ارتباط الطفل بصديق واحد معضلة تؤرق الوالدين

يرغب معظم الآباء في أن يكون أبناؤهم منفتحين واجتماعيين ولا يكتفون بأن يكون لديهم صديق واحد. وبات ارتباط الطفل بصديق واحد إشكالا يؤرق خبراء التربية والآباء على حد السواء. وينصح الخبراء بتمكين الطفل من توسيع دائرة أصدقائه ومعارفه ما يخلق أجواء إيجابية لديه ليتعلم من خبراتهم في الحياة.
يشير خبراء التربية إلى أن معظم الأطفال لديهم في المتوسط ما بين 7 إلى 9 أصدقاء، وهؤلاء هم الأشخاص الذين يتحدثون معهم ويلتقون بهم بشكل منتظم وجها لوجه.
لذلك بات ارتباط الطفل بصديق واحد معضلة مطروحة لدى خبراء التربية والآباء على حد السواء، حيث تتمركز حياة الطفل حول ذلك الشخص، الذي يصبح القدوة والعائلة وخازن الأسرار، وبغيابه تتوقف حياته وتتأثر حالته النفسية.
وقال الدكتور مايكل وايتهيد معالج الزواج والأسرة إن عدد وجودة صداقات الطفل يختلفان اعتمادا على عدد من العوامل، مثل نوع الشخصية ومهارة التنظيم العاطفي والسلوكيات الاجتماعية مثل الود.
وأوضح وايتهيد أن الأمر يعتمد حقا على الطفل ومستوى الانبساط مقابل الانطوائية التي ستحدد عدد الأصدقاء المقربين إليه.
وتظهر الأبحاث أيضا أن وجود الآباء، نموذجا لمهارات اجتماعية إيجابية، يساعد الأطفال أيضا على تكوين صداقات والحفاظ عليها.
ويرغب معظم الآباء في أن يكون أطفالهم منفتحين واجتماعيين، كما أن جلوس الطفل بمفرده دائما أو مع صديق واحد وقلة حديثه وعدم رغبته في المشاركة في الأنشطة مع أقرانه، أمر قد يحزنهم، فيتساءلون لماذا طفلهم مختلف عن الآخرين، والإجابة ببساطة هي أن بعض الأطفال انطوائيون بطبيعتهم.
توسـيع دائرة الأصدقـاء والمعـارف والمحيطين تنمي خبرات الطفل وتجعل له أشخاصا يساعدونه على إتمام أمور حياته
ورغم أن بعض الأشخاص ينظرون للانطوائية على أنها عيب في الشخصية، غير أنهم يرونها في بعض الأحيان قد تدل على اضطراب أو غرور، فإن الانطوائية سمة من السمات الشخصية، كالاجتماعية وغيرها من الصفات التي يجب تقبلها والتعامل معها بشكل صحيح.
كما أن العديد من الأطفال لديهم صديق مقرب أو مفضل أو مجموعة من الأصدقاء المفضلين. والأطفال الآخرون لديهم مجموعة من الأصدقاء لكنهم لا يميزون واحدا أو أكثر على أنهم أفضل صديق. ومع ذلك، قد ينتهي الأمر بواحد أو أكثر من هؤلاء الأطفال بقضاء معظم الوقت مع أحد الأطفال، ليصبح بحكم الواقع أفضل صديق.
وغالبا ما تتطور أفضل الصداقات لأسباب عملية، ولاسيما عندما يكون الأطفال لديهم اهتمامات أو هوايات مشتركة. وقد يكون الأطفال الذين يقضون فترات طويلة من الوقت معا، مثل الجلوس بجانب بعضهم في الفصل أو اللعب في نفس الفريق الرياضي أو المشاركة في نفس النادي أو بحكم الجيرة، أكثر عرضة لتكوين هذه العلاقات.
ويفضل الخبراء دوما توسيع دائرة الأصدقاء والمعارف لكي يكتسب الطفل من خبراتهم في الحياة وأن يكون هناك أشخاص مساعدون لإتمام أمور حياتهم ويمضون معهم بعض الأوقات الممتعة.
وقال الأخصائي النفسي أحمد النواجحة إن الصداقة أساس المجتمع حيث هي علاقة حميمة بين شخصين تأخذ شكل مميزا وضرورية من أجل استمرار الحياة.
وأضاف “هي أن يكون لك صديق يشعر بما أنت تشعر به ويساعدك على تخطي الصعاب ويبقى بجوارك عند حزنك ويتحملك عند غضبك ويحزن لحزنك ويفرح لفرحك لذلك من الضروري توسيع دائرة الأصدقاء”.
وينصح النواجحة بالتعرف على الصديق الحسن الذي تكون لديه صفات معينة مثل الصدق والاحترام والانحدار من أسرة محترمة، وأن يكون لديه مستوى تعليمي جيد ويكون قريبا من المستوى العلمي. ويرى الباحث الاجتماعي ثامر سلامة أن ليس هناك مانع من أين يكون للطفل عدة أصدقاء فزيادة العلاقات تعد حالة صحية وتعكس مدى تفتح الفرد ونضجه.
وعندما يكون للطفل عدة أصدقاء، فهذا شيء إيجابي يساعده على التنوع وتتوسع دائرة الاختلاط لديه في المجتمع وأفراده، ويمكن بتنوع الأصدقاء أن يخلق الطفل أجواء إيجابية أكثر من روتين الصديق الواحد.
ومن الأمور التي تؤرق الوالدين هي كيفية التوفيق بين دفع طفلهم إلى الانخراط في محيطهم الاجتماعي وكسر حاجز الخوف تجاه الآخرين وبين مخاوفهم من وقوعه في مخاطر من قبل الغرباء.
ويؤكد الخبراء على وجوب معرفة أن الانطوائية ليست حالة مرضية في حد ذاتها، ولكنها قد تسبب مشكلات نفسية للطفل إذا تطورت عن الحدود الطبيعية، فيميل للعزلة التامة ويرفض أي تفاعل مع الآخرين ويظل في غرفته لفترات طويلة، لينتهي الأمر بإصابته بالاكتئاب، لذا يمكن تعديل سلوك الطفل الانطوائي ومساعدته على التفاعل، وذلك بإخراجه من دائرة أمانه.
وقد تكون غرفة الطفل وأسرته دائرة أمانه، وعلى الأم أن تحاول إخراجه منها بشكل تدريجي، وبطريقة غير مباشرة، فيمكنها دعوة صديقه المفضل في البداية للمنزل، ثم تبادل الزيارات، وإذا كان يحب القراءة، فبدلا من شراء الكتب له في المنزل، يجب أن تذهب به إلى مكتبة عامة ليقرأ هناك، ومن ثم يتعرف على أصدقاء جدد ويطور علاقته بهم.
كما يمكن أن تعرّف الأم ابنها على أصدقاء جدد. ولأنه غالبا ما يشعر الانطوائيون بالارتباك أو القلق من البيئات الجديدة والأشخاص الجدد، وإذا كانتِ الأم تحضر حفلة عند أحد الأقارب أو حدثا اجتماعيّا، فيجب ألا تتوقع أن يشارك طفلها الدردشة مع الأطفال الآخرين على الفور. وإذا أمكن، أن تحضر مبكرا حتى يشعر طفلها بالراحة في تلك المساحة، ويشعر وكأن أشخاصا آخرين يدخلون إلى مكان يمتلكه بالفعل.
كما على الأم أن تتأكد من شعور طفلها بأنه مسموع فتستمع له وتسأله أسئلة لتخرجه من عالمه الخاص، ولا تتجاهله. وإن لم تجد الأم الوقت للإجابة، فعليها تدوين الأسئلة في ورقة، والإجابة عنها عندما يكون الوقت متاحا.