اشتراط رفاهية العائلة للقبول في مدارس خاصة يزعج الأسر المصرية

لم تعد الكثير من المدارس الخاصة في مصر تشترط أن يكون طلابها من أبناء الأسر الميسورة فحسب، بل أصبحت تشترط النفوذ والشهرة والمنصب والطبقة الاجتماعية المرموقة حتى أن هناك أسئلة يخضع لها الطالب تطال دائرة علاقات الأسرة واشتراكات الأندية وأهم المزارات السياحية للعائلة ونوعية السيارات الخاصة التي تستخدمها. ويرى الخبراء أن توافر المال لم يعد وحده كفيلا بتعليم الأبناء، بل رفاهية العائلة في المقام الأول.
القاهرة - اعتقد أحمد سمير وهو صحافي مصري ومدير تحرير برامج تلفزيونية، أن عمله في مهنة مقبولة مجتمعيا وامتلاكه ما يكفي من المال لتعليم أبنائه في بيئة متحضرة سيكون كافيا لإلحاق طفله الصغير بمدرسة خاصة متميزة، بعدما صُدم باشتراطات غير منطقية لقبول التلاميذ، لا هي مادية ولا اجتماعية، بل تتنزل في إطار الرفاهية.
تقدم الأب بأوراق طفله الصغير لأربع مدارس في أحياء راقية بالقاهرة، لكن الشروط المبالغ فيها قادت طلبه إلى الرفض لكونه لا يشترك في ناد اجتماعي شهير، وليست لديه وحدة سكنية بمنطقة سياحية وطفله يجهل بعض المأكولات المعروفة لدى الطبقات المرفهة، ولم يُجب على الأسئلة التي طُرحت عليه أثناء المقابلة الشخصية.
وكُتب على ملف الطفل “غير لائق” دون أسباب معلنة، لكنه علم من بعض الموظفين بشكل غير رسمي أن المدارس الخاصة الشهيرة أصبحت تستهدف شريحة معينة من الأسر، وتركز الاهتمام على العائلات المعروفة والمرفهة، لأسباب مالية في المقام الأول، إضافة إلى أن ذلك يكون دعاية إيجابية للمدرسة وسط المجتمع.
المدارس الخاصة الشهيرة أصبحت تستهدف شريحة معينة من الأسر وتستقطب العائلات المعروفة والمرفهة
وقال الأب لـ”العرب” إنه أبلغ كل مدرسة من المدارس التي اختارها بأنه مستعد لدفع المصروفات الدراسية دفعة واحدة دون تقسيط على دفعات مختلفة، لكن جاء الرد بالرفض بدعوى “عدم وجود أماكن فارغة”، رغم أنه استعان بدائرة علاقات قوية لمسؤولين داخل وزارة التربية والتعليم، ولم يتم قبول الطفل.
وأصبحت المدارس الخاصة والدولية في مصر تضع شروطا صارمة للالتحاق لا تعبر عن مستوى الطفل، ولا مهاراته وإمكانياته، غير أن أغلبها يرتبط بالمستوى الاجتماعي والترفيهي للأسرة ونفوذها وشهرتها وسط باقي العائلات حتى أن هناك أسئلة تطال دائرة علاقات الأسرة واشتراكات الأندية وأهم المزارات السياحية للعائلة ونوعية السيارات الخاصة التي تستخدمها.
وتقدم عدد من نواب البرلمان بطلبات إحاطة ومناقشة جراء تصاعد شكاوى أولياء الأمور من الاستهداف المعنوي والنفسي الذي يتعرض له الأطفال أثناء المقابلات الشخصية للتقديم في المدارس، فيما فتحت وزارة التربية والتعليم تحقيقات حول وقائع وصلتها بشأن القضية ذاتها، لكن المعضلة ترتبط بعدم امتلاك أي جهة حكومية وصاية ورقابة على آلية القبول والرفض في المدارس الخاصة بمصر.
وفي الكثير من المدارس لم يعد توافر المال وحده كفيلا بتعليم الأبناء، ما لم يكن مع القدرة المالية نفوذ وشهرة ومنصب وطبقة اجتماعية معينة تنتمي إليها الأسرة بعد أن تغيرت قواعد القبول في المدارس المتميزة وأصبح البقاء لأبناء الفئات المرفهة والعائلات الكبيرة.
وقالت عبير حمدي وهي مسؤولة بقطاع التعليم الخاص بوزارة التعليم لـ”العرب” إن كثرة رفض الأطفال في المدارس الخاصة المعروفة يرتبط بطبيعة المقابلات الشخصية التي تتطرق إلى أمور بعيدة عن التعليم والتربية، وتركز على النواحي الترفيهية والاجتماعية.
مثال ذلك، وفق حمدي، السؤال عن أماكن نزهة الأسرة، واسم النادي الذي تشترك فيه، وماركات الملابس والأحذية والسيارات التي يفضلونها، وأي شاطئ أو قرية سياحية تقضي في الأسرة إجازة الصيف، وأسماء المطاعم والمقاهي المفضلة، وهل لدى الأسرة عاملة بالمنزل أم لا.
وأقرت المسؤولة ذاتها بأن “وزارة التربية والتعليم، واقعيا، لا تملك سلطة على المدارس الخاصة والدولية بشأن معايير وشروط وأسباب القبول والرفض، لأن ذلك لائحة داخلية لكل مدرسة”، لافتة إلى أن الكثير من المدارس أصبحت تتناغم فكريا وثقافيا مع الأغنياء الباحثين لأبنائهم عن بيئة تعليمية محاطة بسياج يحظر على أبناء الطبقات الأخرى الاقتراب منه.
ومن الطبيعي أن تٌقصي اختبارات المدارس الخاصة والدولية أبناء الأسر المتوسطة حتى وإن كانوا يملكون تكلفة تعليم أبنائهم، لكنهم يمتهنون حرفا تبدو منبوذة ومرفوضة بالنسبة إلى الأسر الميسورة، لذلك يتم التحري من إدارة المدرسة على الأسرة من حيث الرفاهية والثقافة ووظيفة الأبوين حتى صار التقديم للمدارس أشبه بطريقة الالتحاق بكليات الجيش والشرطة.
ولأن المال لا يزال متحكما في توجهات المدارس الخاصة، فإن أصحابها يدعمون توجهات الأسر الراقية وأسلوب حياتها وثقافتها وتقاليدها لاستقطاب أكبر عدد من أبناء هذه الطبقة ليكونوا بالنسبة إلى المدرسة نفوذا ماليا وسلطويا وحصانة سياسية واقتصادية، ويمكن اللجوء لأرباب هذه العائلات عندما تواجه المدرسة مشكلة مستقبلية مع دوائر صناعة القرار.
ولدى المدارس الخاصة والدولية مبررات تبدو مقبولة في مسألة رفض أطفال أسر بعينها، فالمدرسة ليست وحدها المسؤولة عن تعليم الطفل وتربيته وتقويم سلوكياته، والمفترض أن الأسرة شريك رئيسي في ذلك، ولا بد أن يكون مستوى وثقافة ووضعية المدرسة بكل تفاصيلها موازيا أو على الأقل متقاربا من الأسرة، فإذا كان المستوى التعليمي متحررا من القيود والأعراف، لن يتم قبول ابن لأسرة منغلقة فكريا.
وقال مصطفى خليل وهو مدير تنفيذي لمدرسة خاصة بحي مصر الجديدة في القاهرة، إن رفض بعض المدارس أبناء الأسر غير المرفهة ليس بالضرورة أن يكون استهدافا أو تمييزا ضدهم، بل يمكن تفسيره أنه حماية لهم من التعايش داخل بيئة تعليمية منفصلة كليا عن الأسرة، ما يؤثر على الطفل، سلوكيا ونفسيا وتعليميا، ويصبح في صراع بين تفضيل البيئة المدرسية أم المنزلية، وكلتاهما متناقضتان.
كثرة رفض الأطفال في المدارس الخاصة المعروفة يرتبط بطبيعة المقابلات الشخصية التي تتطرق إلى أمور بعيدة عن التعليم والتربية
ولفت في تصريحات لـ”العرب” إلى أن الأسرة لو كانت تتمسك بعادات وتقاليد شرقية صارمة، في حين أن المدرسة تتبع أسلوبا عصريا وأوروبيا في التربية والسلوكيات والعادات والانفتاح غير المحدود على الآخر، ستكون هناك حلقة مفقودة في حياة الطالب ويعيش طوال الوقت حالة من الازدواجية لأن البيئة التعليمية مغايرة لبيئة الأسرة، وهذه أسباب تكفي لرفض أبناء الأسرة المنغلقة في المدارس المنفتحة.
وهناك رؤى أخرى تبرر لأصحاب المدارس التعامل مع الأسر الراقية والمرفهة فقط، بعدم إثارتهم للأزمات في حال رفع المصروفات الدراسية، وقد يأتي اليوم الذي تعجز فيه الأسرة عن دفع المستحقات المالية للمدرسة، وبالتالي تستبعد الطفل للحفاظ على حقها مستقبلا، وهذا أسلوب معتمد عالميا، إضافة إلى عدم وضع التلميذ تحت ضغط تغيير المسار التعليمي من خاص مميز إلى حكومي متهالك.
ويحق لأي مدرسة خاصة أو دولية في مصر إذا تأخرت الأسرة عن دفع أقساط المصروفات لعام دراسي واحد، أن تقوم بتحويل التلميذ إلى أقرب مدرسة حكومية عادية، ما ينعكس سلبا على الطفل، نفسيا وسلوكيا ومعنويا وتربويا، لحرمانه من البقاء في بيئة تعليمية متميزة وعصرية، وإجباره على استكمال تعليمه في مدرسة رسمية تشكو الإهمال والعشوائية وتضربها الفوضى والسلوكيات السيئة.
وتتعارض هذه المبررات مع الفئات الأسرية التي بدأت تغير نظرتها للتعليم، وأصبحت تركز على الاستثمار في مستقبل أبنائها من خلال تعليمهم في مكان لائق وآدمي بعيدا عن المدارس الحكومية المجانية مهما كانت التكلفة والتضحيات والأعباء، وهناك الكثير من عائلات الطبقة المتوسطة باتت مقتنعة بالتعليم كمخرج وحيد لإنقاذها من دوامة الفقر.
ومعضلة بعض الأسر أنها تعتبر عزل أبنائها عن أبناء الطبقات الأخرى الحصن المنيع الذي يحميهم من السلوكيات والتصرفات السيئة، لكن هذا النمط التربوي يعلم الأبناء أن الاقتراب من شخص غير تابع لطبقتهم الاجتماعية يحمل خطورة عليهم، ما يكرس العزلة والحقد ويوسع الفجوة بين أبناء الأغنياء وأبناء الفئات الأخرى.