ارتفاع معدلات زواج الفتيات عرفيا ظاهرة مصرية صادمة

يعكس تزايد حالات الزواج العرفي في مصر لفتيات في سن الدراسة الجامعية نوعا من التمرد على تقاليد المجتمع. ويعتبره بعض علماء الاجتماع غطاء للجنس الحلال وتقنينا للشهوات ووسيلة لإضفاء المشروعية القانونية والدينية على العلاقات المنتشرة في المجتمع. ويرى الخبراء أن توفير بيئة أسرية مناسبة يضمن للفتاة تحديدا العاطفة والاحتواء والأمان، ولا يجعل منها صيدا سهلا خارج المنزل لأيّ شاب يغرر بها.
القاهرة– حملت الأرقام الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في مصر (جهة حكومية) حول معدلات الزواج العرفي بين الفتيات اللاتي لم يسبق لهن الزواج من قبل، مفاجأة صادمة؛ على اعتبار أن الزيجات السرية موجودة بشكل أكبر بين السيدات المطلقات والأرامل، لكن الجديد في الأمر أنها صارت منتشرة على نطاق واسع بين الفتيات المفترض أنهن في سن المدرسة والجامعة.
وأظهرت البيانات الإحصائية أن أكثر عقود الزواج العرفي التي تم توثيقها بشكل رسمي في السجلات الحكومية كانت لآنسات، ووصل عددهن العام الماضي فقط إلى قرابة 95 ألف فتاة، وكلهن لم يسبق لهن الزواج، وغالبيتهن في سن تتراوح بين 18 و24 عاما، ومنهن من تزوجت شابا لم يسبق له الزواج، ومن هن من أقمن علاقة مع رجال في سن كبيرة بعضهم تجاوز الستين عاما.
وارتبطت الصدمة الأسرية بأن زواج الفتاة الآنسة بشكل عرفي، كان يحدث على نطاق ضيق في المجتمع المصري، لكن أصبح يرتقي إلى الظاهرة عندما تلجأ مئات الآلاف من الشابات إلى هذا النوع من الزواج، سواء أكان برغبتهن الشخصية أو حتى بموافقة أسرهن، وبات الأمر برمته يحمل الكثير من التساؤلات حول الدوافع التي تقود أي فتاة إلى إخفاء زواجها على الناس بهذا الشكل.
وبعيدا عن علاقة الأسرة نفسها بزواج الفتاة سريا أم علنيا، فإن الأرقام المثبتة في سجلات الحكومة تشير إلى حقيقة أن الكثير من الزيجات السرية في مصر تكشف أنها وسيلة لإضفاء المشروعية القانونية والدينية على العلاقات الجنسية المنتشرة في المجتمع من خلال وضع غطاء للجنس الحلال وتقنين الشهوات.
الأمر برمته بات يثير الكثير من التساؤلات عن الدوافع التي تقود أي فتاة إلى إخفاء زواجها عن عائلتها وعن الناس بهذا الشكل
واعتادت بعض العائلات المصرية تزويج فتياتها بشكل سري، إذا كن في سن صغيرة، وهو ما يعرف بزواج القاصرات الذي تجرمه الحكومة، لكن اللافت في الأرقام الصادرة عن جهاز الإحصاء عدم وجود زيجات في سن أقل من 18 عاما ضمن الإحصائية المعلنة، ما يعني أن كل هذه الأرقام ليس بينها فتاة قاصر، بل وصلت أو تجاوزت سن البلوغ المعترف بها قانونيّا.
وعند النظر إلى أعمار الفتيات اللاتي قررن الزواج عرفيا في مصر، يتضح أن جميعهن في مراحل دراسية، إما في مرحلة الثانوية العامة (البكالوريا) أو مرحلة التعليم الجامعي، ما يشير إلى أن الكثير منهن اخترن الزواج السري دون علم الأسرة، لكنهن أقدمن على فكرة التوثيق الرسمي حفاظا على الحقوق المستقبلية، لاسيما مسألة تسجيل الأبناء باسم الزوج تجنبا لمشكلات النسب.
وتشير الظاهرة إلى أن مواجهة الزواج العرفي دون تحميل الأسرة الجزء الأكبر من المسؤولية لن تحل الأزمة؛ لأن أي علاقة أسرية لا تقوم على الثقة بين الآباء والأبناء وتوفير بيئة مناسبة تضمن للفتاة تحديدا العاطفة والاحتواء والأمان ستؤدي بالفتاة إلى أن تكون صيدا سهلا خارج المنزل لأي شاب يغرر بها، فليس من السهل على أي أسرة أن تتزوج ابنتها عرفيا، إلا لأسباب قاهرة.
وما يعزز لجوء الكثير من المصريات اللاتي لم يسبق لهن الزواج من قبل إلى القبول بزيجة سرية، أن عقد الزواج العرفي معترف به عند إصدار وثيقة ميلاد للطفل والمطالبة بالحقوق المستقبلية من الزوج إذا حدث الطلاق، أي أن الفتاة تُدرك أن هناك إجراءات رسمية ستحميها إذا تنصل الشاب من الطفل أو أنكر الزيجة، وهو ما يفسر الإقبال على توثيق العقود.
وكانت محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة المصري (أعلى جهة قضائية إدارية) قررت عام 2017 أن عقد الزواج العرفي يكفي لإصدار وثيقة ميلاد للطفل مثبت فيها اسمه ومنسوب إلى والده، لأن حرمان الأم من إثبات عقدها العرفي إيذاء نفسي وبدني لها، أما حرمان الطفل من حقه في الانتساب إلى والده فيتضمن تحقيرا له.
وكثيرا ما تتحجّج بعض الفتيات اللاتي يقبلن بالزواج العرفي، ولم تسبق لهن إقامة علاقة زوجية من قبل، بأن المجتمع والأسرة هما اللذان دفعاهن إلى هذا الخيار، إما بوجود وصاية عائلية ودينية تحرمهن من أي احتكاك بالشباب، أو لزيادة الأعباء المالية جراء الغلاء حتى أصبح الشاب عاجزا عن توفير أدنى متطلبات الزواج أمام الطلبات الخيالية التي تفرضها الأسرة على المتقدم لخطبة الفتاة.
ويتم تبرير الزواج العرفي أحيانا بغرض عاطفي وعدم جاهزية الشاب للارتباط الرسمي مثلما يحدث بين طلبة الجامعات، أو لإجبار العائلتين على القبول بالموافقة على زواج الطرفين رسميا، حيث لا تمانع بعض الفتيات أن يحدث الزواج السري الموثق لإجبار عائلاتهن على الانصياع لرغبتهن في اختيار العلاقة التي تريحهن، بغض النظر عن تقبل المجتمع والدين لذلك من عدمه.
ويعتقد خبراء في العلاقات الاجتماعية بالقاهرة أنه لا يمكن فصل ارتفاع معدلات الزيجات العرفية بين الفتيات عن تمسكهن باستقلالية القرار وتحديد المصير الشخصي، دون أي تدخل من الأسر مهما جلبن إلى أنفسهن من مشاكل عائلية، وهو ما يشير إلى ارتفاع منسوب التمرد بين الفتيات في مصر أمام كثرة الضغوط والوصاية من كل أفراد العائلة على تصرفات الفتاة وسلوكياتها وقراراتها.
ويغيب عن الكثير من الأسر اختيار خطاب يتناسب مع الفتيات المؤمنات بشرعية الزواج العرفي، وغالبا ما يتم التحدث إليهن بلغة الحلال والحرام والأعراف والتقاليد، دون إدراك أن هذا الجيل من الشباب شغوف بمحاكاة التحرر والتخلص من تقاليد وأعراف المجتمع، لأن المتمرد لا ينحني أمام سياسة الترهيب، ويصر على أن يسلك المسار الذي يوفر له الراحة مهما كانت عواقبه.
مواجهة الزواج العرفي دون تحميل الأسرة الجزء الأكبر من المسؤولية لن تحل الأزمة؛ لأن أي علاقة أسرية لا تقوم على الثقة بين الآباء والأبناء ستؤدي بالفتاة إلى أن تكون صيدا سهلا خارج المنزل
ويترتب على هذه الإشكالية أن كل الأطراف التي تتصدر مشهد الحد من ظاهرة الزواج العرفي تلقي باللوم والمسؤولية على الفتيات دون دراسة أسباب ودوافع الارتباط بهذه الطريقة ومعالجتها، إلى درجة أن بعض المتزوجات عرفيا لديهن مبرراتهن المقنعة لهن على الأقل، كأن تختار بعضهن الهروب من عنف المنزل بحثا عن أحضان آمنة توفر لهن العاطفة المفقودة داخل العائلة، فيتزوجن سرا.
وأكد علاء الغندور الباحث في شؤون العلاقات الأسرية بالقاهرة أن زيادة معدلات زيجات الفتيات الآنسات عرفيا، يحمل الكثير من المخاطر ما لم تكن هناك أدوات واقعية للمواجهة، ومطلوب تشريح الأزمة بشكل عقلاني بعيدا عن العواطف، وتجميع الأسباب التي قادت كل هؤلاء الفتيات إلى إبرام زيجة سرية سواء كان بعلم أسرتها أو بقرار شخصي، وعلى هذا الأساس يتم وضع خطة العلاج.
وأضاف لـ”العرب” أن مواجهة وقائع الزواج العرفي بين الفتيات تبدأ باعتراف الأسر نفسها بأنها شريكة بل مسؤولة عن الخلل الذي أصاب تفكير وأخلاق الشابات، ودفعهن إلى التمرد على الزواج الرسمي، ويبدو أن منسوب رفض التدخلات العائلية في حياة الفتيات أصبح ظاهرا بقوة، بوضع الحواجز والعراقيل أمام عواطفهن، أو فرض نمط حياة مرفوض بالنسبة إليهن، أو التعامل مع الفتاة أحيانا كسلعة تجارية يمكن بيعها لمن يدفع أكثر بدافع تأمين مستقبلها.
ويظل الطريق الأكثر فاعلية في نظر الباحث الأسري أن تتبنى المؤسسات النسوية عبر وسائل الإعلام والهيئات الثقافية والأعمال الفنية المختلفة، حملة توعوية لتحذير الفتيات من خطورة الزواج العرفي باعتبارهن الحلقة الأضعف، مع حتمية إذاعة قصص واقعية لضحايا هذا النوع من الزواج، يتحدثن عن تفاصيل التجربة بندم لتعزيز مصداقية الكلام وسهولة الإقناع، لتكون هذه الروايات مرجعية لأي فتاة تفكر في خوض التجربة.