التماهي الحزبي للفقراء على أنه ظاهرة مسيئة له، لأن مساعدات الأحزاب لن تنتشل البسطاء من عوزهم، وسوف تظل السلطة متهمة بإضعاف الحياة السياسية وتوظيفها لخدمة ملفات من صميم مسؤوليتها، واستمرار تلك الوضعية يثير الشكوك حول نوايا الإصلاح.

ومهما ولدت كيانات حزبية سابقة التجهيز لن تفلح في تحسين صورة السلطة والإيحاء أنها تسمح بالتعددية الحزبية، لأن النتائج سوف تظل كما هي، ولم يعد هناك سبيل سوى منح حرية حركة جيدة لأحزاب المعارضة كبداية لإصلاح سياسي متوازن، ولتبقى الأحزاب القريبة من السلطة على حالها، كوسيلة لتقديم مساعدات وخدمات.

2