افتتاحية صحافية تزيد منسوب التوتر بين فرنسا والجزائر

الحكومة الجزائرية غير مطمئنة لدوائر قرار الحليف الباريسي.
الثلاثاء 2021/06/08
المواقف من العملية السياسية ستحدد ملامح العلاقات الفرنسية الجزائرية

الجزائر - أظهر الإعلام الفرنسي تفاوتا في رؤية الأوضاع السائدة بالجزائر بشكل أعطى الانطباع بأن مراكز النفوذ داخل الإليزيه غير منسجمة مع القيادة السياسية في واحدة من أكبر المستعمرات القديمة، مما يفرض بقاء القيادة الحاكمة في الجزائر، في حالة توجس في ظل الغموض الذي يلف أكبر الحلفاء لها.

ويبقى مفعول الافتتاحية الناقدة التي وردت في صحيفة “لوموند” الفرنسية، يلقي بظلاله على السلطة الجزائرية، خاصة مع تجاهل إدارة الصحيفة لرد السفير الجزائري بباريس محمد عنتر داود، مما يعكس موقف تيار نافذ داخل القرار الفرنسي تجاه السلطة التي فرضت نفسها في أعقاب الحراك الشعبي.

وعكس الحوار الذي وصف بـ”المداهن” الذي أجرته مؤخرا مجلة “لوبوان” مع الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، بواسطة كل من الكاتبين الجزائريين المقيمين بباريس كمال داود وعدلان مدي، هذا التوجس حيث تفاجأت دوائر القرار في الجزائر، بالافتتاحية الناقدة لـ”لوموند” أياما قليلة فقط بعد الحوار.

وفيما ظهر حوار لوبوان، دون اعتراضات أو توقيفات ولا حتى مقاطعات، مما جعل البعض في الجزائر لا يستبعد أن يكون الحوار قد جرى بتبادل أسئلة وأجوبة فقط، رغم ظهور كلا الرجلين معه في صورة بقصر المرادية، فقد تضمنت افتتاحية لوموند، تعرية للواقع السياسي المضطرب في البلاد، وهو ما استدعى تدخل السفير الجزائري، بتوجيه رد لإدارة الصحيفة لا يزال مجهول المصير.

ولم يتم لغاية الاثنين، نشر رد السفير الجزائري، الذي طالب بذلك “وفقًا لحق الرد، في نفس المكان الذي نشرت فيه الافتتاحية”، وفق لما جاء في رسالته التي أوردتها وسائل إعلام حكومية وخاصة.

وتساءل السفير الجزائري في رده عما أسماه بـ”الأسباب الحقيقية لمثل هذا التحامل الذي يتجدد خاصة مع اقتراب أي موعد سياسي، وأن الافتتاحية التي حررت من قاعة تحرير باريسية، دون انتظار أن يطلع مبعوثكم الخاص الذي يتأهب للذهاب إلى الجزائر من 8 إلى 14 يونيو، على حجم إقبال الشعب الجزائري لاسيما الشباب على هذه المرحلة الحساسة من البناء المؤسساتي للجزائر الجديدة، أشارت بذاتية غريبة إلى موعد ضائع للديمقراطية الجزائرية”.

كما أعرب عن أسفه لـ”الطابع الشائن والعنيف للنص الذي استهدف شخص رئيس الجمهورية والمؤسسة العسكرية، وأن هذه الافتتاحية تدعو إلى التساؤل حول الأهداف الحقيقية لمثل هذا العداء الذي يتجدد خاصة عند اقتراب أي موعد سياسي في بلادي”.

تجاهل إدارة صحيفة "لوموند" لرد السفير الجزائري في باريس يعكس موقف تيار نافذ داخل القرار الفرنسي تجاه السلطة في الجزائر

وأضاف “في ظل هذا العداء الذي لا يصدق، يحق للمرء أن يتساءل، بشكل شرعي، عن دوافع الطرف الآخر، عندما يسارع بإطلاق حكم تقييمي يبرز فيه أن الجزائر في مأزق سلطوي، وهل تخدم صحيفة لوموند المصالح الغامضة للجماعات المناهضة للعلاقة السلمية بين الجزائر وفرنسا”؟

وتابع عنتر داوود بأن “التعبيرات الذاتية المستخدمة في الصحيفة مثل النظام، والواجهة المدنية للجيش، وردود الفعل السلطوية، والقمع الهائل، كلها تأتي ضمن الكليشيهات المبتذلة، المنقولة التي أعادها عدد من وسائل الإعلام إلى ما لا نهاية”.

ويبدو أن ممثل الجزائر في باريس، حمل امتعاض سلطة بلاده من محتوى الافتتاحية الذي قدم رؤية مغايرة للخطاب المروج له من طرف الدوائر الرسمية في البلاد، وسلط الضوء على الأزمة السياسية في ظل القطيعة بين السلطة والشارع، وتجاهل مطالب التغيير التي رفعها الجزائريون منذ أكثر من عامين.

وقالت “لوموند” بأن “نظام الجزائر الجديدة لا زال يراهن على الأساليب القديمة، حيث سرع منذ مطلع العام الجاري من وتيرة الملاحقات القضائية، كما لم يشكل تعليق المسيرات بسبب كورونا حافزا له لتخفيف حدة القمع أو العفو عن بعض المعتقلين”.

ولفتت إلى أن “اليد الممدودة التي تعهد بها تبون في 2020، تحولت إلى سياسة قبضة حديدية، حيث ضاعفت السلطات من وتيرة الاعتقالات والملاحقات القضائية والإدانات للنشطاء والمعارضين والإعلاميين ورواد مواقع التواصل، من أجل منع الحراك الذي أعاقه الوباء من أن يستعيد عافيته”.

واستعانت بشهادة الأديب والروائي الجزائري ياسمينة خضرا (محمد مولسهول) الذي ذكر بأن “الجزائر تستحق مصيرا أفضل”.

وأضاف “لقد عانينا من أسوأ الاعتداءات ودفعنا ثمنا باهظا مقابل أقل تقدير، والآن تنهار تضحياتنا ضد عبثية نظام لا يعرف إلى أين يتجه، دائما ما ينتهي الأمر بالاستبداد إلى التهام نفسه”.

وعشية توجه الجزائر إلى انتخابات نيابية مبكرة، عادت الصحيفة، إلى التذكير بالظروف التي جرت فيها الانتخابات الرئاسية المنتظمة في ديسمبر 2019، وإلى “العزوف الشعبي الكبير في انتخابات أوصلت تبون إلى قصر المرادية، على وقع مظاهرات حاشدة لم تنتج عنها القطيعة المأمولة التي كان يتوق إليها الشارع الجزائري”.

وعكس التناغم البارز في علاقة تبون بنظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، بما يمثله من تيار سياسي في فرنسا، وإشادته به في أكثر من تصريح على أنه “شخصية نزيهة ومنفتحة ومستعدة لفتح صفحة جديدة مع الجزائر”، إلا أن الأمر على ما يبدو لا يستقيم على مختلف الدوائر والتيارات النافذة في القرار الفرنسي.

4