استفحال أزمة الليرة يهدد نظام الرعاية الصحية اللبناني بالانهيار

انعكست ملامح الأزمة المالية والاقتصادية التي تعصف بلبنان منذ أشهر بوضوح أكبر على قطاع الرعاية الصحية الذي فقد بوصلة نشاطه وبدأ يطلق صفارات الإنذار من انهياره في ظل استمرار قيود مصرف لبنان المركزي المفروضة على استيراد المستلزمات الطبية والأدوية وغيرها جراء استفحال مشكلة الليرة.
بيروت - اتسعت مخاوف أوساط الرعاية الصحية في لبنان من دخول المستشفيات في مسار الانهيار الحتمي نتيجة الأزمة المالية، والتي كبلت نشاطها وجعلت الأطباء يستغيثون من خطر إفلاس الكيانات الصحية في ظل جائحة كورونا.
ويواجه القطاع الذي يضم أكثر من 126 مستشفى خاصا كغيره من القطاعات الحيوية الأخرى أزمة غير مسبوقة بسبب شح السيولة لدى مصرف لبنان المركزي، والذي يرفض منح اعتمادات لاستيراد المستلزمات الطبية والأدوية وغيرها.
ولا توجد أرقام رسمية عن الخسائر التي تكبدها القطاع الصحي منذ تفجر الاحتجاجات ضد الطبقة الحاكمة قبل نحو عامين، غير أن خبراء يقدرونها بالملايين من الدولارات.
وتشير التقديرات إلى أن المستحقّات المتراكمة على الدولة منذ عام 2012 كانت تساوي نحو 1.35 مليون دولار وأصبحت اليوم بعد تراجع العملة اللبنانية نحو 700 مليون دولار، لكن المختصين يعتقدون أنها أكثر من ذلك بكثير.
ويؤكد أشرف أبوشرف نقيب أطباء لبنان في بيروت أن أزمة القطاع الطبي هي جزء من الأزمة العامة بسبب انهيار الوضع الاقتصادي وانهيار المداخيل وأنه في ظل هذه الأزمة يحاول الأطباء تأمين سبل العيش الكريم في بلد أفلست دولته وأفلس فيه الشعب، ولكن الأمر ليس سهلاً، مما دفع العديد منهم إلى الهجرة.
ونسبت وكالة الأنباء الألمانية إلى أبوشرف قوله إن “الأسعار الرسمية في المستشفيات هزيلة الأمر الذي لا يشجع الأطباء على الاستمرار في عملهم، حيث لا تساوي التعرفة أحياناً كلفة المستلزمات المستخدمة لإنجاز العمل الطبي”.
وتابع أبوشرف “لقد طالبنا وزارة الصحة والضمان الصحي بربط تسعيرة جدول الأعمال الطبية بمؤشر غلاء المعيشة، إذ لا يمكن أن تبقى التسعيرة ثابتة منذ عشرين عاماً، لكنهم رفضوا مناقشة الموضوع بحجج عديدة منها عدم توفر المال”.
وبلغ سعر صرف العملة المحلية السبت الماضي سقوطا جديدا مقابل الدولار الذي تجاوز 17 ألف ليرة في السوق السوداء في مستوى غير مسبوق مما دفع المحتجين إلى قطع الطرقات والمحلات التجارية إلى إقفال أبوابها.
وتخطى سعر صرف الدولار في السوق السوداء 17.5 ألف ليرة وذلك بعد تدهور تدريجي عن سقف الـ14 ألفا على مدى الأيام الماضية.
ويأتي هذا الصعود للدولار وسط مخاوف من تسارع انهيار سعر الصرف وتفشي الفوضى في وقت تعيش فيه البلاد أزمة نقص في البنزين والديزل الذي بدأ ينفد من العديد من المستشفيات والأفران وسط تقنين شديد في التيار الكهربائي لعدم توافر كميات كافية من الفيول لتشغيل معامل الإنتاج.
وترفض حكومة تصريف الأعمال برئاسة حسان دياب رفع الدعم الذي يؤمنه مصرف لبنان المركزي لتغطية كلفة المواد الأساسية ومن بينها الأدوية والمستلزمات الطبية بالعملة الصعبة.
كما ترفض ترشيد الدعم من دون إقرار مشروع البطاقة التمويلية للأسر الفقيرة الذي تدرسه اللجان النيابية المختصة من أجل إقراره، في حين أن المركزي يدعو الحكومة إلى إقرار خطة لترشيد الدعم عن المواد الأساسية، مشيراً إلى أنه لن يستعمل التوظيفات الإلزامية لتأمين العملات.
ومع اقتراب احتياطات المركزي من العملات الأجنبية ضمن الفائض عن التوظيفات الإلزامية من النفاد، يزداد قلق اللبنانيين على أمنهم الصحي والغذائي بعد الانهيار المتمادي لسعر صرف الليرة أمام الدولار، حيث فقدت العملة الوطنية 90 في المئة من قيمتها منذ أكتوبر 2019.
وتقول الأوساط الاقتصادية اللبنانية إنه إذا كان المواطنون غير قادرين على التحكم في الأمراض الخطيرة التي تصيبهم والتي تستلزم الاستشفاء، وغير قادرين على تأجيلها إلى حين إيجاد الحلول لأزمة للقطاع الطبي، فإنهم يناشدون المعنيين المسارعة لإنقاذ هذا القطاع من أزمته.
ويعتقد المعنيون بالقطاع الصحي أن حل أزمة هذا القطاع يتم من خلال الحصول على أموال من الخارج مخصصة لدعم القطاع الصحي في لبنان.
وقال سليمان هارون نقيب المستشفيات الخاصة بلبنان إن “الأزمة التي تمر بها المستشفيات هي أزمة مالية بسبب ارتفاع سعر الدولار”.
وأوضح أن الأسعار المتفق عليها بين المستشفيات والحكومة مبنية على سعر الدولار الرسمي البالغ 1500 ليرة رغم ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل العملة المحلية في السوق الموازية، وبالتالي فإن التعرفة السابقة لم تعد معتمدة من قبل المستشفيات ومن يدفع الفروقات هو المريض.
وأشار هارون إلى أن أزمة أخرى متعلقة بالمستلزمات الطبية التي يجب أن تكون مدعومة من قبل مصرف لبنان المركزي، ولكنها لا تتوفر بالسوق بشكل كاف.
وحالياً بعض اللوازم الخاصة بالمختبرات غير متوفرة وإذا وجدت فإن العاملين في القطاع الصحي هم من يدفع ثمنها بالدولار أو بالليرة على سعر الدولار في السوق الموازية، فيما الدولة تدفع لهم ثمنها على سعر صرف الدولار الرسمي 1500 ليرة.
وأشارت دراسة أجرتها نقابة المستشفيات إلى أنه مع ارتفاع سعر الدولار في السوق الموازية ألف ليرة لبنانية، يرتفع الدولار الاستشفائي في المقابل 500 ليرة.
ويجمع العاملون في القطاع على وجود بلبلة بين المركزي الذي يقول إنه يدعم المستلزمات الطبية، والمستوردين الذين يقولون إنه لا يدعم هذه المستلزمات بالشكل الكافي.
ويلقي اللبنانيون مسؤولية هذه الأزمة على الحكومات المتعاقبة التي عملت على تراكم الديون في أعقاب الحرب الأهلية دون أن يكون لديها ما تستند إليه مقابل انغماسها في الإنفاق.
وانعكس ذلك على المصارف التي تعد محورية للاقتصاد القائم على الخدمات، حيث تعاني من حالة من الشلل. وقد حالت البنوك بين أصحاب المدخرات وحساباتهم الدولارية أو أبلغتهم أن قيمة الأموال التي يمكنهم الحصول عليها انخفضت.