استطلاعات الرأي تنتقل من الإحصاء إلى تحليل محتوى مواقع التواصل

مجال رصد الرأي العام يرسخ قيم الشفافية والديمقراطية.
الخميس 2021/01/07
فضاء ثري للرصد

الرباط - تطورت عملية رصد الرأي العام باعتماد مناهج تحليل الخطاب والتقنيات المعلوماتية لتشمل النصوص والصور وأشرطة الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، بما قد يدعم الجانب الأمني، ويوفر معلومات للتوقع والدراسات المستقبلية ورؤية للفاعلين السياسيين.

ووفرت المنصات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي بمختلف أشكالها، فرصا لا محدودة للتعبير عن الآراء والمشاعر والعواطف، وبالتالي وسعت مجال الرصد والاستقراء.

كما أن الفضاء الرقمي بات مجالا ثريا وسهلا للوصول إلى المعلومات واستخلاص البيانات من قواعد المعطيات المتضمنة للنصوص والملايين من المواقع المفهرسة فقط بمجرد كبسة زر في نطاق محركات البحث، لكن لا يزال التساؤل قائما: إلى أي مدى يمكن الاعتماد على عملية الرصد هذه للوصول إلى نتائج حقيقية تمثل فعلا توجه الرأي العام؟

ويمثل رصد الرأي العام، باعتباره سبرا لطبيعة توجهات وميول الجمهور ومستوى نضجه ودرجة تفاعله مع قضية ما، وحدة قياس رئيسية في عملية صناعة القرارات في جميع المجالات المتعلقة بالحياة اليومية، حتى أنها توفر إمكانية قراءة وقياس مستويات السلم الاجتماعي ودرجات التعايش وحدود الارتياح أو الغضب وغيرها من المشاعر وردود الأفعال التي تتحول بالتراكم إلى مواقف.

وتوظف هذه القراءات، التي تكون معظمها أكاديمية، في عدة مجالات اجتماعية وسياسية واقتصادية، وهي لا تتيح فقط استخلاص قراءة ذات مصداقية علمية عن واقع الحال، بل تسمح للمتخصصين بوضع التوقعات المحتملة عما يمكن أن تؤول إليه الأمور في المجالات التي كانت محورا للرصد والتحليل.

وتُجرى عمليات الرصد بطريقتين؛ واحدة كلاسيكية وهي الأكثر شيوعا وتركز على الإحصائيات، وأخرى لا تزال في طور التجريب والبحث الأكاديمي وهي تسعى إلى تطبيق مناهج تحليل الخطاب باستخدام التقنيات المعلوماتية الحديثة دون استبعاد الجانب الإحصائي.

وتكتسب استطلاعات الرأي العام أهمية كبيرة لدى الجمهور ووسائل الإعلام خلال فترات الانتخابات والانتقالات السياسية والتحولات الاقتصادية.

عزالدين غازي: الشركات التقنية الكبرى وضعت برمجيات ناجعة لاستخراج الرأي اعتمادا على النصوص والصور وأشرطة الفيديو

ويؤكد المختصون في مجال رصد الرأي العام أن هذا المجال يرسخ “قيم الشفافية والديمقراطية” ويتضمن اعترافا أكيدا بـ”قدرة” المواطن والجمهور عموما على “التأثير في صناعة القرار”، لكنه يتطلب تضافر الكفاءات والتراكم المعرفي في  شتى المجالات وتوافر شروط علمية  للوصول إلى نتائج محايدة.

وأوضح عزالدين غازي، أستاذ باحث في الهندسة اللسانية والذكاء الاصطناعي والترجمة الآلية، في حديث لمجلة “باب” التي تصدرها وكالة المغرب العربي للأنباء شهريا، أن “العديد من المختبرات العلمية في الهندسة المعلوماتية والهندسة اللسانية تمكنت، في سياق تقدم تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وتسارعها المستمر، وبإيعاز ودعم من الشركات العملاقة في ميدان المعلوميات والهواتف والألواح الذكية والحواسيب المتطورة، من وضع برمجيات ناجعة في مجال استخراج الرأي اعتمادا على النصوص والصور وأشرطة الفيديو”.

وأضاف أن “المجتمع العلمي المختص تمكن من تطوير أساليب عقلانية جديدة تمثلت في بناء منصات حاسوبية متخصصة في مجال المعالجة الآلية للنصوص والصور واللغات الطبيعية”.

ولفت غازي إلى أنه “غالبا ما يتم تغيير المقاربات حسب خصوصية الأنظمة اللسانية، وتم وضع تصاميم مبتكرة تتخذ نهجا جديدا لإنشاء مداخل المعجم التلقائي من صفات وظروف وبنيات تكون حاملة للمعرفة وللقيم الذاتية والموضوعية ومشحونة كفاية بما يكشف عن قطب الرأي أو الشعور وردود الأفعال إزاء مجال أو موضوع مادي أو معنوي أو حتى عقائدي”.

ولا تهدف هذه العملية إلى التأثير على مجريات الأمور وإنما رصد تفاعل الجمهور؛ كفاعلين أساسيين في المجتمع، وليس فقط كمتلقين أو مجرد ناخبين أو مستهلكين، وبالتالي فهم حقيقة تأثرهم بما يجري، وسبر مستوى وعيهم بما وبمن حولهم، وأيضا تتبع ما طال توجهاتهم من تحولات أو ما هو بصدد التبلور. وفسح المجال عبر ذلك لقراءة ملامح التحولات الآتية والتنبؤ بها.

وتشكل دراسات قياس الرأي العام نقطة التقاء مجموعة من المهارات والتقنيات الحديثة والعلوم كعلم النفس وعلم الاجتماع والسياسة والتاريخ والإحصاء والرياضيات والذكاء الاصطناعي وغيرها.

وقال غازي، الذي ينشط كباحث في “الوكالة الدولية لهندسة اللغات الطبيعية” ومقرها في فاس، إن “التجارب أظهرت بشكل ملموس التقدم الكبير في الحصول على تصنيفات للآراء وللبيانات الحقيقية بشكل دقيق وعلمي، بقيم صورية تراعي الأساليب المتقدمة للذكاء الاصطناعي، كما تستجيب لمتطلبات سوق البرمجيات والإلكترونيات، وخاصة التطبيقات التي تُستغل للحصول على المعلومات”.

يذكر أنه بدأ الاهتمام بدراسة الرأي العام وقياسه في معظم دول العالم من خلال إنشاء معاهد ومراكز ومؤسسات، وأهم هذه المؤسسات معهد غالوب الذي أنشئ عام 1935 وأصبح اليوم مؤسسة متعددة الجنسيات، وصار معروفا منذ عام 1965، خاصة بعد إثبات نجاحه في الكثير من استطلاعات الرأي، وتم استخدام هذه الأداة البحثية في نحو 40 دولة.

18