ارتفاع قياسي لزواج القاصرات يثير صدمة في مصر

25 في المئة من المتزوجات صغيرات وأغلبهن أقل من الخامسة عشرة.
الثلاثاء 2024/11/12
فتيات برتبة زوجات

تعمل السلطات المصرية على تغليظ عقوبة زواج القاصرات، في محاولة منها لتطويق الظاهرة. وينتشر زواج القاصرات في جنوب البلاد، وفي الريف المصري تحديدا، أين تجد الفتاة التي لا يزيد عمرها عن 15 عاما نفسها مسؤولة عن منزل ومتطلبات زوج وهي مازالت في سن صغيرة. وقد يصبح الواقع أكثر قتامة عندما تصبح الفتاة حاملا وقد تنجب أطفالا مشوهين.

القاهرة - كشف ارتفاع معدل زواج القاصرات في مصر عن إخفاق الحكومة في الحد من الظاهرة، ما قاد إلى ارتفاع النسبة لنحو 25 في المئة، وفق تقديرات وزارة الصحة، وهو رقم كبير في دولة تسعى حكومتها بطرق مختلفة لمحاربتها.

وقالت رئيسة المجلس القومي للسكان عبلة الألفي إن معدل زواج الصغيرات ارتفع  في مناطق الصعيد (جنوب مصر) والريف، وأن النسبة الأكبر من المتزوجات تحت سن 15 عاما، محذرة من تداعيات الظاهرة على الفتاة والأسرة والمجتمع بشكل عام.

وذكرت في تصريحات إعلامية أن الطفلة تفرح بأنه سيكون لها منزل مستقل، والأسرة تريد التخلص من مسؤولية الابنة ثم تصطدم بواقع صعب عندما توضع الطفلة أمام مسؤولية منزل ومتطلبات زوج، وإذا حملت قد تجد نفسها أمام مخاطر تسمّم الحمل أو إنجاب أطفال لديهم تشوهات خلقية.

وكشفت المسؤولة المصرية النقاب عن وجود خلل في تنفيذ القانون الذي يمنع الزواج قبل عمر الثامنة عشر، ولا يراقب ذلك بصورة صارمة، وأن وزارة الصحة تعمل مع وزارة العدل على تغليظ عقوبة زواج القاصرات، دون توضيح ما سيكون عليه القانون الجديد، لكنها جزمت بأن العقاب سيكون أشد قسوة مما هو عليه الآن.

وأثارت تلك التصريحات جدلا واسعا وأحدثت صدمة في بعض شرائح المجتمع، وتدفع نحو تقديم قانون الطفل إلى مجلس النواب ليتم تعديله لمحاربة زواج الصغيرات، لأن العقوبات المطبقة ليست رادعة ولا تهابها بعض الأسر، وقادت إلى المزيد من حالات زواج الأطفال أمام شعور العديد من الأسر أن الحكومة غير جادة في المواجهة.

الطفلة تفرح بأنه سيكون لها منزل مستقل، والأسرة تريد التخلص من مسؤولية الابنة ثم تصطدم بواقع صعب ومرير

وتتوقف عقوبة الزواج المبكر في القانون الحالي عند حبس ولي أمر الطفلة سنة واحدة، ومن النادر أن يتم الإعلان عن معاقبة أب لتزويج ابنته قاصرا، في ظل السرية الشديدة التي تتبعها الكثير من الأسر عند زواج الطفلة، إذ غالبا ما تحدث بشكل عرفي ويخشى الجيران والأهل أن يُبلغوا عن ولي الأمر لتجنب الخلافات.

ووافقت الحكومة على رفع عقوبة الزواج المبكر لتصل إلى سبع سنوات، لكنها لم تتقدم بتلك التعديلات إلى مجلس النواب تمهيدا للمصادقة عليها وتطبيقها، ما تسبب في زيادة معدلات الظاهرة بشكل ملحوظ، دون أن يكشف مجلس الوزراء عن الأسباب التي دفعته إلى التأجيل والتراخي في تغليظ العقوبة.

ويرى متخصصون في العلاقات الاجتماعية بالقاهرة أن الترهيب أحد أدوات مواجهة زواج القاصرات، والتعويل على زيادة سنوات سجن رب الأسرة لن يحقق الغرض، فهناك عقوبات بالإعدام ضد القاتل ورغم ذلك تستمر الجرائم، وبالتالي فلا يمكن القضاء على السلوكيات السلبية الخاصة بتزويج الأطفال بالقوانين وحدها.

ويعتقد هؤلاء المتخصصون أن جزءا من ارتفاع معدلات زواج الصغيرات مرتبط بتراجع منسوب الوعي عند الكثير من الأسر، لانتشار الأمية وانعزال العائلات عن كل ما يرتبط بخطاب الحكومة، وقد لا يعرف أصلا أن هناك عقوبات ضد زواج الأطفال، والأمر بالنسبة إليهم مجرد عرف وتقليد مجتمعي يتوارث.

الشق الآخر من الأزمة أن بعض المؤسسات المنوط بها نشر الوعي لم تقم بدورها لتثقيف الناس بمخاطر الزواج المبكر، وتركت الساحة لبعض المتشددين دينيا ممن أقنعوا شريحة كبيرة من الأهالي بأن تزويج الطفلة من متطلبات الإسلام، بدعوى سترها وتحصينها من الانحراف، وأن الدين لم يحدد سنا معينا للزواج والإنجاب.

ولم تستثمر الحكومة ومؤسساتها الثقافية والتعليمية والإعلامية الموقف الصارم من دار الإفتاء بتحريم الزواج المبكر مهما كانت أسبابه لتخويف الناس من المحرمات، وقالت الدار إنه “حرام شرعا لأن مفاسده أكثر من فوائده، ولا تتوافر به الشروط الحقيقية للزواج، وتنطوي على آثار خطيرة تهدد استقرار الأسرة والمجتمع”.

خبراء يعتقدون أن الحكومة ما لم تتعامل مع التصدي للأمومة المبكرة كمشروع قومي، لن تحقق الحد الأدنى من خفض معدلات زواج القاصرات

وتكفي متابعة الخطاب التوعوي حول زواج القاصرات لاكتشاف حجم ارتباك المؤسسات المعنية بالمواجهة، حيث تخلط الأوراق وتركز على أن الفعل مخالف للقانون وخطر على صحة الفتاة، دون أن يكون هناك خطاب موجه للصغيرات، وآخر للآباء، وثالث للأمهات، ورابع للمجتمع، يناسب دور كل طرف في الأزمة.

ومن النادر أن يتم مخاطبة الضحية نفسها من خلال الإعلام والمؤسسات التعليمية والوسائل الرقمية، على الأقل لزيادة وعيها وتثقيفها بكيفية التصرف عند التعرض لضغط أسري يجبرها على الزواج المبكر، وتعريفها بطرق الاستغاثة وكيف يمكن لها الحفاظ على جسدها وإقناعها برفض الزواج والتواصل مع الجهات المختصة.

وتصدى المجلس القومي للطفولة والأمومة بالقاهرة بالتنسيق مع النيابة العامة لبعض حالات الزواج من صغيرات عبر تواصل الفتيات مع المجلس وإبلاغه بإجبارهن على الزواج، لكن تظل تلك الحالات فردية ويصعب التعويل على صغيرات للمشاركة في مواجهة الظاهرة من دون أن يكون تثقيفهن بوسائل الاستغاثة.

وأكد رئيس شبكة الدفاع عن أطفال مصر أحمد مصيلحي أن ظاهرة زواج القاصرات لن تُحل بالقانون فقط، لأن العقوبة تخص الفعل والمفترض أن تكون هناك حلول استباقية تمنع وقوع الفعل نفسه، مع وضع إستراتيجية متكاملة تتضمن استقطاب الآباء والأمهات والفتيات، كل على حدة ومن خلال خطاب توعوي مقنع وواقعي وبسيط.

وأضاف لـ”العرب” أن نشر ثقافة الاستغاثة عند الفتيات حل ضروري، والعبرة في كيفية الوصول إليهن، وهذا قد يحدث بالمناهج التعليمية والأفلام القصيرة والإعلانات التلفزيونية وشبكات التواصل الاجتماعي والدراما التي تُبرز الظاهرة، إلا أن التعويل على القانون بلا وعي سوف يُبقي المشكلة قائمة وإن انخفضت بمعدل بسيط.

وتزداد قيمة توعية الصغيرات عندما يكون أغلب أرباب الأسر في المناطق التي تنتشر بها ظاهرة زواج القاصرات من الأميين الذين لا يستوعبون خطاب التوعية والترهيب بالعقوبات، وهنا تظهر أهمية أن يكون الخطاب موجها إلى الضحية لتصبح أكثر فهما للمشكلة وأبعادها المستقبلية، وليس مجرد أن تفرح بالزفاف وبيت الزوجية.

وما يعزز رفض الكثير من الفتيات للزواج المبكر وأنهن في حاجة إلى دعم نفسي ومعنوي وثقافي ضد أسرهن أن حوالي 82 في المئة من الإناث اللاتي يبلغن ثمانية عشر عاما في مصر يرفضن زواج الفتيات قبل استكمال تعليمهن لتكون الأم مثقفة وواعية بقيمتها الأسرية، وذلك وفق إحصاء أجراه مركز المعلومات التابع للحكومة.

ويعتقد خبراء أن الحكومة ما لم تتعامل مع التصدي للأمومة المبكرة كمشروع قومي، لن تحقق الحد الأدنى من خفض معدلات زواج القاصرات، وإذا تمسكت بالمواجهة القانونية فقط كسلاح ردع عليها تصنيف تزويج الصغيرات على أنه اغتصاب، بما يُرهب الأسرة والمجتمع وكل من يحرض على انتهاك أجساد الأطفال.

15