استسهال الخُلع يوسع دائرة الطلاق في مصر

أدى قانون الخلع في مصر إلى تزايد حالات الطلاق، ذلك أن النساء يستسهلن قطع العلاقة الأسرية ولا يطالبن بمستحقاتهن المادية. وكشفت التقارير أن جل حالات الخلع تمت لأسباب واهية، ما جعل العديد من الأطراف يطالبون بتعديل القانون، لكن خبراء استبعدوا ذلك حتى لا تتهم الحكومة المصرية بأنها تحابي الرجل على حساب المرأة.
القاهرة – فتحت إحصائية أصدرتها نقابة المأذونين في مصر حول الخُلع بابا من النقاش الأسري بعدما أكدت أن 88 في المئة من حالات الطلاق التي وقعت العام الماضي كانت بسبب الخلع والكثير منها لدواع واهية، مطالبة بضرورة ألا يستمرّ القانون على وضعه الحالي بعد أن أصبح دافعا رئيسيا لهدم مئات الآلاف من الكيانات الأسرية سنويا.
وبدأت تتعالى أصوات مجتمعية للضغط على مجلس النواب والحكومة لتعديل قانون الخُلع الصادر في مصر منذ 22 عاما، لأنه يسمح للزوجة بأن تطلق نفسها أو يطلقها قاضي محكمة الأسرة شريطة أن تتنازل عن كامل حقوقها المادية والأدبية ولا تطالب زوجها بأي مزايا حصلت عليها، ولا تحق لها المطالبة بتخصيص منزل لها وأولادها بعد الانفصال بهذه الطريقة.
وسبق لمجلس النواب المصري قبل عامين أن فتح باب النقاش حول إجراء تعديلات على قانون الخلع لقصر الدوافع على السماح للزوجة بطلب الطلاق عن طريق المحكمة إذا كانت متضررة من الناحية الفسيولوجية وفي حالات العجز الجنسي أو تعرضت لأذى جسدي بشكل يصعب معه استمرار العلاقة الزوجية، لكن تم تجميد النقاش أمام تصاعد الغضب النسائي إلى أن بدأت المطالبات تتجدد مؤخرا.

إسلام عامر: لا بديل عن تقنين الخلع وتقييده بشروط صارمة
ووقتها اتهم نواب البرلمان قانون الخُلع بأنه فتح الباب على مصراعيه أمام الزوجات لتدمير قوام الأسرة، وهو ما دعمته الحكومة بشكل غير مباشر، لكن الخطوة تعطلت.
وجاءت إحصائية نقابة المأذونين هذه المرة لتكشف عن أزمة حقيقية، مفادها أن 12 في المئة فقط من الرجال يقررون إنهاء العلاقة الزوجية برغبتهم أو بطلب من الزوجة.
ويستبعد خبراء أن تتقدم الحكومة بتعديل تشريعي للبرلمان يقلص لجوء الزوجة إلى خيار الخُلع حتى لا تتهم بأنها تحابي الرجل على حساب المرأة، بعد أن أظهرت السنوات الماضية اهتماما غير مسبوق بالعنصر النسائي وسهلت مهمة تمكين المرأة في قطاعات مختلفة، وبالتالي لا بديل سوى أن تكون خطوة التعديل بمبادرة ذاتية من أعضاء مجلس النواب لتجنيب الحكومة اتهامها بالازدواجية.
وترغب الحكومة في تعديل قانون الخُلع في أقرب وقت ممكن كأحد البدائل الآمنة للسيطرة على ظاهرة الطلاق من دون الدخول في مواجهة مع الأزهر الذي يرفض سن تشريع يمنع الاعتراف بالطلاق الشفهي، وأمام تسبب النساء في 88 في المئة من حالات الطلاق أصبح تعديل القانون واجبا، لكن الأمر يتطلب جرأة سياسية لتحجيم اللجوء إلى الخُلع.
وتكفي مطالعة بعض أسباب الخُلع في مصر التي تفصح عنها محاكم الأسرة ليكتشف المرء كم هي واهية؛ فبعضها يبدو مثيرا للسخرية، إذ هناك من تخلع زوجها لأنه لا يسمح لها بالسهر، وأخرى ترفض استمرار العلاقة لأن شريكها ينام كثيرا، وثالثة تبرر موقفها بأن زوجها غير متحضر، وقد تطلب إحداهن الخلع لأن زوجها يرفض تربية قطة في المنزل بما يتعارض مع رغبتها وسعادتها.
ولأن قانون الخُلع لم يضع شروطا صارمة تضمن عدم انهيار العلاقة الأسرية بسهولة أمام طلب الزوجة، فإن القاضي يحكم غالبا بتطليقها بناء على طلبها، بغض النظر عن السبب ومدى قوته أو ضعفه.
وأمام عدم فهم الكثير من النساء لطبيعة العلاقة الزوجية وقدسيتها وعدم التأهيل لتحمل المسؤولية واستسهال الخلع ارتفعت نسبة الانفصال ووصلت إلى مرحلة خطيرة.
وقال إسلام عامر نقيب المأذونين لـ”العرب” إنه “لا بديل عن تقنين الخلع وتقييده بشروط ومعايير وضوابط صارمة كي لا يتحول إلى لعبة في أيدي بعض الزوجات، فلا يمكن هدم أسرة خلال ثلاثة أشهر، وهي مدة الحكم في دعوى الخُلع، مقابل سنتين في المحكمة للفصل في طلاق الزوجة لوقوع ضرر مادي أو معنوي، والمشكلة أن حكم التطليق من خلال الخلع يكون نهائيا ولا يُستأنف عليه”.
ويلعب الكثير من المحامين المتخصصين في القضايا الأسرية دورا محوريا في هذه الأزمة، حيث لا يعنيهم سوى الحصول على المقابل المادي جراء رفع قضايا الخُلع، وكتابة أسباب تبدو مقنعة للقاضي وبطريقة تحمل دهاء لكسب القضية لصالحهم، دون إدراك العواقب على القوام الأسري، باعتبار أن المشرع وفر للزوجة حق خلع زوجها مهما كانت المبررات.
ويعتقد متخصصون في العلاقات الأسرية والاجتماعية بالقاهرة أن ارتفاع منسوب الخلع مرتبط إلى حد كبير بالنزعة التحررية التي سادت بين صفوف مصريات جراء الانفتاح وما تبعه من استقلالية اقتصادية وزيادة خروج المرأة للعمل، بما جعلها تضحي بكل شيء يرتبط بعلاقتها مع زوجها إذا كانت حريتها مهددة بالتقييد، مهما كانت النظرة السلبية الموجهة إليها.
تنظر شريحة محافظة للمرأة التي تقدم على خلع زوجها على أنها متمردة، وثمة رجال يعتبرونها جريئة أكثر من اللازم ويصعب الزواج منها مستقبلا لكونها تستسهل إهانة الزوج وقد تمس برجولته، وسيتكرر نفس الأمر مع شريكها الجديد، وهي قناعات تؤمن بها النساء اللاتي خلعن أزواجهن، لكنهن لا يكترثن بمثل هذه النظرات الدونية.
ويعكس ارتفاع نسبة الخُلع مدى تحرر الزوجات من القيود العائلية الصارمة، لأنه ليس من السهل على أيّ امرأة أن تخلع شريكها في مجتمع شرقي يقدس العادات والتقاليد والأعراف، وهذا نتاج ضغوط عانت منها النساء على مدار عقود حتى وصل بهن الأمر إلى توظيف القانون لنيل الحرية مهما كانت الخسائر المستقبلية.
وأضاف نقيب المأذونين لـ”العرب” أن “الأزمة الكبرى تكمن في انتشار الخُلع في مناطق ريفية وشعبية كانت تعادي هذا التصرف وتنبذه، حيث انحصر في المدن الحضرية وبين بعض العائلات فقط، وهذا نتاج تراجع دور الأسر في التقريب بين الأزواج وعدم التدخل لحل الخلافات بشكل يضمن عدم انهيار العلاقة، لذلك اتسعت دائرة الطلاق في الريف والحضر معا، ما يتطلب تدخلا من مجلس النواب لتعديل القانون”.
ويرى البعض من الخبراء أن تقنين استخدام حق الزوجة في الخُلع ضمانة للاستقرار الأسري، لأن هناك من تقدم على طلب تطليق نفسها لمجاراة الموضة أو تقليد إحدى صديقاتها أو لأنها لم تكن مستعدة لتحمل المسؤولية فتجد في الانفصال حلا للمشكلة القائمة، وهو ما يرتبط بغياب التأهيل المسبق للمقبلين على الزواج عموما.
وهناك فتيات في بدايات الزواج يعتبرن الخُلع رفاهية غير مدركات أن استخدامه يجب أن يكون لأسباب مقنعة واللجوء إليه يرتبط باستحالة الحياة بين الزوجين ورفض الزوج الطلاق وإصراره على القيام بأفعال وسلوكيات تهين المرأة، ومن هنا يكون الخُلع خيارا ووسيلة للطلاق عبر نافذة القضاء.
وتعتقد أصوات نسائية مصرية أن ارتفاع نسبة الخلع إلى 88 في المئة من إجمالي حالات الطلاق لا يعني أن الزوجات متهورات أو ناقصات عقل، بل إن هناك رجالا يتعمدون دفع زوجاتهم إلى رفع قضايا خُلع ولا يطلقونهن بسهولة كي يخسرن كل شيء ويتنازلن عن حقوقهن، ولا تمانع بعض النساء في انتهاج هذا المسار للهروب من جحيم الزواج.