ادعاء الفقر حيلة أزواج من مصر لحرمان المطلقات من النفقة

يؤكد مستشارو العلاقات الأسرية أن تهرب الزوج من دفع نفقة زوجته وأولاده يجعلها تعيش ظروفا قاسية لن تنتج سوى قوام أسري غير متماسك، داعين إلى ضرورة البحث عن حلول لإشكالية قيام المطلقة وحدها بالبحث عن حقوقها المادية. ويعتقد البعض من الرجال أن المطلقة إذا حصلت على نفقة بقيمة عالية فهذا انتصار شخصي لها، مقابل الانتقاص من شخصياتهم.
القاهرة – تعجز الكثير من المطلقات في مصر عن إثبات الدخل الشهري لزوجها السابق، ولذلك تصدر المحكمة قرارا يقضي بصرف نفقة زهيدة. فهناك رجال يدّعون الفقر، وآخرون يتلاعبون بقيمة ما يتقاضونه شهريّا نظير الوظائف التي يشغلونها، في حين لا تملك المحكمة إثبات العكس، لأنها تصدر قرارها وفق الوثائق التي أمامها.
وإزاء هذه الحيل التي يلجأ إليها البعض من الرجال تكون بدائل المطلقات قليلة بسبب الثغرات في قانون النفقة، والتي أصبحت تكرس معاناة النساء بظلمهن وإذلالهن حتى عند المطالبة بحقوقهن المادية بعد الانفصال، في حين تقف الحكومة صامتة وشبه عاجزة عن إيجاد حلول لهذه الإشكالية المعقدة.
وبالطبع، لا ينعكس ذلك على المرأة وحدها، بل يكون التأثير الأكبر على الأبناء الذين تعجز الأم عن توفير الحد الأدنى من احتياجاتهم المادية والتعليمية والصحية والترفيهية، في حين يتمتع الأب بأمواله، مع أنه قدّم أوراقا للمحكمة تفيد بعدم قدرته المادية على دفع النفقة أو رفع قيمتها، لادعائه الفقر وقلة الحيلة.
ولا تزال أسماء محمد -وهي فتاة مصرية في بدايات العقد الثالث من العمر- غير قادرة على أن تثبت للمحكمة المبلغ الحقيقي الذي يتقاضاه طليقها شهريا، فهي بالكاد نجحت في تقديم ما يفيد بأنه يعمل معلما في مدرسة حكومية، لكنها أخفقت في تقديم أدلة على عمله في مراكز الدروس الخصوصية طوال اليوم، أيّ أنه مقتدر ماديا.
الحرمان المادي الذي تعيشه المطلقة نتيجة تهرب الرجل من النفقة وادعاء الفقر لن ينتج عنه قوام أسري متماسك
في هذه الحالة ستتواصل المحكمة مع جهة العمل الخاصة بطليق الفتاة لتحدد لها بالضبط كم يتقاضى، وسوف تبلغها المدرسة بأن دخله الشهري حوالي 160 دولارا فقط، مع أنه يحصل على قرابة عشرة أضعاف هذا المبلغ من مراكز الدروس الخصوصية، لكن المحكمة ستصدر قرارها وفق البيانات الرسمية الواردة من المدرسة فقط.
وقالت الأم لـ”العرب” إنها لا تتوقع حصولها على نفقة تتجاوز الأربعين دولارا بدعوى أن راتب زوجها السابق زهيد، رغم أنها متأكدة من عكس ذلك، فهي التي عاشت معه وعرفت مقدار دخله الشهري الكبير الذي يجنيه من تقديمه الدروس الخصوصية، لكنها لن تستطيع إثبات ذلك، والمحكمة لا تتدخل ولا تحكم إلا وفق الوثائق الرسمية.
ولئن ضمنت أسماء مبلغا زهيدا من النفقة الزوجية بسبب الثغرات القانونية فإن هناك الكثير من المطلقات اللاتي يعجزن عن الحصول على نفس المبلغ بسبب ادعاء الرجال الفقر، خاصة من الفئة التي تمتهن الأعمال الحرة التي يصعب إثبات دخلها الشهري، مثل الحرف اليدوية والتجارة وكل وظيفة أخرى ليست لها أوراق ثبوتية.
وفي مثل هذه الحالات تقضي الأحكام بالتزام الرجل بدفع الحد الأدنى من النفقة، بحكم أن القاضي ليس أمامه ما يثبت أو يحدد دخل الرجل بالضبط، والمطلقة تكون عاجزة عن تقديم الأدلة، ما يجعل حياتها وحياة أولادها بائستيْن، وتفتقد كل مظاهر السعادة والراحة النفسية والرضا المادي وتوفير الموارد الخاصة بشراء المستلزمات الضرورية.
ويؤكد متخصصون في العلاقات الأسرية أن الحرمان المادي الذي تعيشه المطلقة نتيجة تهرب الرجل من النفقة، أو ادعاء الفقر للتأثير على قرار المحكمة، لن ينتج عنه قوام أسري متماسك ولو كانت عناصره الأم والأولاد فقط، فهي ستواجه ضغوطا شديدة تؤثر على أبنائها، إما في صورة تقشف أو متاعب نفسية.

وعادة ما يكون الصغار أضعف حلقات الصراع بين الرجل والمرأة بعد الانفصال؛ فالزوج لا يطلق شريكته وحدها، بل يطلقها وأولادها أيضا، وهناك الكثير من الشواهد المأساوية التي تعكس خطورة استمرار التنصل من النفقة، ويكفي أن يتم طرد الأم وأبنائها من السكن بسبب عجزها عن دفع الإيجار الشهري ليجد الصغار أنفسهم يعانون تبعات ذلك.
وإذا لجأت المطلقة إلى أسرتها لطلب مساعدتها وإعانتها على مواجهة صعوبات الحياة وتدبير احتياجاتها قد يتم قبول ذلك لفترة، لكن لا تستمر المساعدات بنفس الوتيرة، وتصبح عبئا ماديا ونفسيا على العائلة، بل يتم تحميلها وحدها فاتورة انفصالها، وقد تتعرض للتنمر والمعاملة القاسية، لأنها في نظرهم وضعت نفسها في هذا المأزق عندما وصلت علاقتها بزوجها إلى الطلاق، دون اكتراث بالأسباب والظروف التي دفعتها إلى ذلك، في حين أنها تكون دائما في نظرهم متهمة بعدم الصبر والتحمل.
صحيح أن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي صادق في فبراير من عام 2020 على تعديل تشريعي وافق عليه مجلس النواب، بسن عقوبات على الرجل الممتنع عن دفع النفقة الزوجية تقضي بالحبس سنة وغرامة لا تتجاوز خمس مئة ألف جنيه، لكن ذلك لم يحل الأزمة، فالقانون ارتبط بمحاسبة من حُكم عليهم بدفع قيمة النفقة وتنصلوا من ذلك، في حين لا تزال أزمة الكثير من المطلقات مرتبطة بكيفية إثبات دخل الرجل حتى تبني عليه المحكمة قرارها وتحدد القيمة المادية التي ستحصل عليها المرأة لإعانتها هي وأولادها.
يجب البحث عن حلول لإشكالية قيام المطلقة وحدها بالبحث عن حقوقها المادية
ورأت هاله منصور -أستاذة علم الاجتماع- أن أزمة بعض الرجال تكمن في اقتناعهم بأن المطلقة إذا حصلت على نفقة بقيمة عالية فسيعتبر ذلك انتصارا شخصيا لها مقابل الانتقاص منه، دون أدنى اقتناع بأن هذا حق أولاده عليه، وحقها أيضا في أن يستمر في الإنفاق عليها وعلى الأولاد حماية لهم من المخاطر والعجز عن توفير احتياجاتهم ومتطلباتهم.
وأضافت لـ”العرب” أنه يجب البحث عن حلول لإشكالية قيام المطلقة وحدها بالبحث عن حقوقها المادية وإثبات دخل الرجل، فيكفي ما تعانيه من مصاعب نفسية واجتماعية وأسرية، ثم أن حيل بعض الرجال تكون كثيرة، وللأسف يدفع الأبناء الفاتورة وحدهم، ما يتطلب تشريعات منفصلة تتعلق بالمطلقات لمنع إذلالهن بالنفقة.
فالمرأة المطلقة حينما تجاهد وحدها بحثا عن حكم يمنحها ولو مبلغا زهيدا يساعدها هي وأولادها على مجابهة مصاعب الحياة، يعيش الرجل طوال هذه الفترة حياته بشكل طبيعي، دون عناء نفسي أو شعور بمسؤولية تربية الأبناء، بل تكفيه الاستعانة بمحام متخصص في القضايا الأسرية، يؤدي مهمة الالتفاف على الدعوى القضائية وتقديم وثائق غير حقيقية تفيد بأن موكله ظروفه المادية صعبة، أو يطلب تمديد أجل القضية، أو يقدّم ما يفيد بأنه لا يعمل بأي جهة، مع أنه قد يكون صاحب عمل ويتحصل شهريا على مبالغ كبيرة.
ويصل الأمر أحيانا إلى حد قيام الرجل بتوقيع شيكات وهمية على نفسه لأي جهة أو شخص، ويقدمها إلى المحكمة ليثبت أنه مدين بمبالغ مالية ضخمة، وليس قادرا على الوفاء بالتزاماته ناحية زوجته السابقة أو أولادها، بحيث تكون قيمة النفقة زهيدة، أو يحصل على حكم مخفف، وكلها تعقيدات تكرس قهر المطلقة وإنهاكها معنويا.
وتنادي الكثير من الأصوات بضرورة إدراج المطلقة ضمن برامج الرعاية الاجتماعية، لتحصل على إعانات شهرية من الحكومة، أسوة بباقي الفئات غير المقتدرة ماديا، فهي بالفعل كذلك، حتى لو كانت موظفة أو تعمل بأي جهة، في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة وشح مصادر الرزق الأخرى، خاصة وأن ظروفها تغيرت بعد الانفصال، حيث كان الزوج ينفق أو يشارك في الإنفاق على الأسرة، واليوم تملص من هذه المسؤولية، ما يتطلب مظلة حكومية تنصف المطلقة وتدعمها ماديا ومعنويا في مواجهة حيل الرجال وثغرات القانون.