ارتفاع معدلات الطلاق بعد الخمسين ظاهرة مريبة في مصر

طول فترة العلاقة الزوجية ليس دليلا على النجاح.. والانفصال قرار مؤجل.
الاثنين 2023/10/09
حان وقت تنفيذ القرار

يؤكد المتخصصون في العلاقات الأسرية أن التغيرات التي طرأت على الحياة الأسرية في المجتمع المصري نسفت القواعد التي كانت حاكمة للعلاقة بين الأزواج، فخلافا للسابق لم يعد طول العلاقة دليلا على نجاحها أو على استقرار الأسرة بل تزايد طلب الطلاق في صفوف الأزواج المتقدمين في السن، وهو ما يمكن أن يكون رسالة سلبية للشباب المتزوجين حديثا.

القاهرة - أحدثت التقارير الرسمية الصادرة عن مركز الإحصاء الحكومي في مصر بزيادة معدلات الطلاق بين كبار السن صدمة أسرية لدى كثيرين، فهذه الفئة من الأزواج من المفترض أن علاقاتهم صلبة بشكل يفوق الشرائح الأصغر، لأنهم عاشوا معا سنوات طويلة، وليس منطقيا أن يكون انفصالهم أمرا سهلا.

قال الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، في أحدث إحصائية صادرة عنه قبل أيام، إن نسبة الطلاق بين كبار السن في مصر ارتفعت لتستحوذ على 10 في المئة من إجمالي حالات الانفصال في البلاد، على الرغم من أن هذه المعدلات كانت متدنية في سنوات مضت، وتكاد لا تُذكر، حتى صارت النسبة مؤهلة لتصبح ظاهرة أسرية.

لم يقدّم جهاز الإحصاء تفسيرا واضحا لارتفاع معدلات الطلاق بين كبار السن، فهذا ليس من مهامه، لكن دراسات المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في مصر أشارت إلى أن غالبية حالات الطلاق التي تقع بعد سن الخمسين ترجع إلى العزوف العاطفي، وبحث الزوج عن امرأة أخرى تلبي احتياجاته النفسية والبيولوجية.

تميل معظم التفسيرات إلى أن اللجوء إلى الانفصال بعد عقود من العلاقة الزوجية يرتبط بوجود إحساس متنام لدى كبار السن بالرغبة في التخلص من الضغوط النفسية، واغتنام فرص الراحة والمتعة، وبروز ما يسمى بـ”المراهقة المتأخرة” عند بعض الرجال، ما يجعلهم يفكرون في الزواج من فتاة صغيرة لاسترجاع سنوات الشباب.

نسبة الطلاق بين كبار السن في مصر ارتفعت لتستحوذ على 10 في المئة من إجمالي حالات الانفصال في البلاد

تمسكت عبير مرسي بالانفصال عن زوجها وهي في سن الخمسين لأنها لم تتقبل أن تكون زوجة ثانية بطريقة مخادعة، قائلة لـ”العرب” إنها فوجئت بزواج شريك حياتها من فتاة في سن العشرين، وفضّلت عدم إثارة أزمة إلى حين إتمام زواج ابنها الصغير، واستقراره في حياته، وبعدها طلبت الطلاق دون رجعة.

وأضافت “تحملت الكثير من الضغوط النفسية والعصبية، فقد كان شريكي طوال الوقت يعايرني بكبر السن، وأنه يبحث عن المتعة في الحياة، وما بين كلمات السخرية والإهانة والأذى النفسي كنت ألتزم الصمت، وجاءت الصدمة عندما علمت بزواجه سرا من فتاة في سن ابنتي، وهنا كان القرار بالطلاق والتحرر من هذا السجن”.

لم تنكر عبير أن طلاق المرأة في سن كبيرة يصيبها بالإحباط من المستقبل، وقد يدخلها في دوامة من المرض النفسي يصعب الخروج منها، لكن قدرتها على بدء حياة جديدة هادئة خالية من المنغصات، ونجاحها في جمع الأهل والأصدقاء حولها، يجعلانها قوية وثابتة في مواجهة غدر المستقبل، والعبرة أن تكون المرأة شجاعة.

وأوضحت أن أكثر ما يثير خوف الزوجة التي تقرر الطلاق في سن متقدمة ألا يكون لديها مصدر دخل يعينها على صعوبات الحياة أو تصطدم بنظرة دونية من الأهل والفئة المحيطة بها، فلا أحد في المجتمع يتقبل فكرة أن تقدم زوجة على الطلاق وهي في سن الخمسين وأكثر، لكن من الخطأ الاستمرار في علاقة سيئة مهما تقدم العمر.

تشير الأرقام المرتفعة حول معدلات الطلاق بين كبار السن إلى أن طول فترة العلاقة الزوجية لم يعد دليلا على نجاحها، فهناك من يتقبل الاستمرار في الزيجة على مضض من أجل الأبناء أو الخوف من نظرات الأسرة، وعدم الأمان من تقلبات المستقبل، على مستوى الوفرة المالية أو الأمراض المرتبطة بمرحلة الشيخوخة.

هناك أزواج، رجالا ونساء، يرون أنهم في حاجة إلى تغيير وتعويض ما فاتهم من قطار العمر، والسعي إلى الخلاص من سلوكيات الشريك ولم تعد هناك قدرة على التحمل أكثر من ذلك، لأن سوء الاختيار أو التغاضي عن حل المشكلات القديمة يكرس استحالة الانسجام ويحكم على الزواج بالفشل ولو بعد سنوات طويلة.

يبدو أن التغيرات التي طرأت على الحياة الأسرية في المجتمع المصري نسفت القواعد التي كانت حاكمة للعلاقة بين الأزواج، إذ كان العرف السائد أنه كلما طالت فترة الزواج انخفضت احتمالات الطلاق لظروف العشرة والتقارب بين الزوجين في الكثير من الاهتمامات والتشارك في تربية الأبناء وتزويجهم والتفرغ لحياتهما الشخصية.

يرى متخصصون في العلاقات الأسرية أن قبول المرأة بالطلاق في سن متقدمة، يعكس إلى أي درجة كانت تعيش حياة زوجية محاطة بالضغوط النفسية والعصبية بشكل جعلها غير مكترثة بمواجهة التنمّر والسخرية وربما الإهانة التي قد تتعرض لها من الأهل، ويفترض أن تحاط هذه النوعية من النساء بالاحتواء أكثر من أي فئة أخرى.

لا يمانع البعض أن يقع الطلاق بين الأزواج المتقدمين في السن، طالما أن ذلك سيكون مريحا لهما، لكن الخوف أن انفصالهما بعد فترة طويلة يمثل رسالة سلبية للشباب الذين يريدون بدء حياتهم الزوجية بالتفاؤل، وغالبا ما يتخذون من الزيجات طويلة المدى قدوة في كيفية التمسك بالاستقرار أمام تشعّب المشكلات.

التغيرات التي طرأت على الحياة الأسرية في المجتمع المصري نسفت القواعد التي كانت حاكمة للعلاقة بين الأزواج
التغيرات التي طرأت على الحياة الأسرية في المجتمع المصري نسفت القواعد التي كانت حاكمة للعلاقة بين الأزواج

تظل أزمة بعض الأسر في أنها عندما تناقش مشكلة الطلاق بين كبار السن، فإن الإدانة غالبا ما تطال المرأة وحدها، بغض النظر عن الأسباب التي قادتها إلى ذلك، ولو كان القرار نابعا من الرجل نفسه، إذ يتم اتهام الزوجة بصفات قبيحة من دون اعتبار أنها وصلت إلى مرحلة يستحيل معها الاستمرار في هذه الزيجة.

قال علاء الغندور، استشاري العلاقات الأسرية في القاهرة، إن طلاق المتقدمين في السن مسألة خطيرة، لكنه يعكس إلى أي درجة وصل الحرمان العاطفي بين بعض الأزواج بعد الوصول إلى مرحلة معينة، ما يولّد مشاعر سلبية تقود إلى الانفصال، ويفكر الشريكان بأن الطلاق أهون من العبء النفسي تحت سقف واحد.

وذكر لـ”العرب” أن المرأة بطبيعتها ترفض الاستمرار في علاقة مع زوج يشعرها دائما بأنها مسنة، ما يجعلها تدخل مرحلة اكتئاب وترى أنها لن تستفيق دون التحرر من العلاقة، فهو قد يتزوج، لكن الزوجة يصعب عليها الدخول في علاقة مع شريك آخر، خشية الاتهام بخيانة العشرة أو الضعف أمام مواجهة الأسرة.

ولفت إلى أن غالبية حالات الطلاق بين المتقدمين في السن تقع عندما يخلو المنزل من الأبناء عقب زواجهم، وهنا قد تصبح علاقة الشريكين تحت المجهر، فكلاهما يراقب الآخر وردة فعله وتصرفاته بعد فترة من الانشغال بالتنشئة والتربية والتجهيز لزواج الأبناء، والخطر أن يعيش الزوجان في غربة وتموت بينهما العاطفة.

يرتبط قرار انفصال الشريكين في سن متقدمة بالأعباء القديمة، أي أنه ليس وليد اللحظة، إذ يصل كلاهما إلى مرحلة تقييم العلاقة مع الآخر، وما إذا كانت مجدية أم لا، وقد يتساءل كلاهما عن السبب في استمرار الزواج طالما أنه ليس مريحا، ويمكن أن يكون الانفصال بداية لحياة جديدة.

مهما طالت العشرة، فإن انهيار العلاقة الزوجية يكون سهلا عندما تتراكم المشاعر السلبية والذكريات المؤلمة، وهنا يصعب إنقاذ الزواج من الانهيار، لأن هناك طرفا أصبح يفكر في إنقاذ ما تبقى من حقوقه التي حُرم منها، والأمل لا يزال قائما لبدء حياة أخرى، وإن كانت خالية من العاطفة، لكنها أيضا سوف تخلو من الشريك الخطأ.

16