استمرار غلق معبر رأس جدير يرتد أزمة في الجنوب التونسي

توقف الحركة التجارية في المناطق الحدودية بين تونس وليبيا يؤثر على نحو 50 ألف من التجار وأفراد عائلاتهم.
الخميس 2024/06/27
ركود التجارة في بن قردان التونسية القريبة من الحدود الليبية بسبب استمرار غلق معبر راس جدير

تونس – يتواصل إغلاق المعبر الحدودي رأس جدير للشهر الثالث على التوالي، بينما اقتصرت الحركة الجزئية على الحالات الإنسانية المستعجلة والبعثات الدبلوماسية وتم تحويل العبور إلى منفذ الذهيبة – وازن، مما تسبب في توقف نشاط غالبية المحلات على الطريق المؤدية للمعبر، وأصبح مورد رزق آلاف التجار في المنطقة مهدّد.

وأغلق المعبر البريّ الذي يشكّل أبرز نقطة حدودية بين البلدين في 19 مارس الماضي إثر اشتباكات بين مجموعات مسلحة وقوات أمنية ليبية.

ويقول عبدالله الشنيتر (45 عاما) وهو واحد من آلاف التجار الذين كسدت تجارتهم في منطقة بن قردان التي تبعد نحو 32 كلم عن البوابة الحدودية إن "المعبر مصدر رزقنا الوحيد لأن الدولة تركتنا"، مضيفا "كل المحلاّت والدكاكين مغلقة... يجب أن تجد الدولة حلولا، لماذا نعتمد كليا على ليبيا؟".

وتمثّل النقطة الحدودية التي تبعد حوالي 170 كيلومترا غرب طرابلس والتي تعتبر نقطة العبور الرئيسية بين غرب ليبيا وجنوب شرق تونس وهي "شريان حياة" لكل المناطق المتاخمة لها من الجانبين التونسي والليبي.

وكانت تشهد نشاطا كثيفا لمرور المسافرين والشاحنات والسيارات، حيث يمر فيها جزء كبير من التجارة بما فيها غير المشروعة مثل التهريب.

ووفقا لأرقام الديوان الوطني للمعابر الحدودية البرية، عبر خلال العام 2023 نحو ثلاثة ملايين و400 ألف مسافر من الليبيين والتونسيين من أجل السياحة بين الجانبين وكذلك من أجل العلاج داخل مصحات ومستشفيات خاصة في تونس بالنسبة لليبيين. أما التونسيون فيتنقلون من أجل التجارة أساسا. كما قطعت ما لا يقل عن 1.5 مليون بين سيّارات وشاحنات تجارية المعبر، بحسب تقارير إعلامية محلية.

ويؤكد تاجر الخضار لزهر كذوب البالغ من العمر 35 عاما أن تداعيات تراجع النشاط الاقتصادي أثّرت على القدرة الشرائية لعملائه قائلا إن "التجار الذين كانوا ينفقون ما بين 20 و30 دينارا (حوالي 10 دولارات) لشراء الخضار أصبحوا ينفقون خمسة دنانير فقط (حوالي ثلاثة دولارات)"، مضيفا "نعيش على الأوهام، كل يوم يعلنون أنهم سيفتحون المعبر، ولكن ذلك لم يحصل".

وتبعد مدينة بن قردان نحو مئتي كيلومتر عن العاصمة الليبية وتعجّ أسواقها خلال الأيام العادية بالستائر والأغطية والأقمشة والأجهزة المنزلية وإطارات السيارات، فضلا عن محلات بيع البنزين التي تساهم في مدّ بقية الأسواق التونسية وتعيش عديد من العائلات منها في الجنوب التونسي المهمّش حيث فرص العمل نادرة.

وتعدّ تجارة البنزين المهرّب من أهم الأنشطة التي تدرّ أرباحا في المنطقة حيث يباع بنصف السعر المعتمد رسميا.

ووفقا لإحصاءات رسمية، تحتلّ ليبيا في المرتبة الأولى بين الدول العربية والإفريقية في التبادل التجاري مع تونس الذي بلغت قيمته بين البلدين 2.7 مليار دينار (حوالى 850 مليون دولار) خلال العام 2023.

وتنشط التجارة في المنطقة دون مراقبة جبائية وجمركية وتغضّ السلطات الطرف عن ذلك لأنها تعتبر هذه التجارة بديلا عن التنمية التي تحتاجها المنطقة.

ويؤكّد رئيس منظمة المجلس الأعلى لرجال الأعمال التونسيين الليبيين بمدنين منير قزم تغيّر المشهد اليوم، اذ أصبحت المناطق والمحافظات المحاذية للمعبر تواجه ركودا تجاريا يؤثر على نحو 50 ألف من التجار وأفراد عائلاتهم الذين هم اليوم عاطلون عن العمل، وهو ما اعتبره "مؤسف جدّا."

ويضيف قزم "المعبر بمثابة القلب النابض للاقتصاد في منطقة الجنوب الشرقي ومحرّك الاستثمار في المحافظات المجاورة التي تتجاوز فيها نسبة البطالة 20 بالمئة بينما بلغ المعدل العام 15.8 بالمئة خلال 2023"، مشيرا إلى أن "سياحة الجوار تواجه ركودا وشللا مميتا"، بعد أن كان جزء مهم من الليبيين القادمين للسياحة يتوجهون إلى جزيرة جربة مع حلول فصل الصيف.

وتأجّل فتح المعبر من الجانب الليبي بسبب قيام مجموعات مسلحة من مدينة زوارة بإغلاق الطريق الساحلي المؤدي إلى المنفذ الحدودي من الجانب الليبي. وأقام مسلحون حواجز ترابية لمنع حركة المرور احتجاجا على قرار وزير الداخلية عماد الطرابلسي تسليم إدارة المعبر إلى السلطات الأمنية في مقابل تقديم وعود تنموية في المنطقة.

وظلت المنطقة مهمّشة ومنسية لفترة طويلة في ظل نظام معمّر القذافي. واستغلّ سكان المدينة قربهم من المعبر وسيطروا عليه بعد ثورة فبراير 2011 وجنوا أموالا كثيرة بفضل التجارة غير القانونية في مواد مختلفة أساسها الوقود والمنتجات المدعومة الأخرى.

وتوجه تاجر المواد المنزلية رضا الجراي (42 عاما) بنداء إلى السلطات التونسية قائلا "اعطونا بديلا إذا ما تواصل الغلق... إلى متى سيتواصل هذا الوضع؟".